الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان ايمان ومعرفة

هاشم الخالدي

2011 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ان ما يميز الانسان عن الكائنات الحيه الاخرى هو امتلاكه قدرة متميزه من الادراك فهي الحلقه الحاسمه في تحوله وتطوره كانسان, فالانسان ذي القامه المنتصبه والمتحرر الذراعين المتميز بعقله ( جهاز ادراكه )مكّنته مجموع صفاته هذه من تحقيقه الانجازات من خلال علاقاته مع الواقع المعيشي ,و ادى تراكمها وتخليفها عبرالاجيال الى تطور مستوى المعيشه , وانعكس ذلك على العلاقه الاجتماعيه بين افراده وبنائه الاخلاقي والثقافي و طرق التعبير عن احاسيسه ومشاعره. .
وما الدين والفلسفه الا انعكاس لنزعة الانسان في التعبير عن ادراك ذاته الانسانيه وموقعها من الوجود بما في ذلك الادراك من احاسيس ومشاعر , والبحث عن معنى موقعه في الوجود و قلقه في ما يخبئه الغيب مما اضفى على فعاليته الادراكيه الحافز بالنزوع الى الخيال والتأمل والتطلع الى الامان والتمني ,لذلك تزامن الايمان مع المعرفه و وهذا ما عبّر عنه في مرحلة متقدمه في الفلسفة والدين فليس الايمان بالضروره هو الايمان بألاه فقد يكون الاله تعبيرا عن الايمان الا ان هذا التعبير يختلف باختلاف الزمان والمكان كما ان التعبير عن الايمان قد يتجسد بفكره مجرده او بالتجرد والزهد ..الخ وعلى العموم فان الايمان بوجود خالق واعي للوجود هو صفة مشتركه بين الفلسفه والدين وقد لا يعني ان هذا الخالق هو اي من الالهه في اي مكان وزمان ,وكذلك الالحاد فهو ليس مقتصرا على الفلسفه وانما تجد من الاديان ما لا يؤمن بوجود الخالق الواعي , و لكن في جميع الاحوال لاوجود للايمان الديني او الفلسفي خارج مستوى من المعرفه معين في اي مرحلة من مراحل تطور المجتمعات عموما لان الدين وكذلك الفلسفة هما نتاج تلك الدائرة المعرفيه, فالايمان الفلسفي والديني كانا حدسا مكملا لجوابا معرفيا اواملاءا لسد لفراغ و نقص في المعارف لتقديم تفسير كلي للذات والوجود (اللغز) لذلك فالفلسفة والدين هما ايمان ومعرفة
,ان الايمان وجه اخر لقدرة الادراك لدى الانسان,و لا وجود للايمان الا مع المعرفه كما لا توجد معرفه الا بحافز الايمان اي ان الايمان والمعرفه لا تسبق احدهما الاخر فهما فعالية خاصية الادراك, نشاتا مع نشوء الانسان,ومع ان ما حققه الانسان من المعرفة اليوم هو قفزة نسبيه كبيرة , فان طبيعة الايمان تزدان بتلك المعرفه و تبقى حافزا لها وتعمل كمخيال وتأمل وتطلعا الى الامان والتمني يعبر عنها في الدور الذي تلعبه الفلسفه والدين في الحياة المعاصره ,اي ان تطور المعرفه يبقى يعمل على اعادة رسم دور الفلسفه والدين على ضوء ما تحقق من تطور معرفي, ولكن القفزه المعرفيه اليوم افقدت الانسان جزءا كبيرا من موروثاته الغيبية او الماورائيه ,لذلك باتت الفلسفه والدين اليوم اقل اثرا اسطوريا , ان القفزه الجاريه بالمعرفة اليوم هي ظاهرة فريدة لم تتحقق مثلها في التاريخ الانساني السابق حين تم بوسائل المعرفه الجديده الجواب الى حد كبير على سؤال الذات والوجود والتي اكدت بما لا يقبل الشك بان الانسان وارضيته ليست مركز اهتمام الوجود كما ان للقدرة الانسانيه على تحسين وسائل العيش غير محدوده ,مما يعني ان قاعدة الفلسفة والدين الان تتطلب ان يتخذان شكل اخر اكثر عملية و بفضل ما تحقق لهما من معطيات علميه, اي ان صياغة الدين والفلسفه يمكن ان يتصيران اليوم مجددا بفعل ازالة اللبس و الغموض المتراكم الاف القرون في مدارك الانسان مع فقدان حافز الغيب والماورائيه ليبقى الدين والفلسفه اخلاق مفترضه تفرضها ضرورات العيش المشترك المعبره عن احاسيس ومشاعر الناس.

و هذا يفترض ان يحقق تقارب بين الدين المعاصر والفلسفه المعاصره ويحتم تضائل حدة المواجهة بينما لتبقى المعركه الاساسيه هي معركة اخلاق - حقوق وواجبات الانسان
اما بقاء المقدس فيعود الى ان المقدس هو موروث من مآثر الغيب الظني,ويتضائل بعد مرحلة من الشك و من المراجعه للموروث المعرفي ونقده كما حصل في المجتمعات المتقدمه, بينما في المجتمعات المتخلفه لازالت المقدسات في الفلسفه والدين يلعبان دورا كبيرا في الحياة ,اذ ان الموروث من اليقينبات لم يتعرض الى النقد المعرفي الا بالقدر المنقول من ثقافة المجتمعات المتقدمه وضمن حالة من التقديس للفلسفي و الديني, اي ان النقد لم يكن نابعا من واقع تلك المجتمعات فهو ليس ابداعا من لدن مجتمعنا المتخلف ولم ياتي في سياق الشك و المراحعه المعرفيه .لذلك لازال الموروث المقدس اسوة بالقيم القبليه والعشائريه موضوعا للتداول كتقاليد وعادات راسخه حتى اصبح وسيلة سهلة ومامونة للاستغلال واستلاب الناس و ليس في معركة الحياة من اجل الحقوق والواجبات بل من اجل تحقيق ونمو مصالح طبقيه ربويه,وصدامات محتدمه انتجت الكثير من المآسي والويلات ,والصراعات الطائفيه يؤججها صراع المصالح السلطويه والماديه.وليس من اليسير تفكيك اشكاليات تلك التناقضات المعرقله لنمو وتطور المجتمع واحلال التناقضات التاريخيه الانسانيه لتأخذ دورها في تحقيق التنميه والنمو والتحضر الى جانب الفضيلة التي هي خلاصة وعصارة تطلع الانسان يعبر عنها بالايمان الديني والفلسفي وعلى نقيض الغريزه اذ ان نزعة الانسان الغريزيه تعمل على تزييف ميزاته الانسانيه بحكم صراع المصالح وتناقضاتها.
===================================

ان الايمان في شكليه الفلسفي والديني لا يمكن الاستغناء عنه كونه يشبع التطلع الانساني الى الامان والسلام رغم تقلص مساحته في عصرنا باتساع مساحة المعرفة. لو رجعنا الى بداية الايمان لدى الانسان كحيوان مدرك فاننا نجد الجانبين الفلسفي والديني معا منذ النشأة الاولى للانسان ولو بشكل بسيط ,وكل ما في المسالة هو ان هذين الشكلين المختلفين للايمان طريقته ,فالايمان الفلسفي مآل الشك اما الديني فهو مآل اليقين , لذلك لجئ الايمان الديني فيما مضى الى تشييد اسطوري غيرخاضع للجدل - الميثولوجيات الدينية – بنيت على قاعده معرفية محدوده يملئ فراغها المتبقي بالخيال اي برؤيا متوارثه متصوره في الذهن تعزز بالطقوس والشعائر كوسائل تعويض عن الوعي الناقص وهي وسائل غير خاضعه للجدل ,اما الايمان الفلسفي فيبني على قاعدة المنطق الخاضع للجدل لذلك يبدو اكثر وضوحا الا انه لا يمكن ان يخلو من الرؤيا المتصوره في الذهن متوارثه ايضا من ميدان آخر هو ميدان الفلسفه ,لقد انشطر التفكير منذ بداية نشات الانسان بين الفلسفة والدين لذا ان لكل من الدين والفلسفه طريق خاص.الا ان تطور المعرفه في عصرنا ادخلت طريق الشك حتى على الايمان الديني مختزلتا اياه الى ايمانا بالخالق وتطلعا الى الامان والسلام نابذتا كثير من الميثولوجيات وهذا هو حاصل في المجتمعات المتقدمه وليس في المتخلفه.

ان قوتين رئيسيتين تحدد مسار كل تطور انساني وهما قدرةالادراك وقدرة الغريزه تاخذ طريقها في الحياة فلنجعل من قدرة الادراك التي نتميز بها عن كافة الكائنات الحيه هي مصدر عملنا وسلوكيتنا .
فلولا تلك الميزة لما اصبح الانسان مدركا ولما ظهر هناك وعيا ولا ايمانا, فليس للحيوان ايمان رغم امتلاكه شيئ ضئيل من الادراك كما ان ليس له وعيا , وهنا لا بد ان نميز بين الوعي والادراك فالوعي نهاية الادراك ومحصلته معرفة ,اذن ليس الوعي لوحده ادراك, ان الايمان هو ادراكا لكنه لا ينبثق منه معرفة لسبب بسيط هو ان الايمان ليس ناتج عن تلك العلاقه الجدليه بين قدرة الادراك والواقع المحسوسه وانما عن حدس الادراك وخيال مفترض وهذا الاخير نشاط مختلف لا ياتي عن العلاقه الجدليه بين قدرة الادراك والواقع وانما عن العلاقه الساكنه المستسلمه لقدرها كبديل عن العلاقه الجدلية القلقه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب