الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن التفكير الناقد

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2011 / 6 / 6
التربية والتعليم والبحث العلمي


كتبت مقالة تحمل هذا العنوان قبل حوالي عشر سنوات. مع انتشار التخلف وازدياد وتيرته بين العامة بل وحتى الخاصة من الناس، وكذلك لأهمية هذا النوع من التفكير وما له من قيمة في تطور المجتمعات، فقد قررت كتابة مقالة جديدة بنفس العنوان آملاً أن أتمكن من إدراج ملاحظات جديدة ذات مغزى.

كان من الممكن اعتماد ما نشرته ويكيبيديا وكفى الله المؤمنين القتال، ولكن عند البحث عن التفكير الناقد ستظهر لكم ويكيبيديا ومعها ثلاث أو أربع مقالات لا تعرف من نقل عن الآخر ولا يضعون قائمة مراجع تمت الاستعانة بها.

كنت منذ زمن بعيد أتساءل، ما علاقة " النقد " الفكري والأدبي، بالنقد بمعنى المال. دعونا نبحث عن العلاقة بين الأمرين. يقول الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط أن كلمة " نقَدَ " تعني تمييز الدراهم الذهبية عن تلك المزيفة. بمرور الزمن تمت استعارة الفعل نقد من تمييز الدراهم الذهبية عن سواها إلى مجال الفكر والأدب فلا يعود النقد مقصوراً على تمييز الدراهم بل يتعداه إلى تمييز الأفكار الخاطئة عن تلك الزائفة.

أهم ما يميز التفكير الناقد هو قدرته على إطلاق الأحكام على الأفكار والمواقف والحلول المطروحة. وفي ويكيبيديا نجد التعريفات التالية: يعرفه ديوي في كتابه (كيف نفكر ) بالقول :"إنه التمهل في إعطاء الأحكام وتعليقها لحين التحقق من الأمر "

ويعرفه حبيب (2003م، 238 ) بأنه " نوع من التفكير المسؤول الذي ييسر عمليات الوصول للقرار ويعتمد على معايير ومحكات خاصة ،وكذلك على التقويم الذاتي والحساسية للمواقف المتنوعة.
ويرى البعض ( والكلام لويكيبيديا ) أن التفكير الناقد يقابل التفكير المجرد عند بياجيه ويتألف من عدة مكونات هي:
• صياغة التعميمات
• النظر والتفكر في الاحتمالات والبدائل
• تعليق الحكم على الشيء أو الموقف لحين توافر معلومات وأدلة كافية
• ونضيف: الكشف عن العيوب والأخطاء
• الشك في كل شيء
• التفكير التحليلي
• حل المشكلات أو التحقق من الشيء وتقييمه بالاستناد إلى معايير متفق عليها مسبقاً
• هو التفكير الذي يتطلب استخدام كل المستويات العليا في تصنيف بلوم وهي : التحليل والتركيب والقويم .
وهو" تفكير تأملي ومعقول ،مركز على اتخاذ قرار بشأن ما نصدقه ونؤمن به أو نفعله ،وما يتطلبه ذلك من وضع فرضيات وأسئلة وبدائل وخطط للتجريب "( جروان :1999 ،61) انتهى )
-------------------------------------
دعونا نتأمل ما قاله بياجيه لنفهم لماذا يكون تعليم التفكير الناقد مشكلة حقيقية لدى العقل الإيماني الديني، فالشك محرم ومحظور إذا ما تعلق الأمر بالمسلمات الدينية. هنا يجب الانتباه إلى أن مواد دراسية مثل الرياضيات والعلوم تعمل بصورة رائعة على تنمية وتطوير مهارات التفكير الناقد، ولكن تأتي المنظومة الفكرية الدينية وما تحتويه من عشرات المسلمات التي يجب قبولها وتصديقها حتى لو كانت تتعارض مع أسس البداهة الفطرية – لكي تهدم وتشوه ما تم بناؤه.

يقول ديكارت: " على المرء ألا يسلم بصحة أمر ما ما لم يكن هذا الأمر هو كذلك بالبداهة ". نتساءل: هل من البداهة أن يأكل خمسة آلاف شخص رغيفي خبز وسمكتين، أم أن من البداهة أن تتكلم النملة والهدهد أو هل من البداهة والفطرة أن يشق البحر بعصا ؟ ماذا عن مشي إنسان على سطح الماء ؟ جميع ما ورد في العقائد الدينية بلا استثناء يتعارض مع البداهة والفطرة والحس السليم، وليس هذا فقط، بل إن ما يتم حقيقة هو عملية إقحام الأمور الخارقة لقوانين الطبيعة في عقول الأطفال في سن مبكرة من قبل أن تصبح لديهم فطرة سليمة يمكنها الشك والفحص والارتياب. العقل الإيماني يبنى على التصديق والتسليم المطلق دون مناقشة وهنا تبدو قدرة الأديان الهائلة على اغتيال التفكير الناقد لدى الناشئة، بل إن قيام الإنسان بترديد نصوص دون قدرة على إخضاعها لموازين العقل والبداهة يمثل بداية ترسيخ الشعور بالقهر والخنوع !

وعلى وقع خطى التفكير التأملي لنشاهد معاً هذه الجملة والمطلوب إطلاق حكم بصوابها أو بخطئها:

" إذا كانت القاهرة عاصمة مصر فإن باريس هي عاصمة فرنسا ". لاحظوا أنه وعلى الرغم من صواب جزيئات الجملة غير أنها خاطئة بالحكم النهائي، ذلك أن عاصمة فرنسا هي باريس بصرف النظر عن كون القاهرة عاصمة مصر أم لم تكن. نسبة هائلة من الطلبة تعتقد لأول وهلة أن العبارة صحيحة !

في مادة كالتربية الدينية نشاهد أنها تقوم بالمجمل على حفظ النصوص دون أي قدرة على إخضاعها لشروط النقد أو المساءلة المنطقية. هنا يتم اغتيال قدرة المتعلم على التفاعل الخلاق مع المعلومة، كما يتم الإجهاز على عملية التفكير الناقد كنشاط ذهني في المقام الأول. هنا يجب أن نورد ملاحظة مفادها أن ضرورة حفظ القرآن والنصوص الدينية كان له ما يبرره قبل 1400 سنة حيث لا مطبعة ولا نسخ ورقية ولم يكن لديهم السي دي، بل ورد في كتب التراث إن الخليفة عمر بن الخطاب لم يحفظ من القرآن سوى سورة البقرة. نتساءل: ما ضرورة التحفيظ في ظل توفر التقنيات الحديثة التي تخزن نسخة كاملة من أي كتاب مقدس على الهاتف الجوال ومع محرك بحث ؟!

الخلاصة:

1- التفكير الناقد عبارة عن نشاط ذهني يقوم المتعلم من خلاله بإطلاق أحكام على صواب أو خطأ أفكار أو مواقف أو رؤى أو حلول لمشكلات.
2- جميع المسائل التي يطلب من المتعلم من خلالها اكتشاف الصواب أو الخطأ تعمل على تنمية العقل الناقد، وهنا يتم الاعتماد على مبدأ الشك الديكارتي، لأن مبدأ إطلاق الحكم يفترض أساساً أننا لا نعرف صواب أو خطأ الجملة أو الموقف.
3- جميع المعلومات التي يطلب من المتعلم حفظها بالتلقين ومن ثم استرجاعها هي منافية ومعطلة للتفكير الناقد كما أنها ترسخ الشعور بالقهر.
4- ينبغي تخفيف الجرعة الدينية في مناهج الطلبة بما في ذلك التخفيف من مطلوب الحفظ والاسترجاع، ذلك لكي نترك مساحة كافية لتخزين المباديء العلمية اللازمة لتنمية التفكير الناقد.

دمتم بخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القرن التاسع عشرلم يصل بعد للمنطقة
محمد حسين يونس ( 2011 / 6 / 6 - 16:22 )
للاسف بعد النهضة الفكرية التي ارتبطت بفلسفات القرنين التاسع عشر و العشرين خسف الاسلامجية و القومجية الارض بافكارهم الظلامية و تراجعت جرعات التنوير التي رضعناها مع طفولتنا المصرى.. الان لا يريد ان يتعب راسة وعينة ليقرا كتابا اقل نسبة توزيع و اقل معدل طبع و اقل انتاج معرفي منذ اسماعيل باشا حتي الان الاسهل هو الاستماع الي مشايخ القرون المظلمة و ترديد تخاريفهم ولي عنق الحياة لتتوافق مع منطقهم الجامد شديد التحجر .. ما تفضلت بتقديمة كان بديهيات علم المنطق الذى درسناة في ثانوى و نسيناة في الجامعة


2 - تحليل في الصميم
عبد القادر أنيس ( 2011 / 6 / 6 - 17:05 )
شكرا للكاتب على هذا الموضوع الممتاز. للأسف تدريس الفلسفة والمنطق في مدارسنا أصيب بنكسة كبيرة بعد انتصار الأصولية وهيمنتها على حياتنا العامة مثلما ساهم فكر الغزالي أبو حامد في محاربة التفلسف وتسريع الانحطاط قبل ألف عام. ما أحوجنا إلى تعميم دراسات كهذه.
من جهتى أتمنى لو ينكب الكاتب على تقديم دراسات أخرى حول أنواع المنطق الأخرى غير المنطق الصوري الذي لعب دورا عظيما في تاريخ الفلسفة والفكر ولكنه لم يعد كافيا اليوم.
لاحظ مثلا فكرة الثالث المرفوع في النمطق الصوري كيف تتهاوى لو طبقناه على الحياة الحبة. . فنحن مثلا كثيرا ما نحكم على الأمور بهذا المنطق فنزعم أن الشيء إما أن يكون صادقا أو كاذبا، جميلا أو قبيحا قديما أو جديدا، وهو ما يجعلنا نتجاهل وجود عناصر صدق وقبح وقدم فيما نراه كذبا وجمالا وجدة وهذا يدعونا إلى مزيد من التواضع والتسامح فيما نأخذ وما نعطي وما نقبل وما نرفض وما نصادق وما نعادي.
تحياتي


3 - الأستاذ المحترم محمد حسين يونس
عبدالله ( 2011 / 6 / 6 - 18:35 )
نحن للأسف طغت على مدارسنا وجامعاتنا التعبئة الدينية التي تحارب المنطق وتعادي الفلسفة ويبدو أن عصر ظهور المعتزلة قبل ألف عام كان عصراً ثورياً قياساً بما يحدث اليوم. نحن وبإصرار غريب نصر على عدم دخول عصر النهضة. شكرا لإثرائك المقال.


4 - الأستاذ الفاضل عبد القادر أنيس
عبدالله ( 2011 / 6 / 6 - 18:41 )
شكراً لدعمكم للكاتب ولكن اسمح لي بإبداء ملاحظة مهمة. تقسم الجمل المنطقية إلى نوعين: مغلقة ومفتوحة، فأما المغلقة فهي تخضع للثالث المرفوع مثل العبارة 1+1 = 3 فهذه إما صح أو خطأ، أما الجمل المفتوحة فهي لا تخضع للثالث المرفوع بل تكون نسبية يجيب عليها الإنسان بحسب ميوله وأهواؤه وهي كما تفضلت تحتمل عدة إجابات مختلفة مثل مقاييس الجمال وخلافه. تقبل تحياتي وشكري


5 - فلسفة مقنعة
سفير العلم ( 2011 / 6 / 7 - 00:27 )
استخدام الفلسفة لاقناع الناس امر مفيد الا ان الاخطر هو تحول الفلسفات الا دين كان نقول ان الفسفات هي ديانة الشك

عزيزي

ان اقوى دليل على سذاجة الفكر التطوري والمعتمد في النهاية الشك حتى التوصل للاشياء

هي المسلمات والبديهيات التي لم تتطور انما كانت ثابتة منذ الخلقة

شك كما تحب وفكر كما يحلو لك لكن لن تشك بانك لا تقف على مسلمات لم تتطور


6 - الشك والنقد والمسلمات
فاتن واصل ( 2011 / 6 / 7 - 07:59 )
تحياتى الاستاذ عبد الله أبو شرخ ، بمقالك تضع يدك على المحركان الرئيسيان فى تطور الحياة والأفكار والفلسفات فى العالم.. لولا الشك ما كان هناك أى دافع لإعادة التفكير ولولا النقد لما كان هناك تطور للأفضل.
المسلمات سابقة التجهيز والصب فى قوالب هى مسامير فى نعش التقدم الانسانى، هى بداية الجمود بل بداية العودة للوراء..احترامى وتقديرى لك على الطرح المتميز


7 - السيد سفير العلم
عبدالله ( 2011 / 6 / 7 - 08:17 )
سذاجة الفكر التطوري الذي نقل الإنسان من اعتبار القمر إله يعبد ثم تحطمت هذه المسلمة بالعلم وكان أن القمر كان إله يعبد ثم كوكب صخري يطأه الإنسان بأقدامه. الغريب معاداة التطور والتقدم وعدم مراجعة المسلمات التي تعيق نمو التفكير. نحن في الحضيض الأسفل بسبب عدم قدرتنا على الشك في المسلمات. شكرا لمرورك وتقبل تحياتي.


8 - الأستاذة المحترمة فاتن واصل
عبدالله ( 2011 / 6 / 7 - 08:21 )
صدقت فلولا تعطيل مهارات التفكير العليا من خلال منعها من ممارسة الشك في البديهيات والمسلمات لكنا تطورنا وتقدمنا. يبقى السؤال حائراً: متى تحدث ثورة تربوية تأخذ بعين الاعتبار أن المناهج لها الدور الأكبر في تنمية التفكير. شكراً لاهتمامك ومرورك الكريم.


9 - الأستاذ عبد الله أبو شرخ المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 6 / 7 - 10:40 )
ميزاننا النقدي :الفكري الأدبي الديني مائل , نفتقد الناقد المتخصص المحايد في تعامله مع النص وتغيب لدينا المقاييس الدقيقة ، والمساحة البصيرة الفكرية ضيقة . اسمح لي أن أتكلم عن النقد بشكل عام : من فرط استهلاكنا لكلمات مثل : إبداع , رائع, عبقري , فخم .. ما عدنا نعرف متى وكيف وأين نستعملها ؟ لا بأس على أي كان أن يجود بالبلاش من هذه التعابير المغرية على هواة دخلوا في غفلة على ميدان النقد الذي يتناول كل شؤون الحياة من دين وأدب وفلسفة .. ولِم لا ؟ مو من جيبتهم .. وما في جمرك عالكلام. النقد له أصوله العلمية لم نعرفها بعد نحن العرب ، وقلما ترى نقداً نزيهاً موضوعياً يسعى إلى تجاوز منجز ثقافي بتقديم النقد الأكثر تلاؤماً مع الحياة وتطوراتها . أستاذ عبد الله : تعظيم سلام على هذا المقال وشكراً


10 - الأستاذة الفاضلة ليندا كبرييل
عبدالله ( 2011 / 6 / 7 - 12:24 )
أوافقك الرأي أن الحركة النقدية في كل المجالات تعاني من ضعف شديد والأنكى من ذلك أن تقبل النقد يكاد يكون منعدما عند الأغلبية الساحقة. للأسف نحن تخلفنا عن الأمم المتقدمة قروناً وقرون ولهذا فإن الحديث عن تطوير وتحديث العالم العربي في ظل ثقافة القطيع أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً. شكراً لحضورك البهيج دوماَ.

اخر الافلام

.. الحكومة المصرية الجديدة تؤدي اليمين الدستورية | #عاجل


.. إسرائيل تعرض خطة لإدارة قطاع غزة بالتعاون مع عشائرَ محلية |




.. أصوات ديمقراطية تطالب الرئيس بايدن بالانسحاب من السباق الانت


.. انتهاء مهلة تسجيل أسماء المرشحين للجولة الثانية من الانتخابا




.. إيلي كوهين: الوقت قد حان لتدفيع لبنان الثمن كي تتمكن إسرائيل