الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله .. في التراث

إبراهيم رمزي

2011 / 6 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1- إله لا يبالي بعبادة سبعين سنة
جاء في كتاب (المخلاة - للعاملي): كان ... عابدٌ عبَد اللهَ سبعين سنة، ثم قدم له حاجة، فلم تقض له. فرجع إلى منارته، وقال: لو علم الله أن فيّ خيرا كان قضى حاجتي. فبعث الله ملكا، فقال له: إن الله تعالى يقول لك: لومك نفسك لي، كان أحب إلي من عبادة سبعين سنة، وترى حاجتك قد قضيتها بلوم نفسك. اهـ .

أهي منة من الله ألا يقضي حاجة من عبَده سبعين سنة؟ أم هو اختبار منه لهذا العابد الذي عبَد سبعين سنة؟ هل سيثبت العابد على إيمانه أم سيكفر عند عدم الاستجابة لطلبه؟ أليست سبعون سنة كافية لإثبات الإيمان؟ طبعا ننطلق من الآية القرأنية" وما ربك بظلام للعبيد"، فبم شعر الرجل في دخيلة نفسه: بالرضى؟ بالظلم؟ بحسن الجزاء؟ بالقسوة؟ ...
ثم ما هذا التناقض: الرجل يتوجه إلى الله طيلة سبعين سنة، ثم يقول: لو علم الله في خيرا ... ،؟ هل كان يتوجه لإله أصم أعمى؟ إنه ينفي العلم عن الله، ثم يعود ليستقبل ملكا من عند الله العليم السميع البصير القدير.
ما قيمة عبادة "سبعين سنة"؟ بأي نوع من الإيمان كان الرجل متسلحا؟ لقد قال عن نفسه: لو علم الله في خيرا ... ما الذي دعاه إلى الشك في أن عبادة سبعين سنة غير مجدية، ولا تساوي همَّها؟ وهي كذلك رسالة الله تعالى: " لومك نفسك لي كان أحب إلي من عبادة سبعين سنة" أي الحُكمين على "عبادة سبعين سنة" نأخذ به: الحكم الآدمي القاصر عن استيعاب القدرة الإلهية، وتصرف الله في شؤون خلقه كيف يشاء؟ أم الحكم السماوي الشامل لما في السموات والأرض؟ أم نأخذ بهما معا ونعتبر أن "عبادة سبعين سنة" كانت بمثابة صب الماء في الرمل، سواء كانت عبادة مشوبة بنواقص أو كانت خالصة؟
أعتذر للقراء الكرام، وذلك أني وضعت نقطا للحذف في الخبر، لأن الخبر يبدأ كالتالي: " كان في بني إسرائيل عابد عبد الله سبعين سنة"، ولقد تعمدت ذلك، لنرى وضعية يمكن أن تنطبق على جميع الأديان، سواء التي تدعي لنفسها الامتياز وتغض من غيرها، أو التي ما تزال تحاور وتجادل في الأفضلية. لأن التعصب الديني سيقود الخصوم - حتما - إلى الانطلاق من التقليل من شأن الرجل ودينه والتشكيك في عبادته، واعتبار ما نزل به أمرا بدهيا لأنه ليس على ديانتهم.
أطلب من القاريء الكريم أن يستنتج صورة الله تعالى من الخبر السابق، والخبر التالي:
كان في بني إسرائيل رجل، حضرته الوفاة، فأوصى أولاده وقال: إذا أنا مت، فاحرقوني في النار، واذروا رمادي في الريح. فلما مات فعلوا ذلك. فجمع الله رماده في طرفة عين، ثم أحياه ربه، ثم أرسل إليه ملكا فقال: يقول لك ربك: ما حملك على هذا؟ فقال: حياء من الله، إذ لم أعبده حق عبادته. فقال الله تعالى: أدخلوه الجنة، فوعزتي وجلالي لا أدخلت النار من يستحي مني". اهـ ، (من نفس المصدر).
هل هذا الإله عاجر عن إدراك ما في الضمائر؟
هل هذا الإله عاجز عن مساءلة عبده وهو على قيد الحياة يوصي بإحراقه؟
هل هذا الإله محتاج إلى إثبات قدرته بإعادة لمّ شتات الرماد، وإحياء الرجل لمساءلته؟
هذا الإله في الخبر الثاني يبدو أكثر لطفا وتسامحا ورحمة، ويكافيء استحياءَ عبدٍ من عباده بالجنة. بينما هو في الخبر الأول إله لا يبالي بـ "عبادة سبعين سنة"

2 - صبيانيات
يتميز الكائن البشري بكل المتناقضات، فهو في حال الثورة والغضب - إذا تمكن ممن أساء إليه - ألحق به شتى صنوف الهوان والعذاب التي يستطيع ممارستها، وربما وصل به الأمر إلى إزهاق روحه. وربما تعسر عليه الظفر بعدوه إبان فورة غضبه، فلم يصادفه إلا بعد حين من الدهر تكون شوكة غضبه قد انكسرت، فيتجاوز عن عدوه، ولا يلحقه بأذى. وربما ظفر به وقد اعتراه الوهن فلم يعد قادرا على تنفيذ ما كان يعتمل في نفسه من صنوف الانتقام. وربما عملت الأيام على محو صورة عدوه من مخيلته حتى إذا التقاه كان كمن يلتقي بأي غريب يراه لأول مرة.
وقد يكون الشخص مالكا لعنان أمره - وقد تمكن من عدوه منذ البداية - فلا يشتط ولا يبالغ في رد فعله، وربما يكون حليما فيعفو عن عدوه، سواء استعطفه أم تفضلا منه، وربما يرفده ويحسن إليه، متناسيا ما صدر منه، ومقابلا السيئة بالحسنة.
هذا طبع الكائن البشري. والآن لنقرأ الخبر التالي كما جاء في كناب (حياة الحيوان الكبرى - للدميري):

عن أبي هريرة "ض" أن النبي "ص" قال: "يجاء بالجبارين والمتكبرين يوم القيامة رجال على صور الذر يطؤهم الناس، من هوانهم على الله، حتى يقضي بين الناس، قال: ثم يذهب بهم إلى نار الأنيار. قيل: يا رسول الله وما نار الأنيار؟ قال عصارة أهل النار". اهـ .

بالتمعن في هذا الخبر، يتبادر إلى الذهن هوان هذه الصورة - عن يوم القيامة المسترسل، "حتى يقضي الله بين الناس"-، والذي لا يتجاوز إلا سنين ألوفا مما يعده الآدميون، وذلك مقارنة بما تعرضه نماذج إخبارية أخرى عن تصوير يوم القيامة.
وفي انتظار المثول أمام الله للحساب، يعاني صنف من البشر من هوان ما بعده هوان، في كل لحظة، وبدون انقطاع، خلال هذه المدة الطويلة جدا جدا. فهم - وفي انتظار محاسبتهم - ليسوا على شاكلة البشر الآخرين، إنهم في حجم النمل يفرون مذعورين في كل الاتجاهات اتقاء أن تدوسهم - صدفة أو عن سوء قصد - أقدام الواقفين في المحشر، أي إن صنفا من البشر مسلط ليمارس تعذيب صنف آخر من البشر/النمل قبل محاكمته، أو ممن ستكون محاكمته صورية ليس إلا، لأن الحسم في حكمها ومصيرها قد تم قبل البدء في محاكمة نفوس ألهمها الله فجورها وتقواها، ولا بأس من شروع صنف من هذه النفوس في الاستئناس بمزحة مخففة ومبسطة من العذاب، في انتظار ابتداء التنكيل المهول حقا في "عصارة أهل النار".
البشر - في تعاملهم بالعالم السفلي الأرضي - يطبقون - ولو نسبيا - مبدأ " المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته"، وأن "العقاب يتناسب مع نوعية الجنحة والجريمة". هل هناك تكافؤ بين عمر المخلوق البشري على الأرض وهو بضعة عقود، وبين الخلود الأبدي الذي لا نهاية له في النار؟ فهل عدالة البشر تضارع عدالة الله، أو تتفوق عليها؟
هل تجاوُزُ البشرِ عن أحقادهم، وتناسي إساءات المسيئين لهم، ومدُّ يد الصلح لأعدائهم، أنبلُ وأسمى من تصرفات خالقهم الرحمان الرحيم؟

الخلاصة يمكن أن تقودنا إلى أن الله - ربما - يمارس سلوكات صبيانية - كما تقول اللغة الشعبية - وإما أنه أكثر سموا عن ذلك، وأن الذين يمارسون الصبيانيات هم هؤلاء الذين يكذبون على الله بتخيلاتهم المغرقة في الغرائبية والخيال المجنح اللذين يحنطان التفكير الحر المنطقي لدى الأكثرية، ويصوران الله بصورة أدنى من صورة البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 110-Al-Baqarah


.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل




.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر