الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جا متردلي!!

سعد تركي

2011 / 6 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


بمعجزة من معجزات نظامنا التعليمي، نَجح لطيف (أو لطيّف كما يناديه أقرانه) في الوصول إلى الامتحانات الوزارية للصف السادس الابتدائي مكملاً بدرسين. المعجزة ليست في كونه (دجة دبل) فقط، بل لكون عائلته أيقنت ـ منذ زمن بعيد ـ أن التحصيل الدراسي ليس أكثر من ترف وسنوات ضائعة بلا فائدة. بمعجزة ـ أيضاً ـ نال الابتدائية متفوقاً على كثيرين من أقرانه المجتهدين، برغم أنه بالكاد يستطيع أن يتهجى اسمه!!
لم يكن عليه أن يقرأ أو يستذكر شيئاً مما علق في الذاكرة من شرح معلم لمادة دراسية، لم يكن عليه أن يستعيد جواب سؤال وجّه لزميل.. لم يكن عليه أن يلجأ إلى (البراشيم) لأنه ببساطة شديدة لن يتمكن من معرفة الجواب المختبئ في الأوراق الصغيرة.. كل ما عليه فعله أن يجلس في قاعة الامتحان وينتظر.. ينتظر خروج الطلبة تباعاً.. ينتظر أن يبقى وحيداً إلا من المعلم المسؤول عن القاعة الامتحانية، فهو يعرف بالفطرة ـ والخبرة أيضاً ـ أن المعلم يريد أن ينهي هذا اليوم من الامتحان ليباشر تصحيح الدفاتر أو يعود إلى بيته.. يعرف أن المعلم المسؤول سيتقدم إليه مذكراً بقرب انتهاء الوقت المخصص، فيفاجئه بجملة يشحنها بكل براءته وظرفه وتوسله (جا متردلي).. يعرف سحر الكلمة ووقعها اللطيف الذي ـ غالباً ـ يثير في المعلم الضحك والإشفاق والرغبة في مساعدة ولد (شاطر) يعرف كيف يصل إلى القلوب!!
نحتفل ـ غالباً ـ بكل من نطلق عليه (شاطر، سبع، لوتي)، نعينه ونساعده في الوصول إلى أهدافه مهما خرق نظماً وقوانين، ونتجاوز مسؤولياتنا وواجبنا وأخلاقيات مهنة لإحساسنا بالمرح الممزوج بالإشفاق، بحيث يصبح من الواجب أن نمدّ يد العون والمساعدة من دون أن نستشعر تأنيباً لضمير.. ضمير يفقد راحته إن طبق قانوناً أو أوقف متجاوزاً عن تجاوزه.. نساعد لصاً على الهرب لأنه (خطية).. ونمكن فاسداً من الإفلات لأنه (سبع).. ونتغاضى عن مسيء لأن الإساءة لن تتوقف به!!
لطيّف تجاوز الابتدائية، ومن المرجح أنه سيصل إلى الجامعة، وقد ينال الدكتوراه.. لطيّف عرف كيف يجد له مكاناً بين المتفوقين والمجتهدين.. عرف أن عبارته (جا متردلي) فتحت وستفتح له مغاليق أبواب كان يقال له أنها لن تفتح إلا بالكد والسهر والعرق.. لطيف يأمل ويحلم أنه سيصبح مسؤولاً كبيراً ذات يوم.. من يدري، لعل من سبقوه ليسوا أفضل حالاً منه.
كنت أؤنب أبنائي إن تكاسلوا وفرطوا بالجهد والوقت.. أنصحهم ـ دوماً ـ بما كان والدي يردده مراراً ( من جد وجد) و(اتعب تلعب)، وأن يتخذوا المتفوقين والمجتهدين أسوة وأصدقاء لهم.. اليوم سأنصحهم أن يصيروا (شطار وسباع) مثل لطّيف، فإن لم يتملكوا مواهبه فلا بأس أن يتخذوه رفيقاً وخليلاً وصديقاً، فقد يشفع لهم وينفعهم يوماً حين يصبح وزيراً!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لن أسمح بتحطيم الدولة-.. أمير الكويت يعلق بعض مواد الدستور


.. في ظل مسار العمليات العسكرية في رفح .. هل تطبق إسرائيل البدي




.. تقارير إسرائيلية: حزب الله مستعد للحرب مع إسرائيل في أي لحظة


.. فلسطينية حامل تودع زوجها الشهيد جراء قصف إسرائيلي على غزة




.. ما العبء الذي أضافه قرار أنقرة بقطع كل أنواع التجارة مع تل أ