الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمس وعشرون عاما على فراق خالد نزال، عن تجربة التعايش مع الفقد

ريما كتانة نزال

2011 / 6 / 5
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


بعض الأسئلة ما ليس له اجابات..ممكنات الحياة مع أبناء كزغب القطا تحت سقف تهاوى احد أعمدته.. عن مشاغل المسافر وحده إلى ديار مجهولة الجغرافيا.. عن إباحة الممنوعات الدنيوية في جنة الشهداء.. عن الكلام المباح لمتوالية الفقد في نصها الخامس والعشرين ..
السنوات الثلاثة الأولى عتب وغضب. انكشاف سر الأسماء المائية، ديمة وغيث، الغيمة والمطر.. جدارية الماء، ولو أمهلك القدر لأسميت الثالثة "مزنة". مثل جميع الحيل الصغيرة التي مررتها من فوق رأسي مرت حيلتك الكبيرة، وعود القبض على الجمر معا، لم تكن سوى ستارا للقبض على الماء وحدي..
مع استمرار تسرب الماء من قبضتي يرتفع منسوب تجرعي العلقم .. اجتياح الحزن للروح جاعلا الدموع تتساقط مطرا يحفر أخاديده على سطح الوجه. أوغل في الصمت تاركة القلق يعربد كما يشاء. أتشاطر السهر مع أشباح الليل وأحبس أنفاسي خوفا من المستقبل، ينعقد اللسان من هول طوفان المشاعر. في تلك السنوات تظهر علامات الابتلاء بمتلازمة الظل، قامة نبيلة فارعة ترافقني في حلي وترحالي، أتلمس معها تفاصيل الفقد اليومي لحامل الوجه الذي لا يصلح للموت، وعن زوايا القلب الذي لا ينسى ولا يهدأ.
السنوات الخمس التالية، أستنزف حدادي ويتكسر الحزن ولا ينحسر الخوف. أفترش تركة ثقيلة تطفو على صفحتها أربع حدقات صغيرة، تشرب أملاحي وتقشّر سوادي. تحثني على رفع الستائر، استدعي دفاعاتي الفطرية، أرفع مستوى استنفارها الى اللون الأحمر، اجهزها وأمرنها وأدربها على السير فوق رؤوس الموج، والاعتياد على السكن في الرواية.
مدّ وجزر.. لا أبتعد عن دفاعاتي ولا أتباعد.. اتجاذب معها وتغلبني، أتعارك معها فأغلبها.. أكتشف طاقة الموت الساكنة على الانتشار في كل الاتجاهات، أتقاسم معه حياتي المتهاوية، يشاركني أحلامي الواقعية ويقظتي الشاعرية..وأسعدني إدمان السكن في أحابيله التي لم يبث جميع اشاراتها صندوقي الأسود..
أحترف الفقد نادرة نفسي إليه، أدخل تجربة الحياة مع الفقد من أوسع أبوابها، ألعب في ملعبها بشروطي. يشتدّ عودي باستنفار مجساتي، أشد الأوتار على مداها الأقصى، فالعبء كبير يثقل كاهل الفكر الوحيد، مع أكتاف لم تعتد على حمل جبل تحرك من مكانه، لأكون عامود البيت الوحيد، الأم والأب.. أستسلم للدور الجديد، وأدفع نفسي الى الفضاء لأستظل في شرنقة موشاة بالتمائم والحروف الموشاة بالرتابة ومضغ الشوق.. في مفردات التغلب على الوحدة بعدّ النقاط، التدرب على تفاصيل حب العيش في الصحراء، ومشهد التغلب على الذات، أجلدها حتى تعتاد سياط الذكرى.. والعوم على عذاب الرواية كوصفة مفيدة تمدني بالسكينة.. والانجذاب الى تداعياتها وقواعد إعرابها.
في السنوات السبع التالية، أغرق في أسئلة الموت والحياة، من يبدأ أولا.. وكيف تختار الحياة لنفسها الموت كنهاية، ولماذا لا يُدرك كل الموت حين تدرك الشيخوخة.. لماذا نخاف الموت ونبغضه..ألأنه يأخذ الأحبة منا فقط.. أم لأنه أيضا يداهمنا متأبطا التغيير على أشكالنا ووضعيتنا وأدوارنا عابثا ببكرة خيطان حياتنا.. ولفرط ما تعاطيت مع فكرة الموت ومعايشتي لتفاصيله، امتلكت فلسفة تحرضني على السخرية منه، أجابهه يومياً، لا أخافه. وتنشأ المواجهة بين موت في عمق أعماقي مع مظاهر الحياة البادية على سطحي، واراقب المفارقة التي تجعل الشهيد مفرط الحياة في داخلي، بينما يعيش الموت في صورته الظاهرية.
السنوات العشر الأخيرة، أدفع الحزن الى أعماقي وأرفع رأسي تاركة الغضب جانبا. أنسج خيوطا موشاة بالفخر الممزوج بنكهة الحسرة والحنين. تثيرها سياط ذاكرتي اللعينة، لأبناء لم يعيشوا الحياة التي أردتها لهم. لعروس الماء التي زفت دون أن تحلق على رأسها يد شعورة تبارك حبها، لشجرة فارعة القامة تظلل وتضيء محطاتها. غصة مُرّة لا زالت ترتعش في حلقها من ذعر ذلك الخبر الذي جاء قبل خمس وعشرين عاما مبعثرا حياتها ..
وكلما ارتفع منسوب الشوق لقربك؛ والذي ارتبط بعقد زواج أبدي مع الزمن، أمعن النظر في حبة المطر. "غيث" الذي يهذي بأسئلة لا إجابات قاطعة لها، يملك أمنية صغيرة واحدة والى الأبد تضع حدا لحسرة تعشش في خياله: رؤية الوالد يتحرك أمامه لمرة واحدة، للعثور على الحد الفاصل بين الأب الذي صنعه بيده، ورتب شخصيته كما أحب لتصبح شخصية مثالية محمّلة بالرموز والأيقونات، مقطرة بحكايات الجدة وصور الجدار، وبين ذلك الوالد الحقيقي الذي يحبه ويعاقبه كجميع البشر، وإراحتي بتوقفه عن سبر غوري والاجتهاد في البحث عن أبيه في حفرياتي.
مع مرور ربع قرن على صعودك قمة الخلود، أستمر في التدرب والتمرن على مناكفة الزمن، وفي القفز النهاري على مسرح الواقع لأعود مسرعة متعلقة بخشبة الخيال، ولا زلت أدعم دفاعاتي واسندها، مرة بزرع حجر من تعويذة أضعه في رُكبتي لصلابة وقوفي.. وأخرى في قبضتي لحجز الماء في يدي المثقوبة، ودائما في تبريد العقل بكمادات الجليد.
في ذكراك الخامسة والعشرون أعترف بتورطي في مغامرة الكتابة، كبلسم لعلاج هزة وجدانية بعثرتني، ولإخراج الفاجعة من زوايا الروح، وتفريغ شحنة الرعشة من يدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية لقلمك
كنعان الكنعاني ( 2011 / 6 / 5 - 18:43 )
الكاتبه المبدعه
حينما نرتقي بذاتنا وبواقعنا فوق الوضع الطارئ الذي يباغتنا به فقد الأحبه فنحن عمليا نهزم الموت ... تحية لقلمك الذي يطرز في وعي قرائك إنسانية متفرده. مع عميق الاحترام


2 - تحية لك ياسيدتي من القلب
كفاح جمعة كنجي ( 2011 / 6 / 6 - 09:29 )
كلما اقرا عن الشهداء اصحاب القضايا العادلةاي شهيد في اي مكان اجدني ابكي واذرف الدموع لكن اليوم دمعتي نزلت ليس للشهيد فقط ولكن لصبرك وصدقك كام وزوجة وانثى فقدت معيل اسرتها كلماتك ياسيدتي تهز البدن وتجعله يرتجف قبل القلب والمشاعر .في العراق وفلسطين لاتوجد عائلة دون شهيد اواكثر لكن اثق تماما ان دم الشهداء لن يذهب سداَ تحية لك ياسيدتي مرة اخرى وكان الله في عون الشعب الفلسطيني

اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري