الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غابت صباح

شذى احمد

2011 / 6 / 14
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


صور من المعركة
غابت صباح

(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))

صباح عراقية. مثلها مثل كل نساء العراق.لكن حياتها لم تشبه حياة الكثير منهن. يتقاسمن المآسي نعم مع هذا تبقى مأساتها متفردة.لم يعرف لها زوج. أولاد . أسرة . ولا أقدام حفيت للتنقل بين المعتقلات بحثا عن الأحباب بل تقرحت أقدامها هي في السجون. لم تكن تبكي خيارات الرجال كانت هي خيارا أذاقوها من اجله مر العذاب قبل وبعد سقوط بغداد.

*أتتوارى البسمات خلف جدار الهم
تصدح في مستودعاتنا أغاني رطبة
تحثنا لحصاد حقولها المتتالية كل سنة
فيطحن الفلاحون قمح السأم مرة بعد مرة

الصورة الاولى: صباح قبل سقوط بغداد

المرأة التي لف غيابها الكثير من الغموض . في زمن لا يحق لأحد به السؤال عن الغائب كي لا يغيب. عادت لكنها لم تعد كما كانت. سرت شائعات بأنها كانت نزيلة في سجون عدي صدام حسين . وسجون هذا لا تعرف الرحمة. فله متعتان لا يملهما النساء والتعذيب.

*البيت منهك و طابوقه عتيق
البيت متهاوي وأسسه عرجاء
البيت متهالك .. يتداعى كلما زجره القادم بمشاجرة


الصورة الثانية: بغداد قبل السقوط

كل الصفحات امتلأت بانجازات حافلة. وظلت تلوك البطولات للقائد ورفاقه. وأخفيت بالمستودعات العتيقة سجلات التنكيل بالخصوم ، والأحزاب المعارضة ـ لم يعرف العراق مثل هذه التسمية ـ والمناوئين للنظام.

* المقاهي توزع شايا باردا
يتجرعه الباهتون بحرارة
بينما يجمع النادل الوشاية
من جيوبهم المثقوبة

الصورة الثالثة: صباح قبل سقوط بغداد

لم تقوى سجون عدي على إخراس صباح الشيوعية كما كان يحلو للبعض تسميتها. لم تفلح غرف التعذيب في قطع لسانها بل شحذته بالتحدي. فلم يبقى لها إلا قتلها بالشائعة .. فلاحقوها واصمين إياها بالجنون كي لا يحمل احد ما كلامها محمل الجد. وليخرسوا بها كل صوت بتململ من قيوده. نافرا من أسره.

*صدى الحلم يغفو على أرصفة الخائبين
وثيابه بخزائن المترفين معطرة
لكنه يختفي دوما
تاركا في حياتنا قصصا مؤثرة.


فاصل إعلاني: هناك في روسيا قبل ما يزيد عن قرن اختارت امرأة مثلها الطريق الطويل. ولملمت مسراتها ودستها في صندوقها الخشبي العتيق. استبدلت الزوج بالنضال . والبيت بالطريق الصعب والمحاضرات. وظل الرجل بلهيب المطالبة بحقوق كل النساء . كويت بنيران مطالبها، وكم كلفتها رحلتها غاليا قبل صعودها لسجل الخالدات.

*على وسادتنا تَركت الندى
فوق الأسرة الخشبية طويت الأغطية
بعت ثياب الدانتيلا
في مزاد العجلة التي لا تتوقف
....

قايضت بالقبلات عرق المجادلة
فنبتت على الشفاه أحاجي معقدة
تعجبت معي المسافات والمساحات العريضة
لطرقات أخليت لمزاحمتي في كل خطوة

الصورة الرابعة: صباح قبل سقوط بغداد

من أين أتت صباح بكل هذا العناد. هل أدمنت الكساندرا كولونتاي . ألهمتها بعض حظها لتورثها بعد ذلك قدرا قريبا من قدرها... كوكب من الوحدة يعارك كوكبا من التحدي. ظلت صباح تدين كل ما يجري بالعراق. ولسانها السليط لا يسكت. وظلوا يمرغون اسمها وسمعتها في وحل الاتهامات والشائعات التي تنبت كالفطر في الشرق .


الصورة الخامسة: بغداد بعد السقوط

يعم الهرج والمرج . أقوام تأتي وأخرى تختفي. وعود. وصور ووجوه تتبدل. ملامح عهد يختفي وأخر يظهر. خطب وشعارات جديدة. تتنحى صباح بصديق لها جانبا ثم تروي له حكاية من ألف ليلة وليلة تشعر أن بغداد تستعيدها هذه الأيام. فتخبره.. بلغني بان احد السجناء ظل يطلب من الوالي تغيير سجنه بين الحين والأخر . حتى ضاق الوالي به ذرعا وتملكه الشك منه. فاستدعاه ليستطلع منه حقيقة الأمر. فرد عليه السجين . إنني استمتع يا مولاي بالرحلة ما بين السجنين. صمت الصديق .. لكن صباح لم تعتد على الصمت تابعت... إن العراق ليس كما يقولون قد دخل العالم الديمقراطي لكنه سيمر برحلة ذلك السجين بين السجنين ليدخل سجن دكتاتورية أخرى بعد مدة. فهل يتركونها ؟.

الصورة السادسة: الاستعارة

ينصح رجال الأعمال بتقليد الناجحين بالمشاريع . وهذا ما فعلوه. فلقد استعاروا من النظام السابق وسائله في محاربة منتقديه وخصومه. وأعلنوا الحرب على صباح التي كانت وظلت تخوض معاركها بلسانها. وتوعدها بفضح الفساد والمفسدين.




الصورة السابعة: ساعة قتلها

لم يعد في العراق الديمقراطي الجديد مكان لصباح في صباحات مرسومة الملامح. أطلقوا عليها أسراب الجراد فهرجت أمامها. سخروا منها. استعدوا عليها. بعضهم يؤدي عمله كواجب وطني تماما مثل سابقيهم. ليدافعوا عن أسيادهم. وليحموا انجازات قيادتهم في العراق الجديد.لكن كل هذا لم يكن كافيا. قالت ذات يوم متوعدة : بلغ السيل الزبى. ولم تدري بأنها تستعدي وحوش الغاب للانقضاض عليها. فمن أين لها بأذان تسمع وأصوات الطبول والصخب في كل مكان.
بدم بارد قتلوها. ولم يطرف لقاتلها جفن. اخرسوا صوتها. ظنا منهم بأنهم سيلملمون من سماء مدينتها، كل لوحاتها. لكن صباح نثرت حياتها قصة من قصص بغداد. سجلت في دائرة المعارف التاريخية لبلد اسمه العراق ما لا تقوى سكين او رصاص على تمزيق كبده. روت حقيقة ما يجري في العراق. ووثقت شهادة موتها ووزعت صور قاتليها. معلنة براءتها من كل ما نسب إليها في الزمنين الأغبرين. وفي رحلتها بين السجنين.


*للأرض قطبين .قطرين.
احدهما يدور باتجاه عقرب الساعة
والأخر لا يدور
وإذ دار يدور حول نفسه
رأسه رمح
يطعن عين الحلم المولود لتوه
للأرض قطبين رمحين
الأول يدور باتجاه الساعة
والأخر يدور باتجاه نهايتنا
يدلنا على قبور خيباتنا لنبكيها

* الكساندرا كولونتاي: مفكرة وكاتبة وسياسية شيوعية روسية. أول امرأة تشغل منصب وزيرة في التاريخ. وصاحبة الانجازات العديدة التي ساهمت في تحرير المرأة و حصولها على الكثير من الحقوق والمساواة. هي المرأة التي يعود لها الفضل في الاحتفال بعيد المرأة العالمي في 8أذار من كل عام .وفي تغيير واقع المرأة في كل العالم .


• صباح عراقية . كانت تعمل في إحدى الجامعات العراقية. وتم قتلها مؤخرا بدم بارد. لاحقتها الإشاعات والاتهامات لما كانت تمثل من خطر على النظامين الحاكمين بالعراق قبل وبعد سقوط بغداد.
• النصوص للكاتبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الموتُ احياناً حرية وإنعتاق
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 14 - 21:21 )
عزيزتنا د. شذى أحمد
جميلةٌ كل اللوحات التي بدأتِ ترسمينها مؤخراً ، رغم إنها لا تتفاعل مع الذائقة الشعبية التي تُفضل السهل حتى وإن خلا من المعنى
كل الصور واللوحات والفراشات أعجبتني ، وبصورة خاصة الصورة الخامسة
فانا أحب كل ما له علاقة برمز شهرزاد التي لا زال يرى فيها الحالمون المُخدرون صورة جارية وجسد ويستعجلون قراءة الألف ليلة ليتمتعوا بوصال شهريار لها ، والذي لم تُعطيه القصة الذكية أي مساحة
أعجبتني رحلة الديمقراطية بين مرحاض وآخر ، ورحلة صباح بين سجن وآخر صبراً وإشتياقاً وطلباً للنهاية حيث ألإنعتاق من كل شيئ ، وهي الحرية الوحيدة الحقيقية التي سننالها لحظة الموت
وأنا اقرأ عن هذين السجنين ، تذكرتُ سجون أبا العلاء المعري الثلاثة
أراني في الثلاثة من سجوني ======= فلا تسأل عن النبأ النبيثِ
لفقدي ناظري ، ولزوم بيتي ====== وكون النفس في الجسدِ الخبيثِ
شكراً للأدب الجميل د. شذى ، مع اطيب التمنيات


2 - عزيزتي الدكتورة شذى أحمد المحترمة
ليندا كبرييل ( 2011 / 6 / 15 - 04:26 )
كنا مواطنين بدرجة مرعوب ، ثم بدرجة مذهول ، ثم بدرجة مصدوم ، ثم جاء عصر على العراق شاب فيه الطفل ، كانت المرأة دوماً تلعب أدواراً غير منظورة واصمين إياها بالضعف والمسكنة ، لكن صباح وهي واحدة من آلاف المناضلات العربيات ستصبح رمزاً ملهماً لانتفاضات النساء . ما أكثر من قتلْن بالشائعات والاتهامات الباطلة ، وعليكم أنتم النخبة المثقفة أن تفضحوا أساليبهم القذرة هذه ، النصوص الأدبية تعبر عن مستوى أدبي راق ، في نهاية هذه السلسلة من صور المعركة ماتت صباح ، قتلوها فكتبتِ عنها أطيب الكلام . لك تحياتي واحترامي ،


3 - حكيم بابل
شذى احمد ( 2011 / 6 / 15 - 10:35 )
تحية طيبة لصديقي الحكيم. وابدأ من حيث ذروة حزنك واستعارتك المعري رهين المحبسين ام الثلاثة كما رواها بشعره . لكنه رغم سجونه ترك لنا فلسفة وشعرا وفكرا ما زال يفتت قيود من يقرءوها ترى هل حقا هزمه السجن ام ضحك هو منه. ليت ما يكتب هنا يذكر البعض المحبوس بسجون وهمية بهذه السجون ويحثه لكسرها. سجون التحزب الاعمى للفكر والمذهب والمعتقد والطائفة التي ينتمي اليها. وسجن الاحساس بالاهمية المفرطة . والنرجسية المريضة وغلق ابواب القلب والعقل امام اي رأي اخر. لو تمكن بعض من سجناء هذه المعتقلات من كسر ابواب سجنه او التململ في محاولة للبحث عن جدواها. سيكون لحياة صباح وموتها الف جدوى كما كان لحياة العظيمات والعظماء من قبل. فسجوننا اصفاد نجرها اينما نذهب ومن السخرية اننا ادمناها
حتى في البحث عن طريقه لمغادرة سجن من هذه السجون هو زمن للحرية


4 - صديقتي ليندا
شذى احمد ( 2011 / 6 / 15 - 10:42 )
تحية طيبة. وصباحات مشرقة
كانت صباح قوية مثلك . ومثل اللواتي رمين النفاق والتملق في سلة المهلات منذ زمن بعيد. بعض النسوة يمضين العمر كله وهن يخشين قول الحقيقة لكن صباح مثلك اختصر العمر لتجهر بالحقيقة. مسئوليتنا جميعا صديقتي الكتابة عن حقها الذي اهدر. وعن حياتها التي ازهقت
وحري بعيوننا ان تبكيها كما بكينا شيخ شباب العراق زميلنا الصحفي سردشت يوم قتل بدم بارد. للاسف هذا هو الزمن الذي نمر به كما وصفته وصولا الى ان يشيب له الطفل. لكن ما زال هناك صباحات . هناك امل. ستبقى صباح علما من اعلام العراق. وستبقى قصتها تلهم الكثير من النساء والرجال وستدون بطولتها الى جانب الكثير من بطولات العراقيين الذي يواجهون الموت كل يوم برأس مرفوع الى السماء يسأل الى متى

اخر الافلام

.. القبض على امرأة كانت بصدد بيع فتاة بمبلغ 2300 دولار في العرا


.. مقتل امرأة بريطانية في هجوم لكلبين من فصيلة -إكس إل بولي- يث




.. المشاركة دارين عزام


.. ديمة أبو اسماعيل إحدى المشاركات




.. ?ول مرة في السعودية.. عرض لم?بس السباحة النسائية في جزيرة أم