الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزهر الجامع والجامعة:الأستاذ الإمام واستعادة زمام المبادرة التاريخية

نبيل عبدالفتاح

2011 / 6 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يواجه الأزهر الشريف – الجامع والجامعة – مجموعة تحديات بنائية في المرحلة الانتقالية بعضها يعود إلى العقود العاصفة للنزاع الضارى بين النظام التسلطى وبين الجماعات الإسلامية الراديكالية وجماعة الإخوان المسلمين وهو ما خلف آثار ضارة أدت إلى تراجع الحوار بين المثقفين النقديين، وبين منظرى الإسلام السياسى وكبار مشايخنا في الأزهر الشريف لصالح السجال والعنف اللفظى والاستبعاد المتبادل. هذا المنحى أثر سلباً على كافة الأطراف وفاقم من وضعية نكران الآخر ورؤاه وشيوع رؤية براجماتية لدى النظام والجماعات حول الاستخدام الدهرى للدين في العمليات السياسية، واستغلاله في تأسيس كل طرف سياسى واجتماعى "لشرعيته" اعتماداً على تأويل ما للنصوص التاريخية الفقهية الوضعية في مواجهة الأطراف الأخرى. هذه اللعبة السياسية الدينية البراجماتية أدت إلى تغليب الصراع على الحوار وتجنب الجدل الموضوعى بالحسنى حول الدين والدولة والسياسة والحياة وحرية الفكر والتعبير والبحث الأكاديمى والروئ الجديدة للأدوار التقدمية والتجديدية التى يمكن أن يؤديها الإسلام وقيمه الرفيعة في التنمية ودعم الحريات العامة والشخصية وحفز قدرات الأمة المصرية، والمواطنين أيا كانت انتماءاتهم في شحذ إرادة الإبداع والابتكار في مجالات العلوم والتقنية وتنظيم الحياة وإنتاج المعرفة الفلسفية والاجتماعية على اختلاف فروعها، بحيث يمكن للجماعات الأكاديمية والثقافية – على اختلاف انتماءاتها ومدارسها العلمية – أن تؤقلم نظم المعرفة الحديثة وما بعدها في قلب الواقع الموضوعى وسياقاته في بلادنا، وبما يدفع إلى إبداع نظرى وتطبيقى في المقاربات المنهجية والإصطلاحية والتطبيقات التى تؤدى إلى تطوير حياتنا إلى الأمام. يبدو أن التسلطية وغياب الديمقراطية والحرية والتسامح والمساواة والعدالة والأخاء الإنسانى والسلام والمحبة كقيم إنسانية عليا أدوا إلى شيوع نزعة نفى الآخر أيا كانت توجهاته ورؤاه كطرف فاعل في بناء وتقدم الأمة والدولة. شكل استبعاد الأفكار والروئ والأديان والمذاهب المغايرة إلى إفقار مستمر لروحنا الجماعية والشخصية، حيث شاع لدى بعضهم وهّمُ أن كل تيار أو جماعة يمتلك الحقيقة المطلقة، لا الروئ النسبية حول القيم – لا العقائد - الإسلامية والدينية العليا، وربما التصورات الإنسانية حول الحقائق الكلية. تأثرت حياتنا بهذه البنية الثقافية والسياسية الإقصائية النابذة للحوار والجدالات بالحسنى والحجة والتسامح وبأن يعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه. نعم جفت بعض منابع الحيوية والديناميكية الفكرية والثقافية المصرية وتحولت قوتنا الناعمة – ثقافتنا المعاصرة والأصيلة في الموروث – إلى قوة استعراض تناجى بها الذات المأزومة ذاتها من خلال خطاب ماضوى يركز على أمجاد لمصر حقيقية أو متوهمة أو تصور لها يستعيدها نظام فاقد لشرعيته وأوغل في الطغيان والجهالة والفساد المبين، ويقيم استعرضاته الثقافية والسياسية كطقس سلطوى بليد. سادت اقصاءات واستبعادات من المدنى للدينى، ومن أشباه العلمانيين المحدثين إزاء عمائم الأزهريين ومن هؤلاء لهم، وذلك على نحو تناحرى أفسد الحياة الفكرية وأدى إلى طلاق بين مدارس الفكر والعمل السياسى – إلا فيما ندر وبعضه سجالات حادة -، حيث لا حوار، وإنما صراع استبعادى يقوم على القدح والتشويه المتبادل.
أدت التسلطية الغاشمة وحراس بواباتها من الخدم الإيديولوجيين إلى الابتعاد عن التأسيس لقيم وثقافة الحوار والتعددية والتسامح والجدل الموضوعى، ومن ثم شاعت حروب إيديولوجية باردة وساخنة تعتمد على تشويه الأفكار، والمصطلحات وتحويلها إلى دائرة الثنائيات الضدية حول المقدس، والمدنس، والخير والشر، والصح والخطأ والحلال والحرام في غير مدارتهما في دائرة مفرغة من اللغو الإيديولوجى، بينما راح الحوار وقيمه وتقاليده وآلياته تتدهور، وتم تغييب حرية الفكر والتعبير والبحث الأكاديمى وأخذت ولا تزال تتناسل أجيال وراء أخرى من أبناء التعليم الردئ والديكتاتورية والفساد والضمائر المعتلة. ساد وطغى دعاة ومبشرى الحقائق المطلقة والمكفرين للرؤى الأخرى وشاع وتسلط مستخدمى التفسيرات الدينية الوضعية في استبعاد خصومهم، ثم المخالفين لهم في الرأى والاتجاه حتى داخل المعسكر الإيديولوجى والفقهى ذاته وذلك من أجل بناء المكانة والذيوع والسلطة الرمزية في مواجهة الآخرين.
ورث الأزهر – الجامع والجامعة – بعض ميراث التسلطية السياسية وقيودها على استقلاله، وغياب حرية البحث الأكاديمى، وقيم التسامح وتقاليد الجدل والمناظرة في تاريخ المدارس الفقهية السنية. غامت أو غابت أيضاً في ذاكرة كثيرين تقاليد التجديد والاجتهاد الفقهى والفكرى والفلسفى الأزهرى في إطار بيئة ديمقراطية – شبه ليبرالية – أثرت على حياتنا ومصائرنا على نحو إيجابى إلى حد ما، ثم انكسرت هذه التقاليد وتراجعت داخل الأزهر وخارجه بعد وفاة مولانا الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت. نسى بعض الأزهريين والمثقفين تقاليد الاجتهاد من المشايخ الكبار حسن العطار وخليفة المنياوى، وأحمد إبراهيم، ومحمد أبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف وعبد المتعال الصعيدى، ومصطفى وعلى عبد الرازق، ومصطفى المراغى، ومحمود شلتوت وآخرين، حتى وصلنا إلى مرحلة تأميم المؤسسة وتبعية غالب خطابها للسلطة ومصالحها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية.
كان الحوار جزءاً من المجتمع الديمقراطى المفتوح إلى حد ما، ثم تراجع وزوىَّ معه ثمار العز الثقافى المصرى التليد وذلك في ظل الديكتاتورية وثقافة النفاق والازدواجية والكذب والمخاتلة، لصالح العراك والعنف والاستبعاد المتبادل.
فقدان الجامع الكبير والجامعة العريقة لاستقلالهما وبيئة الحرية أدى إلى إنتاج نمط موازٍ من التسلطية الفكرية في الممارسة التعليمية، وفى إعادة إنتاج بعض الخطاب الدينى والفقهى النقلى القديم الذى فارق بعضه أسئلة وأحداثيات وإجابات زمنه وسياقاته.
انتشر الغلو الدينى والعنف اللفظى بفعل ثقافة البيئات النفطية الصحراوية المترعة بقيم الرعاة، والبداوة المميكنة وذات الاستهلاك الوحشى والترف الذى وصل إلى ما وراء حدود البطر. أثرت الهجرة إلى النفط واستعارة العمالة العائدة وحملت معها بعض أنماط من السلوكيات والقيم الاجتماعية البدوية - المحمولة على تأويل للإسلام على النمط الوهابى - إلى تغييرات بطيئة ومستمرة أثرت في نمط التدين الوسطى المصرى، وعلى الدور الوسطى الأشعرى للأزهر وعلماءه الكبار. في المرحلة الانتقالية ثمة تضاغطات بالتفسيرات والتأويلات الدينية المتشددة والمفرطة في غلوها من قبل بعض مفكرى وأتباع الحركة السلفية – ذات العنف المفرط في بعض خطابها وسلوك أتباعها تجاه الآخرين -، وبعض هؤلاء يحاولون إزاحة واستبعاد الأزهر وعلمائه وخاصة "المجددين" أو ذوى النزعة الإصلاحية منهم الذين يرون أن عليهم التزام علمى وأخلاقى واجتماعى ووطنى في استعادة روح الوسطية والإصلاح إلى الحياة الدينية المصرية، واستردادها من ورثة وأتباع التسلطية السياسية وخدم الديكتاتورية والأجهزة المعادية للحريات. من هنا يبدو من الأهمية بمكان ما يقوم به الأستاذ الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخنا الأكبر ومشروعه الفكرى والفقهى النازع إلى تجديد المؤسسة وهياكلها وسياساتها التعليمية الدعوية والافتائية وفى الخطاب الدينى .. إلخ، كى يعود الجامع والجامعة طليعة من طلائع الحركة الوطنية الديمقراطية مع طلائع ومجددى الجماعة الثقافية المصرية من خلال قيم الحرية والتسامح والأصالة والمساواة والمواطنة والعدالة .. إلخ. مشروع متميز وتاريخى يستعيد به الأستاذ الإمام دور الأزهر ورسالته في طور جديد، ومعه العالم المجتهد المعتدل والمتسامح الأستاذ الدكتور/ محمود حمدى زقزوق وكوكبة متميزة من أبناء الأزهر الأبرار ونحن معه ونؤيده وندافع عن مشروعه بكل قوة، وفى بناء التفاهمات والمشتركات الجامعة والموحدة للأمة مع تنوعها، وذلك مع الجماعة الثقافية وطلائعها البارزة في هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا الذى يراهن بعضهم على اختطاف مكانة ودور الأزهر وتاريخه وشيخه الأكبر. مسعى هؤلاء كليل وسيبوء حتماً بالفشل التاريخى في ظل توق عارم للحرية والديمقراطية في قلب مصر الجديدة. وللحديث عودة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الازهر فقط
محمود جلال خليل ( 2011 / 6 / 15 - 16:50 )
فضيلة الشيخ احمد الطيب لا يجب ان يظل طيبا وهو يرى حالة الانفلات الديني والفتاوى التكفيرية تتصاعد في المجتمع بين الناس , لقد تسببت جماعات الاسلام السياسي في تطبيق قانون الطوارئ علينا لمدة ثلاثين عاما فسدت فيها الحياة الاجتماعية والسياسية ولاقتصادية وعشش الفساد على ارض المحروسة ويحتاج لجهود سنوات لازالته , على الازهر ان يعمل على تفكيك هذه الجماعات والغاء مسمياتها البراقة الدعائية التي غررت بالبسطاء والعوام وجذبتهم اليه


2 - الحراك الاجتماعى
ابراهيم المصرى ( 2011 / 6 / 16 - 00:45 )
صباح النور هل حضرتك الكاتب فى الاهرام؟ التغير اللذى حدث فى التركيبة الدينية عند المسلمين اعتقد انة مرتبط بالحراك الاجتماعى فكثير ممن سافروا للبلاد النفطية رجعوا بعادات وافكار تختلف عماهى فى مصر بين المسلمين وقوى موقفهم المساعدات الخليجية والدعم الكبير وايضا الاستبداد السياسى وتردى الاوضاع الاقصادية والاجتماعية انتج اجيال منسحبة من الحياة واتجهت للغيبيات ووضعت امام عينها النموذج الخليفى الرفاهى فتبنت قيمة ولعب النظام المباركى دورا فى صعود تلك التيارات حين توهم انها ستكون حليفتة وخصم لعدوة السياسى الاخوان المسلمين فانعكس كل ذلك على الازهر لارتباطة بالنظام من ناحية ولاعتدال طرحة ايضا وهو مالايتوافق مع النموذج الوافد والان تستعر المعركة للحط من شأن الازهر وقياداتة ويذداد قصف التيارات السلفية له لتهميشة حتى يخلو لها اللجو وتتسيد على المسلمين لتحمى انظمة الحكم فى الخليج ومجتمعات الوفرة بدون عمل واعتقد ان المعركة الدائرة تحتاج تضافر المثقفين بجوار الازهر حتى نقنع ابناءنا معتنقى الفكر السلفى المتشدد والمغرق فى الخرافة ومعاداة التقدم

اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا