الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة اقليم كوردستان العراق خطوة الى الامام و خطوتين الى الوراء

حسن احمد مراد

2011 / 6 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تناقلت وسائل الاعلام في الايام القليلة الماضية فتوى شرعية صادرة من اتحاد علماء كوردستان بموجبه أُعتُبر " ارتكاب مخالفة مرورية مخالفة شرعية " وحسب الانباء المتواردة حول الموضوع ان اصدار هذه الفتوى جاء بعد ان تم تدارس الموضوع بين الحكومة واتحاد علماء كوردستان عقب نشر احصائيات من قبل الحكومة تبين ازدياد الحوادث المرورية بشكل مروع وارتفاع عدد الضحايا بين قتلى وجرحى و هي احصائيات تنذر في واقع الحال بوجوب اتخاذ اجراءات جدية وصارمة في هذا الصدد .
لست هنا للاسترسال في الكتابة حول تلك الاحصائيات ونسبها والتي لست اشك في صحتها او دقتها وفي عين الوقت لست انتقص من اهمية هذا الموضوع الحيوي الذي اولته الحكومة اهتماما خاصا في الاونة الاخيرة ، بل ما اروم الخوض فيه في هذا السياق هو عودة الحكومة الى الوراء في معالجتها لقضية معاصرة واتكالها في هذا المجال على اتحاد علماء المسلمين الكوردستاني وانتهاجها نمطا في معالجة الازمات اقل ما يمكن ان يقال عنه انه نمط غريب في ايجاد الحلول للاشكاليات المعاصرة التي تواجه المجتمع .
في الواقع ليس واضح تماما (على الاقل بالنسبة لي ) الدوافع والمسببات التي دفعت بالحكومة الى الالتجاء الى اتحاد علماء المسلمين تستنجدها لاصدار فتواها الآنف الذكر ، فهل تعتقد فعلا ان هذه الفتوى ستعمل على الحد من الحوادث المرورية كما صرح بذلك احد المسؤولين البارزين في مديرية مرور الاقليم على اعتبار ان غالبية السكان هم من المسلمين ؟ ام هي محاولة لمنح دور اكثر فاعلية لاتحاد العلماء الذي ظل تأثيره هامشيا في مجمل الاحداث طوال سنوات مضت عدا تلك الفترة التي عمت فيها المظاهرات مدن اقليم كوردستان حيث شارك عدد من العلماء والائمة بشكل مباشر وغير مباشر في توجيه المتظاهرين وتحفيزهم على الاستمرار في مطالباتهم آنذاك و التي تراوحت بين اصلاح النظام القائم واسقاط الحكومة الحالية او حتى تغيير منظومة الحكم بشكل كامل ؟.
ام ان هنالك توجها حكوميا وسياسيا نحو اسلمة القوانين المدنية والوضعية والباسها بلباس ديني ومن ثم توجيه المجتمع نحو السير باتجاه الدين على اعتباره يتضمن جميع الحلول لكافة المشاكل المستعصية ، في محاولة منها لارضاء او ارضاخ الاصوات الاسلامية المعارضة التي ارتفعت في المظاهرات الاخيرة ؟ او انه دليل على عجز وفشل الحكومة في حل المشكلات الانية بالاليات العلمية والاسس الصحيحة المتعارف عليها ؟.
اكاد أجُزم بأن اغلب القادة السياسيين والاداريين في الاقليم على دراية تامة بأن معالجة ووضع الحلول للمشاكل والمعضلات الانية التي يعاني منها المجتمع بحاجة الى وسائل علاجية عصرية متمدنة تتناغم وطبيعة تلك المشاكل فلا الفتاوى الدينية ولا الارشادات او الوعظ الديني بامكانها ان تكون وسائل علاجية ناجعة لها القدرة في القضاء بشكل مؤثر على التحديات التي تواجه المجتمع بل حتى التخفيف من حدتها ، ولعل ابرز مثال قد يخدمنا في هذا السياق و يبرهن صحة ما نذهب اليه هو وجود العراق في صدارة الدول التي تعاني من الفساد المالي والاداري على مستوى العالم ولعدة سنوات متتالية وهي دولة ذات اغلبية مسلمة ومضى على ايمان اهلها بالاسلام اكثر من اربعة عشر قرنا من الزمان في حين ان الفساد الذي يعاني منه العراق مُحرم شرعا وفق نصوص قرانية ثابتة غير قابلة للتأويل او التفسير وليست فتوى صادرة عن اجتهاد مؤسسة ما ، اما محافظة النجف في العراق عاصمة الثقافة الاسلامية المرتقبة لعام 2012 والتي تحتضن المراجع الدينية الكبار والعتبات والمراقد المقدسة والمدارس الدينية المختلفة ويمنع فيها الخمر والسفور فانها وحسب دراسة أعدتها هيئة النزاهة، كانت المحافظة الاولى في تعاطي الرشاوى خلال تاريخ عمر الدارسة التي استمرت بين (نيسان عام 2009 وإلى آذار 2011 )، هذا في الوقت الذي يدرك فيه جميع سكنة محافظة النجف بأن تعاطي الرشى حرام بشكل قطعي طبقا لمفاهيم الشريعة الاسلامية وحسب الاحاديث النبوية المتفق عليها وان الروايات والقصص في هذا المجال تملأ كتب التاريخ الاسلامي ولاتحتاج الى اجتهاد او فتوى في هذا الخصوص .
وغير ذلك فان القتل والزنا والغش والسرقة والخيانة والكذب ..الخ من المفردات ، كلها من المحرمات في الاسلام وان منها تعد من الكبائر ومع وجود نصوص قرانية ثابتة وواضحة تجاهها الا ان المجتمعات الاسلامية لاتزال تأن تحت وطأة الكثير من الاشكاليات المتعلقة بتلك السيئات ، ويجب ان لانغفل ايضا بان الاعمال السيئة الانفة الذكر هي قصدية ومتعمدة اي انها تحدث بشكل متعمد صادر من قبل الانسان وبرغبة ووعي منه وليس رغما عنه كما في الحوادث المرورية التي تحدث في الاعم الاغلب بشكل خارج عن الارادة الذاتية ، وهنا يحضرني احصائية نشرت في سنة 2009 تبين بأنه في المملكة العربية السعودية وحدها يوجد (17000) سبعة عشر الف طفل لقيط في حين ان النصوص المتعلقة بتحريم الزنا سواء القرانية منها اوالنبوية هي نصوص صريحة وصارمة ولا يحجبها غربال .
خلاصة القول كان من الاجدر بحكومة اقليم كوردستان العراق التي لا تنفك تنادي بالمدنية والعصرنة وسلطة القانون الاحتكام الى الوسائل المدنية والعلمية في التعاطي مع مشاكلها وبالاخص مشكلة الحوادث المرورية وذلك عن طريق اجراءات بسيطة تُبنى على اسس متينة تستشف قوتها ومتانتها من الواقع وفق اطار علمي واضح المعالم ، فاسباب حوادث السير ليست مبهمة فكلها لا تتجاوز السرعة المفرطة اثناء القيادة و رداءة الطرق وعدم معرفة العلامات المرورية او عدم التقييد بها واسباب اخرى لها علاقة بالحالة النفسية للسائق او الوضع الميكانيكي للمركبة.. الخ من المسببات التي يمكن الوقوف عليها ومعالجتها بشكل علمي وعملي .
وبايجاز ان الاسباب القابعة وراء هذه المشكلة هي اسباب واضحة وبسيطة ومن الممكن معالجتها بشكل مدني وعصري بعيدا كل البعد عن المؤسسة الدينية ، ولعل هذا ما يعيدني الى سؤالي الاول ؛ فان كانت الاسباب جلية بالشكل الذي نراه لماذا عمدت الحكومة اذا الى اقحام المؤسسة الدينية في هذ ا الموضوع لكي تصدر فتواها تلك ، ألم تخطو هكذاخطوتين الى الوراء بدلا من السير خطوة الى الامام ، وجل ما اخشاه هنا هو بدلا من اتباع برامج التوعية الصحية ان تعمد وزارة الصحة في الاقليم مستقبلا الى اتحاد علماء المسلمين لحماية صحة المواطنين لتصدر فتاوى تحرم الملح واللحوم على المصابين بامراض ضغط الدم و فتوى بتحريم اكل الخضروات قبل غسلها بالبرمنكنات وفتوى بعدم جواز تناول السكريات من قبل المصابين بداء السكري وأخر له علاقة بوزن الانسان وطوله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اسلوب سطحي وسيف ذو حدان
اسماعيل ميرشم ( 2011 / 6 / 12 - 12:45 )
اسلوب سطحي لمواجهة مشكلة حديثة اسبابها واضحة للجميع ويشكل حسب قناعتي الغنى الغير الشرعي والمتسرع في الاقليم للبعض حيث احدث الموديلات في اقدم الشوارع!؟ وعلاجها يكمن في تعبيد الطرق وخاصة الخارجية منها وتوسيعها ووضع العىلامات المرورية الارشادية بشكل علمي وعملي و تطبق القوانين المرورية العصرية بشكل شفاف وصارم على الجميع دون تفرقة بين مسئول حزبي وابن عشرية او غيرهم واستخدام الجميع للطريق بشكل مسئول وواعي وتطبيق مقولة السياقة علم واخلاق وفن وليس تظاهر بالزنكنة ولا تطاول على حقوق الاخرين او راحتهم وسلامتهم بل التركيز في وسائل الاعلام والاكثار منها في الشوارع
لانه اعتقد جر رجال الدين الى هكذا امور الحياتية للمواطن سيف ذو حدان ولا تتوقف عند حد معين


2 - الى الاخ اسماعيل ميرشم
حسن احمد مراد ( 2011 / 6 / 13 - 07:46 )
اعتقد انه في كل المجتمعات التي تعاني من ازمات ومشاكل وتلجأ الى الاساليب السطحية لمعالجتها كما تفضلت ،هي في الواقع مجتمعات بحاجة الى مراجعة ذاتهابشكل معمق لتتفادى انفجار ازماتها مستقبلا والا ستعاني الامرين ، وكلما ابتعدنا عن الوسائل العلمية في معالجة قضايانا كلما تفاقمت ازماتن .ا

اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال