الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات بدون نساء

الهام ملهبي

2011 / 6 / 20
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


.يوم رحيل مبارك ، و وسط تلك الفرحة التاريخية التي غمرت الشعب المصري و كل الشعوب الأخرى معه ، كان أكثر شيء أثار انتباهي و شدني هو الزغرودة التي أطلقتها نوارة نجم في اتصال لها على قناة الجزيرة ، نوارة نجم ابنة الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم التي لمع نجمها أيام الثورة في أحاديثها على القنوات الفضائية بحماسها الشديد و حديثها المشتعل عن الحرية ، هذه النوارة الجميلة لم تجد في تلك اللحظة التاريخية غير الزغرودة تعبيرا عن الفرح .

لقد ظلت الزغاريد عبر التاريخ تعبيرا نسائيا محضا عن الفرح ( الفرح الجماعي طبعا) لم تتوانى النساء يوما عن إطلاق أصواتهن لتصدح بفرح الجماعة ، مزينة الفضاء بنغمة منفردة للجمال الأنثوي.
لكن أين زغرودات فرحنا الشخصي وسط كل هذا ، هل سنظل نعض على الجرح المؤنث بداخلنا و نغني لفرح يركننا على الهامش الى أجل غير مسمى.

هذه الثورات التي تشهدها المنطقة العربية ، و التي جاءت محملة بوعد الحرية لشعوب لم تعرف سوى الهزائم على مدى عقود طويلة، كان يجب أن تحمل الفرح للنساء و الرجال على حد سواء. لكن للأسف ما كان منذ البداية هو الغياب النهائي لمطالب النساء ، انهم يعملون بمنطق الأولويات ، و يؤجلون قضية النساء "الثانوية" الى ما بعد تحقيق الأهداف" الكبيرة" و الأساسية . لكني هنا أقول إن الثورة يجب أن تكون ليس مجرد مطالب محددة ، إنما عقد اجتماعي جديد يقطع مع كل الأفكار القديمة و يؤسس لعهد جديد مبني على مبادئ لا يمكن أن تنفصل أبدا : الحرية، المساواة و العدالة الاجتماعية .لا يمكن أن نفصل مبدأ المساواة عن كل هذا، لأن الحرية لا تتجزأ ، لا يمكن أن نقتطع منها حرية النساء و نسميها حرية .

لقد شاركت نساء مصر في النضال من أجل الاطاحة بمبارك ، خرجن للشارع بشجاعة تماما كما فعلت جداتهن في ثورة 1919، غير مباليات بالأفكار البالية التي تقيدهن ، و كن سيدات قويات في الشوارع و الميادين ، معتقدات أنهن بهذا يقطعن مع عهد قديم ، و أن هذه أول خطوة في طريقهن نحو التحرر. لكن ما سيحصل هو العكس.
بعد شهر من سقوط نظام مبارك ، سيخرجن للشارع بنفس الثقة ، لكن هذه المرة من أجل إسماع صوتهن الأنثوي ، احتفالا باليوم العالمي للمرأة ، فكانت المفاجأة هي أن يجدن انفسهن فريسة للتحرش من قبل أشخاص يحاولون افشال مسيرتهن بالقوة و التخريب .
ثم و بعد ذلك ، يوم 9 مارس ستعتقلهن قوات الجيش ليتعرضن لتعذيب مهين ، و يخضعن لاختبار كشف العذرية، الذي يعتبر أكثر أشكال إهانة المرأة و استصغارها ، إلى متى سيبقى شرف المرأة أداة تستخدم لقمعها و تحجيم دورها في المجتمع ؟ هل جزاء الشابات اللواتي حملن راية الحرية و حملن مبادئ مشرقة معهن و خرجن للشارع من أجل أن يصنعن المستقبل إلى جانب الرجال، هل جزاؤهن هو أن يتم الحط من قيمتهن و اذلالهن بهذا الشكل ؟ و قد برر أحد اللواءات في المجلس الأعلى للقوات المسلحة هذا التصرف قائلا إنهم فعلوا هذا حتى لا تتهم المعتقلات أعضاء الجيش المصري باغتصابهن .. عذر أقبح من ذنب.

هذا فقط مثال و الأمثلة الأخرى لا تحصى ، ليس أقلها هولا ما حكته الصحفية الأمريكية لارا لوجان عن الاعتداء الجنسي الشنيع الذي تعرضت له في ميدان التحرير يوم الاحتفال برحيل مبارك ، و الفنانة شيريهان التي تعرضت للتحرش في الميدان في جمعة الغضب الثانية ، و ما خفي أعظم.

النساء يشاركن في التغيير بشجاعة و يهبن عمرهن و يضحين مثلهن مثل الرجال ، و لا يجدن بالمقابل إلا ما يسلبهن انسانيتهن و مكانتهن الحقيقية التي يسعين اليها. لتبقى بالتالي هذه الثورات ، رغم المشاركة المكثفة للنساء فيها ثورات بدون نساء ، مادامت لم تحمل لهن أي وعد بغد أفضل .

و في اليمن ، كم بدا مؤسفا أن نرى نساء جميلات العيون ، رقيقات الأصوات ، يتحدثن بلغة فصيحة بليغة عن الحرية ، دون أن يظهر لنا منهن سوى عيونهن المضيئة بحلم التحرر . و كم بدا صالح مثيرا للشفقة مقارنة معهن في ذلك اليوم حين أعياه الافلاس السياسي و لم يجد أي ورقة رابحة يتكأ عليها، فما كان له سوى أن يصرخ : امنعوا الاختلاط في المظاهرات .. امنعوا الاختلاط في المظاهرات .. ، لكن حفيدات بلقيس كن سيدات الجرأة و لم يترددن في الدفاع عن كرامتهن التي مسها هذا الطاغية في العمق، و خرجن في مظاهرة حاشدة منددة بكلامه و مطالبة برحيله . و كان المشهد اكثر ألما من المشاهد السابقة ، حشود هائلة من نساء يصرخن عاليا مطالبات بالحرية ، لكن السواد يخفي وجوههن و يمنع عن ملامحهن أشعة الشمس و خيوط النور.

و في ليبيا كان مشهد تلك المحامية الجريئة إيمان العبيدي مثيرا للألم و مستفزا للغضب ، و هي تصرخ امام الصحفيين لتفضح ما تعرضت له من اغتصاب شنيع من قبل قوات القذافي. ليظهر من جديد أن المرأة مازالت مختزلة في موضوع جنسي ، و مازال وجودها مرتبطا بالشرف ، لكن هؤلاء الذين اغتصبوها نسوا أنها لييبية مثلهم و أنها لا تفرق شيئا عن أخواتهم و نسائهم و أمهاتهم ، لكن عقولهم المريضة وسوست لهم أنها من نساء العدو الذي يجب أن يلوثوا شرفه انتقاما.

و في المغرب ، مازالت حركة 20فبراير مستمرة في احتجاجاتها دون تراجع ، لكن .. دون أن تنتبه الهيئات الحقوقية و المناضلات المنخرطات في هذا النضال و التيارات المكونة للحركة أن مطالبهم خالية بشكل نهائي من أدنى مطلب نسائي . إلى متى يتم تأجيل مطالب النساء ؟ ان لم تكن جزءا لا يتجزأ من مطالب العدالة الاجتماعية و التحرر أين يمكن أن ندرجها ؟ و ما مصير هؤلاء الشابات المغربيات اللواتي نشاهدهن باستمرار في المسيرات يتعرضن للتعنيف ؟ هل سيكون جزاؤهن مثل اخواتهن المصريات ؟ هل سنحاول أن نقنع انفسنا بذلك التبرير الدائم بأن التغيير الديمقراطي يقود بشكل أوتوماتيكي لتحرر النساء ؟

لا أعتقد أن من يتغافل عن رفع مطالب النساء في نضالات حاسمة و تغييرحتمي بالبلاد ، سيكون قادرا على بلورة مشروع جديد يمنح للمرأة حقوقها الكاملة و الحقيقية.

و في استعراضنا لكل هذه الأحداث في البلدان العربية ، تنطرح الكثير من الأسئلة : الى متى سينظر الينا هذا المجتمع دون أن يرى عقولنا و دون أن يرى سواعدنا العاملة و أيدينا المبدعة و أرواحنا المعطاءة ؟ هل سنظل الى الأبد مختزلات في مجرد موضوع جنسي؟
الجواب الشافي بالنسبة لي هو أننا سنظل موضوع الحياة ، سنظل نبدع و نخلق و ننجب و نصنع الحياة و ننثر المشاعر الايجابية هنا و هناك ونشارك في بناء الحاضر و المستقبل تماما كما أرادت لنا الفطرة و الطبيعة أن نكون ، جزءا لا يتجزأ من الحياة .. عكس ما يدعون أن الفطرة أرادت لنا الظل و الانزواء.. سنظل واقفات في صلب الحياة مهما اختزلونا في مجرد موضوع جنسي ، و سيكون لصوتنا أن يرى النور ، صرختنا خافتة كانت أو قوية ، عنيفة أو رقيقة ستصل حتما الى أبعد الحدود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب شكلها وعمرها.. التنمر يطارد ملكة جمال ألمانيا الجديدة


.. 34 عاماً من النضال والتضحية... جثمان الشهيدة زوازن حسكة يوار




.. الرقة 28 4 2024فوزية المرعي مثال للعطاء ومسيرة حافلة في الا


.. الناشطة السياسية مي حمدان




.. الصحفية فاتن مهنا