الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الجديد في حتمية منطق النهوض؟

عماد صلاح الدين

2011 / 6 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



لسنوات خلت كمراقب وباحث سياسي في الشأن الفلسطيني والعربي وفي مجمل العلاقات الدولية، كنت اتهم في ما اكتب أنني أميل إلى السياقات الحدية في البحث عن الحلول، وفي التفكير في وضع فرضيات التصور الاستراتيجي والخوض في تفاصيل التكتيكات.
يعني ما سبق أنني أميل إلى فكرة التدافع الإنساني الاجتماعي الحاسم، في سبيل غاية الإصلاح لتلك المجتمعات التي تحدّرت في شوط كبير جدا من التخلف والضياع والدخول في موجة التيه على مستوى الأس، وفي سياق مفردات الحياة الإنسانية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وفي جل معتلق التداخل الإنساني العلائقي لمجتمع أو امة معينة عبر التاريخ.
عبر التاريخ سواء على المستوى الإنساني المجرد أو في سياق الحالة الدينية الدعوية والتشريعية؛ للعودة بالأمور إلى نصابها الكوني السنوي، بعد الخروج عن جادة الصواب، كنا دائما نجد إما ثورات أو صراع الحق والباطل.
صحيح انه في دعوات العودة بالأمور إلى نصاب الانسجام مع مقتضيات الحراك الإنساني المطلوب المتناغم مع الكل الكوني في حركة دائبة منتظمة أساسها وفلسفتها العدل النسبي، لا بد أولا من الدفع فكرا ورأيا ونصحا بالإحسان، ليقتنع من يقتنع بأهمية العودة إلى جادة الصواب الكلية الشمولية، وليترك الخيار بالضد رفضا لأولئك الذين لا يقتنعون، ويبقى المطلوب في سبيل العودة والإصلاح أن تكون الطريق دائما سالكة دون عراقيل أو معيقات، لكن في اللحظة التي يشهر فيها سيف الحرب على مبدأ الناموس القائد نحو تحقيق العدل الإنساني وتوفير مزيد من رفاهية الإنسان ارتباطا بحريته وكرامته، فانه لا مندوحة عن المواجهة ولو كان قيمة ذلك وجهده مذيلا في الختام برسم الجماجم والأشلاء والدماء.
لان غير المواجهة الدامية هذه، سيكون التعطيل لفكرة الناموس الكوني التي جوهرها حرية الإنسان وكرامته ورفاهيته وسعادته، وسيحل البديل الشاذ على مسيرة التاريخ ظلما وتعسفا وعبودية الإنسان للإنسان.
لم يكن الصراع الديني والإنساني منذ بدء الخليقة إلا على هذا النحو؛ لأجل غاية سامية: الخروج من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد التي تقابلها الحرية والكرامة والإخاء بالمعنى الإنساني المجرد لحقيقة الثورات وهدفها في الشرق والغرب وفي كل مكان من المعمورة.
فما جرى منذ أشهر من حراكات وثورات في المنطقة العربية بدءا من المغرب العربي وفي القطر التونسي تحديدا إلى مصر الكنانة في المشرق العربي، وفي غير امتداد لهذه الثورات في ليبيا وسوريا، كلها لا تخرج في سياق التفكير العلمي ومن منطلق اسيات المبادئ الكونية التي يعتبر الإنسان جزءا منها من ناحية، وحالة مصغرة عنها من ناحية أخرى، عن حقيقة ما تم التقديم له وسرده فيما سبق من سطور.
فالمنطقة العربية منذ أكثر من قرن من الزمان تعاني من حالة ذل وضعف وتخلف وإسفاف، في الدخول في مسارب حراكية لا ضرورة لها ولا لزوم، يضيع معها وقت الأمة وجهدها، وهذا –بالطبع- حال الأمم والجماعات الإنسانية التي يكون حالها على ما سلف توصيفه؛ ابتعاد عن أساسيات الرقي والتقدم الإنساني وإغراق في تفاصيل تنم عن حالة الوسوسة القهرية التي يعاني منها أي مريض نفسي يكون منطلق مرضه الضعف والتخلف وفقدان الثقة بالذات.
وهذه المعاناة العربية على مستوى الإنسان في حريته وكرامته أولا، وأرضه وسيادته بوقوع أقطاره وأقاليمه تحت الاحتلال الأجنبي ثانيا، كانت ولا زالت خاتمة مرحلة شيخوخة الأمم والدول في مرحلة من مراحل تاريخها كما جاء في مقدمة ابن خلدون الشهيرة. وكانت الخاتمة العربية في هذا السياق في خاتمة الضعف والوهن الذي أصاب الحكم العثماني للوطن العربي مع نهاية القرن التاسع عشر ومفتتح القرن العشرين.لقد جرت محاولات جادة منذ خمسينيات القرن الماضي، وحتى عهد قريب ما قبل اندلاع شرارة الثورات العربية على مستوى الحراك الحزبي والفصائلي ونظم سياسية بعينها تبنت خيارات قومية وإسلامية وغيرها، لكنها جميعها لم تقد إلى واقع الحراك الجماهيري العارم لأجل مواجهة منظومة الاستبداد والطغيان في الحالة العربية، بل إن هذه الحراكات شكلت واقعا مأزوما ومضاعفا في السوء في مسيرة الضعف والتخلف العربي الناتج عن قمع الناس وتكريس حالة الاستبداد.
فالأحزاب والجماعات الوطنية والقومية والإسلامية كانت ولا زالت، تقع في دائرتين قاتلتين؛ في إطار منطلق عملها الداعي للتغيير والإصلاح، والمحاول في محطات زمنية لممارسة هذا الإصلاح والتغيير؛ أما الدائرة الأولى أن هذه الأحزاب يتجمع في مجاميعها الفاعلة مجموعة من النخب القوية أساسا، بحكم تكوينها الطبقي الاقتصادي والاجتماعي، أو بحكم الصدفة القائمة على حالة الاستثناء بالفرصة الفردية، ولا شك أن هذه الأحزاب والجماعات لم تصل إلى فكرة أن الإنسان هو الهدف من الإصلاح، وان الحاجة تقتضي وجود برامج تنموية حقيقية على أسس علمية مدعومة بمسوحات إحصائية شاملة، بل كانت هذه الأحزاب والجماعات تتطلب في الأفراد شروطا ومواصفات، وإلا فانه يقع فعلا خارج دائرة الحزب والجماعة، وان كانوا يمدونه ببعض أنواع مساندة ودعم لأجل المناصرة والاقتراع يوم الاقتراع، وبهذا تبقى الغالبية تعاني من الضعف والتخلف والمرض، وتقيم على هامش الطريق؛ وتتهم في الآن ذاته بالرذيلة والسقوط ضمن معايير القيم والأخلاق الشكلية السائدة في المجتمع العربي؛ وتصبح مسألة الأخذ بيد هؤلاء نوعا من العيب والشنار في عرف الأقوياء، وما هو متعارف عليه في الطبقة السياسية الحزبية التي تمسك بزمام الأمور في مجال حراكها. والدائرة الثانية هي كون هذه المجاميع الحزبية الفاعلة في إطار دائرتها لها من القوة المجتمعية أولا والمصلحة الذاتية ثانيا، بحيث نجدها مترددة جدا بل ومنافقة في سياق مخاطبتها أو مواجهتها للنظم السياسية الرسمية الحاكمة. فكثير من هذه الأحزاب كانت تصل بالشعوب العربية إلى مرحلة التضليل بشأن حقيقة النظم العربية الرسمية، فلا هي تصرح أن هذه النظم مرتهنة لصالح المجموعة الغربية والأمريكية ولتابعتها إسرائيل في ارض فلسطين المحتلة، ولا هي تؤكد عروبة أو شرف الانتماء الوطني والعروبي لهذه النظم.
وحقيقة النظم العربية الرسمية في جلها وعلى اختلاف أدوارها، لمن يرى الأمور بمنظار الحقيقة منذ عقود أنها نظم عميلة وفاسدة ومرتبط وجودها لأجل تمرير المصالح الأمريكية والغربية والإسرائيلية في المنطقة العربية الإسلامية.
ولما ملّت الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن من نفاق هذه الأحزاب والجماعات العربية غير الرسمية، ومن طول انتظار ما يأتي به الصبر على استبداد وقمع وخيانة هذه الأنظمة، ومنعها لأي حراك جدي يؤدي إلى نهوض الأمة وتقدمها ولو برسم الدم، لم تجد الشعوب في هذه الدول سوى المواجهة وان كانت سلمية في ثوب المظاهرات والاحتجاجات الشعبية العارمة مع هذه النظم، وكان التوقيع أيضا منها برسم الدم. يقول الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو طاليس: إن التاريخ يكره دوما الفراغ.
محام وباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية- نابلس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ