الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترجمة أفريقيا

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 6 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


نعيش هذه الأيام ما يمكن أن أسميه الحُمَّى الأفريقية.. وهي حمى حميدة بعد ثورة 25 يناير، وانتهاء النظام السابق الذي أهمل وتعالى على القضايا الأفريقية..
غير أنه يؤسفني القول إن التوجه نحو أفريقيا تحول إلى مظاهرة لا يتوقع لها أن تحقق الأهداف الكاملة ، لأننا تعودنا أن نهتم فجأة بقضية ما ثم نهملها إهمالاً كاملاً دون مقدمات..
لا بد قبل أي محاولة للاقتراب من أفريقيا أن تكون لدينا معرفة علمية بها.. وإذا كنا نعاني من ضعف واضح في الثقافة السياسية وفي الإلمام بشئون العالم من حولنا رغم الكم المهول من الثرثرة في الفضائيات والمطبوعات.. فإن ثقافتنا السياسية ومعرفتنا العلمية عن أفريقيا تعاني من فقر مخجل..
ولا شك أن كل نهضة وطنية تسبقها وتصاحبها بالضرورة نهضة في حركة الترجمة.. هكذا كان دور رفاعة رافع الطهطاوي، وكذلك كان دور سلسلة الألف كتاب وجهود ثورة يوليو في هذا المجال..
فماذا عن واقع الترجمة عن الأدبيات الأفريقية في مصر اليوم.. يؤسفني القول أولاً أن حجمها ضعيف جدًا.. ولا يقبل عليها المترجمون الكبار.. كما لا يوجد لدينا مترجمون متخصصون في المعارف الأفريقية.. وأهمية هذا تكمن في أن دور المترجم لا يتوقف عند تحويل الكتابات بالإنجليزية أو الفرنسية إلى العربية، إنما نحن بحاجة إلى المترجم الشارح والباحث والمقارن ، حتى يكتمل دوره في الترجمة..
وإذا نظرنا إلى أهم ما نترجمه عن أفريقيا اليوم سنجد أن معظمه منتج في الغرب ، أولكتاب أفارقة ولكن بانتقاءات غربية طبعًا.. ثم سنلاحظ الاهتمام الزائد بالفلكلور والغرائبيات والفن والنقد الأدبي ، وربما الجغرافيا والأنهار في أحسن الأحوال..
ويكاد يكون دارسو الشئون الأفريقية هم المهتمون الوحيدون بقراءة مثل هذه المواد المترجمة.. وأزعم أن المتخصصين في الشئون الأفريقية في وزارة الخارجية مثلاً بعيدون عن الاهتمام بدراسة المجتمعات والدول الأفريقية.. حتى أن بعضهم يكاد يعتبر وجوده في هذا الفرع مجرد "خدمة إجبارية" إلى أن يفتح الله عليه بالخدمة في بلد أوربي أو نفطي.. والدليل على ما أقول أن معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة قد أنتج المئات من رسائل الماجستير والدكتوراة التي ركنت على الأرفف، ولم يهتم أحد من صناع السياسة بالاستفادة من آلاف طلاب الدراسات العليا الذين مروا على المعهد ، وكأن الهدف من الدراسة كان الحصول على الشهادة والدرجة وكفى..
جملة القول إنه لا توجد لدينا سياسة عامة محددة للترجمة عن أفريقيا.. لأننا بالطبع لا نملك أصلاً سياسة للترجمة بشكل عام.. أي لماذا وماذا وكيف نترجم..
إن الاهتمام بالترجمة عن أفريقيا يجب أن يقوم على الاقتناع بالمبادئ التالية :
(1) الترجمة مطلوبة للمعرفة في حد ذاتها.
(2) الترجمة مطلوبة لخدمة السياسة الخارجية (بمعرفة تاريخ وأدوار القوى الفاعلة في البلدان الأفريقية).
(3) الترجمة مطلوبة لخدمة الاقتصاد (كفتح الأسواق ودخول التكتلات الاقتصادية الإقليمية).
(4) الترجمة مطلوبة للقيام بالتحليلات السياسية المقارنة (من المهم مثلاً معرفة التجربة الفيدرالية في إثيوبيا ونيجيريا ، وتجربة لجان الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا، وتجارب المؤتمرات الدستورية، وتجارب تطبيق الروشتة الفاشلة لصندوق النقد الدولي..).
أما عن ماذا نترجم.. فإنني أدعو لإعطاء الأولوية للكتابات الأكاديمية والفكرية.. مع اهتمام خاص بالأعمال التي تتناول التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلدان الأفريقية.. ثم الاهتمام أكثر بمسائل التنمية والديمقراطية والسياسة الخارجية في عصر العولمة..
بالنسبة لأزمة التنمية في أفريقيا ، وهي جوهر أزماتها كلها تقريبًا.. أدعو إلى ترجمة الأعمال التي تتناول نظريات ومفاهيم التنمية التي طبقت في القارة، ومدى الاهتمام بالبعد الاجتماعي والفوارق العرقية والطبقية والجهوية ، ودور الدولة في الحياة الاقتصادية ، والتكتلات الاقتصادية الإقليمية ، وكذلك الموقف من سيطرة الدول العظمى والشركات عابرة القارات على الفائض الاقتصادي والموارد الطبيعية في القارة..
أما عمليات الانتقال الديمقراطي في القارة فتحتاج إلى اهتمام خاص لاستخلاص الدروس المفيدة لتجربتنا الديمقراطية ، وأيضًا للمعرفة الضافية بالحياة السياسية الداخلية في تلك البلدان ، حيث من المهم دائمًا معرفة مع من تتعامل..
وهناك حاجة أيضًا لمعرفة المزيد عن تطورات الحركات الدينية الأصولية والسلفية التي لعبت في الماضي وتلعب الآن دورًا متزايدًا في الحياة السياسية في القارة..
من المهم أيضًا ترجمة المزيد من المواد عن العلاقات والصور المتبادلة بين الأفارقة والعرب ، بما في ذلك أكثر المشاكل حساسية كمشكلة الرق في التاريخ الأفريقي ، ودور الجاليات العربية في غرب ووسط أفريقيا بشكل خاص في الحياة الاقتصادية والسياسية بتلك البلدان..
تتبقى أيضًا قضايا السياسة الخارجية ، وخاصة الصراع الصيني - الأمريكي على الموارد والأسواق الأفريقية ، وكذلك المحاولات الأمريكية للتدخل العسكري المباشر وغير المباشر تحت القيادة العسكرية الأمريكية المسماة أفريكوم.
وحتى ينجح ذلك العمل المعرفي المهم ينبغي أن تهتم الدولة بالمترجمين اهتمامًا خاصًا برفع المقابل الذي يحصلون عليه مع اشتراط أن يرفقوا ترجماتهم بالشروح والتعليقات المفيدة للقارئ..
.. أخيرًا إذا كانت أفريقيا تهمنا فعلينا أولاً أن نعرفها.. والترجمة هي أولى هطوات المعرفة ، شرط ألا تكون ترجم "سد الخانة" التي يسجلها الموظفون البيروقراطيون في تقاريرهم ، وأن تتم عملية الترجمة وفق خطط متناغمة وهادفة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت