الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان المسلمون وجبة الخزنوي الليبرالية

هوشنك بروكا

2011 / 6 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس من السهل في هذا الزمان الصعب، الضاج بأحزاب الله، والذي يصرّ فيه أهل "الإسلام هو الحلّ" على اختزال كلّ الدولة في "دولة الله"، أن يجمع المرء في نفسه بين سلوكين: سلوك الجبة وسلوك الليبرالية.

كان متوقعاً جداً، أن يثير الخطاب الليبرالي الجميل الذي أطلقه الشيخ محمد مراد نجل الشيخ الشهيد الخزنوي محمد معشوق، قبل أيام، في مؤتمر "بعض" المعارضة السورية، في أنطاليا التركية، ردود أفعالٍ إسلاموية كثيرة هنا وهناك.

لم يدعو الشيخ في كلمته الكثيرة، التي خصّها بالثورة السورية، وقادم دولتها، إلى "دولةٍ دينية" يكون فيها "الإسلام ديناً ودولةً"، كما هو حال دعوات وفتاوى جلّ أرباب الدين وشيوخه، في هذا الزمان، وإنما قال بالحرف: "إننا في مؤسسة شيخ الشهداء الدكتور معشوق الخزنوي للحوار والتسامح والتجديد الديني ندعو إلى دولة القانون، دولة حرة و ديمقراطية ليبرالية وعلمانية على أساس فصل الدين عن الدولة وليس معادة الدولة للدين، بحيث يأخذ الجامع كامل صلاحياته من دون تدخل أية جهة، وكذلك الكنيسة والبرلمان تكون لهما خصوصيتهما ، وفي نهاية الأمر لا تكون القيمة إلا للذي يريده الشعب وهو وحده بيده كلمة الفصل".
تلك هي صورة الدولة وشكلها، التي دعا إليها الخزنوي الإبن، ل"سوريا القادمة" في "مؤتمر المعارضة السورية للتغيير" بأنطاليا: دولةٌ يكون فيها ما لله لله وما لقيصر لقيصر، يأخذ كلّ ذي حقٍّ حقه؛ دولةٌ مدنيةٌ لا تُحكم بالدين ولا تُحاكمه؛ دولةٌ علمانيةٌ قائمة على أساس فصل البرلمان عن الجامع، وفصل قانون الأرض عن قانون السماء؛ دولةٌ ديمقراطيةٌ تُحكم بالأكثرية وتحترم الأقلية؛ دولةٌ متسامحة من الجميع إلى الجميع؛ دولةٌ ليبرالية يمرّ فيها الكلّ إلى الكل، والكلّ يدع الكلّ يمرّ؛ دولةٌ مفتوحةٌ على الكلّ، كلّ الدين وكل الدنيا وكل ما بينهما من دنيويات وماورائيات.

إلاّ أنّ هذه الدولة المافوق دينية، التي رآها الخزنوي حلاً لقادم سوريا ومستقبلها، لم ترق لأهل الدولة الدينية(الإسلام هو الحل)، الذين يريدون اختزال كلّ المدنية وكلّ دوّلها، في الدين الواحد، والطريقة الواحدة، والخلافة الواحدة، والسماء الواحدة.
هؤلاء، ما كانوا يتوقعون أصلاً أن يخرج عليهم صاحب جبةٍ فصيحة، و لسانٍ قريشيٍّ فصيحٍ على نحو لسانهم، وقرآنٍ مفصّل من قرآنهم، ليدعوهم، وهو الكردي الداخل على دينهم، إلى دولةٍ ديمقراطيةٍ علمانيةٍ ليبراليةٍ خارج دينية، مفصولةٌ قانون دينها عن قانون دنياها.

من هنا ثارت ثائرة أصحاب إيديولوجيا "الإسلام هو الحل"، وكادوا أن يقيموا المؤتمر ولا يقعدوه، على "دولة الخزنوي"، التي لا يرون فيها إلا "الإلحاد" و"الخروج على دين الله"، و"دستوره"، كما تبيّن من ردود أفعالهم. فالعلمانية، حسب طريقتهم السياسية إلحادٌ، والليبرالية كفرٌ ما بعده كفرٌ، وشرعة حقوق الإنسان هي "شرعة إفرنجية" غريبة عن دين الله وشرائعه، فصلّها "أولادة القردة والخنازير" على مقاس "كفرهم وزندقتهم"، أما القوانين الأرضية الوضعية الدولتية التي لا تتخذ من "الشريعة الإسلامية" مصدراً أساساً (بل ووحيداً) لها، فهي قوانين أكثر من "باطلة" وأكثر من "مرتدة"، وتستحق أكثر من قتلٍ، وأكثر من إعدامٍ ومحو.

الدولة في فقه هؤلاء المحتكرين ل"الحقيقة السماوية" دينٌ، والدين دولةٌ، ولا دين في منظورهم المتديّن جداً من دون دولةٍ، كما أنّ لا دولة بدون دين. وكي لا يفوّت هؤلاء دعاة "الدولة السماوية"، عليهم فرصة الإنقلاب العاجل على "دولة الخزنوي"، قام أولياء أمور مؤتمر أنطاليا من أهل "دولة الخلافة" على عجلٍ، بجمع تواقيع أكثر من ثلثي المؤتمرين خلال أقل من ساعة، لإسقاطها ومحوها عن بكرة أبيها، وهي لا تزال دولة على الورق، ومن الحبر إلى الحبر. فالدولة المدنية الديمقراطية الليبرالية العلمانية الحديثة، ودولة هؤلاء الدينية قلباً وقالباً(التي تستمد شرعيتها أولاً وآخراً من الشريعة الإسلامية، بحكم الإسلام هو دين الأغلبية)، هما كخطين متوازيين، لا يلتقيان مهما امتدا.
أية دولة راهنةٍ أو قادمة، تخرج عن هذا المحنى الديني الواحد الأحد، القائم على شعار "الإسلام هو الحل"(أي كلّ الحل لكل الدين، ولكل الدنيا، ولكل الدولة سياسةً واقتصاداً واجتماعاً وثقافةً)، هي حسب طريقة هؤلاء وتعاطيهم السياسي مع العالم ذاتاً وموضوعاً، دولةٌ دخيلة، مزيفة، أنتي إسلامية، عميلة، كافرة لا بدّ من إعلان الجهاد ضدها.

ولما لا، طالما أنّ الإسلام حسب سياسة هؤلاء، هو أصل الدولة وفصلها، من أولها إلى آخرها!
لما لا، طالما أنّ الجوامع كانت على مرّ التاريخ الإسلامي، وتاريخ دوّله، حسب "نقول" هؤلاء، منطلقاً لجميع حروبه وفتوحاته!
لما لا، طالما أنّ الإسلام كان ولايزال في "دساتير" أحزاب هؤلاء دينٌ ودولة؛ اجتماعٌ وسياسةٌ واقتصادٌ وثقافة!

الإسلام دينٌ، ككلّ دين، له ما له وعليه ما عليه، مكانه الحق هو الجامع، وليس البرلمان أو الحكومة أو الدولة.

الدولة المدنية الحديثة لا دين لها، كما أنّ الدين ليس بدولة. فالدين هو لله، أما الدولة حكومةً وبرلماناً وقضاءً ومؤسسات أخرى، فهي لكل الشعب، بكل قومياته وأديانه وطوائفه وملله ونحله، قوميين ولا قوميين، متديّنين وعلمانيين، دينيين ولادينيين.
فأية محاولة لحكر دستور الدولة على دستور دينٍ ما(أيا كان هذا الدين، ديناً للأغلبية أو للأقلية)، هي في المنتهى مسعى إيديولوجي ديكتاتوري إقصائي، يهدف أولاً وآخراً، إلى حكم الدولة بالدين، للعبور "المقدس" إلى الدولة الدينية "المنشودة"، التي لن تكون ولا يمكن لها أن تكون "دولةً مدنية"، بأيّ حالٍ من الأحوال.

الأخوان المسلمون في سوريا، الماشون(كإخوانهم في جهاتٍ أخرى) حتى اللحظة على شعار "الإسلام هو الحل"، لا يزالون يصرّون على "سوريا دينية" بدلاً من سوريا مدنية.
هم، يقولون في مؤتمراتهم العاجلة الداعية إلى "التغيير العاجل"(وما أكثرها هذه الأيام) ب"دولة ديمقراطية مدنية"، لكنهم يريدون في الحقيقة لسوريا أن تكون "دولةً دينية" واحدة لا شريك لها. والدليل هو تحفظهم الكبير الأخير، على "دولة الخزنوي" التي ثاروا عليها ورفضوها بالقطع، بمجرد أنه دعا إلى سوريا علمانية، يكون الدين فيها مفصولاً عن الدولة.

هذا التحسس والفزع الإخوانييّن من علمانية سوريا القادمة، هو دليل أكيدٌ على منهجهم الأول والأساس، الذي كانو ولا يزلون يمشون عليه(الإسلام هو الحل)، إذ فيه من الدين أكثر من الدولة، ومن التديّنية أكثر من المدنية، ومن الديكتاتورية والواحدية أكثر من الديمقراطية والتعددية، ومن السلفية أكثر من الحداثة.

حسناً فعل نجل الشيخ الخزنوي الشهيد، حين قال كلمته الفصل في سوريا القادمة، التي أراد لها أن تكون دولةً مدنيةً ديمقراطية علمانيةً ليبرالية، وقال بالإسلام ديناً حنيفاً، دون أن يفرضه على السوريين "قائداً قادماً" لدولةٍ سوريةٍ "حنيفة" قادمة.
حسناً فعل الشيخ الخزنوي محمد مراد، حين كشف أوراق الإخوان المسلمين تحت أول سقفٍ جمعهم ببعض أهل التغيير السوري القادم، وأبانهم على حقيقتهم "الواحدية" التي تختزل الإسلام الواحد في الدولة الواحدة، وهذه الأخيرة في الإسلام.
حسناً فعل الشيخ الكردي المسلم، حين أسمعنا "قرآنا ليبرالياً"، ساوى فيه بين العربي والأعجمي، بالكاد نسمعه اليوم؛ ورسم لنا صورة "دولةٍ مدنية ديمقراطية علمانية ليبرالية" في القرآن، لا حياة لها في فتاوى شيوخ اليوم.
حسناً فعل الشيخ محمد مراد، حين دعاة إلى دولةٍ حديثةٍ، بكل ما تحمل هذه الدولة من معنى، تساوي بين كل "الإخوان السوريين"، بكل إثنياتهم وأديانهم وطوائفهم ولغاتهم، ولا تفرّق بين سوريٍّ وآخر إلى بالمدنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من الذى يمول تنظيمهم الدولى
Amir Baky ( 2011 / 6 / 6 - 15:32 )
الإخوان لهم تنظيم دولى فهم فى مصر و سورية و معظم الدول العربية و فى غزة تحت اسم حماس. فبديهيا ولاء الإخوانجى السورى لهذا التنظيم و ليس لسورية و هكذا ولاء الإخوانجى المصرى لنفس التنظيم و ليس لمصر. الأهم فى الموضوع من الذى يمول هذا التنظيم الدولى؟ فهذا الممول هو الشيطان الذى يلعب و يتدخل فى شئون جميع الدول العربية. للأسف تربى الإخوانجى على خيانة بلدة و التعامل مع البلد على إنها غنيمة حرب يجب أن يمتطى حكمها بأى وسيلة. مدنية الدولة لا تعطى له فرصة لتحقيق هذا الحلم


2 - نهاية تنظيم افخوان على يدهم
فرحات الجزائري ( 2011 / 6 / 6 - 19:38 )
كل التنظيمات الإسلامية دون استثناء، مبنية على مبدأ المرشد وحاشيته، والولاء التام دون السؤال والمسائلة الذي لا يعدوا أن يكون أكثر من نسخة جديدة للخلافة البائدة مع كثرة المتنازعين عليها ومعرفة المجتمعات العصرية لكل أساليب الوصول للسلطة في الماضي الغابر والقريب، وبذلك معرفتها بتقنيات تلك التنظيمات وطرق مجابهتها
يريد الإخوان الخروج للعلن والأستيلاء على الحكم باستعمال الأساليب العصرية في العلن والتآمرية في الخفاء كما ألفوا ذلك، حسنا فاليكن وليقيموا أحزابا تمثلهم أينما تواجدوا ويرون أي منقلب ينقلبون
إذا كانت مقولة الإسلام هو الحل، تخدمهم في المعارضة وتحت استبداد الصعاليك الإنقلابيين في الماضي القريب، فستكون لعنتهم عندما يضعونها قيد الإستحقاق بتركيبتهم البشرية المؤلوفة ومنظومتهم الفكرية الهلامية التي لا تصلح إلا للطلاسم، مع طلبات الشعب العجلة البعيدة في جوهرها عن ضمان الآخرة قبل الدنيا، ومع خروجهم من إطارهم الطبيعي كتنظيم تآمري إلى العلن سيفقدون أحد سلاح في يدهم وهو العمالة في الخفاء والمزايدة في العلن،فلن يتعشوا مع معاوية بعد الصلاة وراء علي بعد اليوم، سيرقدون حيث يفترشون وذلك لا يخدمهم


3 - قليل من الموضوعية
بن عبد التكموتي ( 2011 / 9 / 18 - 17:24 )
أصعب ما في الأمر أن أعتقد أني على صواب وأن الآخر على خطأ في حين أن العكس قد يكون هو الواقع. هذا الأمر قد ينطبق على العلماني والإسلامي على حد سواء. فخطاب صاحب المقال هوشنك بروكا لا يخلو من نبرة الواثق من نفسه الذي يتحدث من كتاب منزل من السماء وعن علم لا يأتي من بين يديه ولا من خلفه باطل. فكل ما ذكره صاحب المقال من -أن لله ما لله وما لقيصر لقيصرن، وفصل الدين عن الدولة، وفصل قانون الأرض عن قانون السماء، دولة علمانية...- كلها أطروحات بشرية فيها نظر ولم يقل لنا أحد من العالمين أنها علم يقين أو نظام مقدس إلا إذا كان صاحب المقال ومن يواليه يرى ذلك. بل بالعكس، إن الذين يقولون بالعلاقة بين الديني والسياسي وبعدم فصل الدين عن الدولة هم أقرب إلى العلم والمنطق، إذ يستندون في ذلك إلى كتاب منزل لا يعرف عنه العلمانيون إلا ما حفظوه ورددوه وهم في مرحلة الابتدائي، وهذه من الطامات الكبرى، إذ كيف يعقل أن ترفض فكرة مبنية على مرجعية لم تدرسها، فهذا أشبه بالقسيس الأمريكي الذي حرق القرآن حين سئل هل قرأت القرآن فأجاب بالنفي. وأغرب الغرائب أن أعترف بالله خالقا ثم أمنع الناس من تدبير الكون على مشيئته.

اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال