الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطور العلمي والانتخاب الحضاري

محمد لفته محل

2011 / 6 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لماذا لا يرافق التطور العلمي والتكنولوجي تطور نفسي وأخلاقي بنفس المستوى في الإنسان؟ سؤال طرح منذ تطور العلم في بدايات القرن العشرين وكانت الإجابات عليه مختلفة ما بين متفائل يعتقد بإمكان أصلاح وتغيير نفسية وأخلاق الإنسان أو تغيير ظروفه بالتوازي مع توظيف العلم باتجاهها، وبين متشائم يرى أن طبيعة الإنسان ثابتة لا تتغير مهما تغيرت الظروف والعصور، واختلفت هذه الاتجاهات أيضا في أسباب هذه المشكلة ما بين فريق يرى علتها خارجية في ظروف الإنسان الاجتماعية، وما بين من يرى علتها داخلية في نفسية وطبيعته البايلوجية، فمن الملاحظ أن حضارتنا رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي وبرغم تطور القوانين نظريا في صالح الإنسان ووجود منظمات مدنية ودولية ووجود الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي تحاول أن ترعى هذه المعايير المثالية لكن تبقى المصالح الاقتصادية والأنانية والعنصرية والعرقية والقومية الخ هي التي تتغلب على هذه القيم أو تتقنع بها، فالحربين العالميتين والاستعمار الغربي وغطرسة أمريكا الاقتصادية وحروبها الإيديولوجية والاستباقية، وظاهرة إسرائيل المارقة لكل القوانين الإنسانية وما تفعله في فلسطين من انتهاكات، كلها تؤكد غلبة المصالح والميول الأنانية على القيم المثالية؟ أن التزام هذه الدول بمعاهدات الحرب كعدم استهداف المدنين ومعاهدة جنيف للأسرى ومراعاة حقوق الإنسان هو مرهون بمصالح هذه الدول وضروراتها! والجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين في أفغانستان والعراق بحجج كخطأ في الهدف أو المعلومات أو استخدام العدو المدنيين كدروع بشرية، وما فعلته أمريكا بعد أحداث (11 سبتمبر) من اعتقالات وخطف وتعذيب للمشتبهين من دول أخرى وسجنهم من دون توجيه تهمة لهم، كلها تؤكد ذلك! والسؤال الذي يحيلنا إلى السياسة سيحيلنا إلى طبيعة الإنسان رغم الجدل الفلسفي حول طبيعة الإنسان ما بين منكر ومؤيد لوجودها وما بين مختلف في خصائصها، وأنا سأفترض جدلا وجودها لأخوض في خصائصها وهذا يجعلني أتجاوز حتى الحاضنة الاجتماعية وما تمثله من بوتقة في تحديد وتغيير هذه الطبيعة دون محوها قطعا. كان الاعتقاد القديم بأولوية العقل في تحريك وتقرير أفعال الإنسان وهذا ما قامت عليه الحداثة وفلسفة التنوير، لكن مع مجيء القرن العشرين حتى ظهرت الفلسفات والنظريات التي تؤكد عكس ذلك حيث بينت أن الإنسان هو ضحية قوى قاهرة وحتميات اجتماعية ونفسية وسببية أقوى منه هي التي تتحكم به وليس له أرادة عليها كما أوضحت الماركسية والتحليل النفسي والدوركاهيمية والسلوكية الخ. وقد بينت وسائل الإعلام والاتصال والتكنولوجيا الحديثة كم يمكن صناعة الرأي العام والتحكم به من قبل المؤسسات والطبقات الحاكمة لهذا نرى انتشار اتجاهات وأفكار لاعقلانية (كفوز الأحزاب المحافظة في أوربا، والتعاطف الشعبي مع الأصوليات المحمدية المسلحة) من خلال التلاعب برغبات الإنسان وغرائزه وعواطفه وعاداته وتقاليده الاجتماعية، لأن الإنسان مازالت تتحكم به غرائزه وميوله وأنانيته ومصالحه وعاداته الاجتماعية والحضارية أكثر من تحكم عقله به؟ بل يتم توظف العقل وظيفة تبريرية في كثير من الأحيان! مازال الانتخاب الحضاري هو امتداد للانتخاب الطبيعي هو الذي يحدد بقاء الحضارات الأصلح ويبيد الحضارات الأخرى، (من خلال طبيعة الإنسان الغريزية والأنانية) فتنقرض ثقافاتها وتصبح تابعة للحضارة الأصلح مستعبدة لها اقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا كنوع من الاستعمار الجديد، كما تفعل أمريكا اليوم، ونظرية صراع الحضارات والملموسة واقعا خير دليل على ذلك.
هذا الصراع الأزلي بين الإنسان وغرائزه أو بين جانبه الإنساني والحيواني المكمل احدهما للآخر، هل سينتهي لصالح احدهما؟ والى أي درجة يتأثر ويتغير جانبه الحيواني بالجانب الإنساني والثقافي والعكس كذلك؟ أن وصول حضارتنا إلى مستواها الحالي ُيبين إلى أي مدى روض الجانب الحيواني بالجانب الإنساني كذلك أن بقاء الانتخاب الحضاري ُيبين إلى أي مدى بقاء طبيعة الإنسان وقوة غرائزه في مواجهة مثله وتفكيره؟ وإذا كان الإنسان استطاع أن التغلب نسبيا على الانتخاب الطبيعي من خلال تطور العلوم التي وظفها في صالح بقائه وتطوره، فهل يستطيع التغلب على الانتخاب الحضاري في صالح إنسانيته ومثله العالمية؟ أن الإنسان بسبب نرجسيته يرفض هذه الاتهامات ويعلقها على شماعات خارجية كالشيطان والأعداء أما هو فخير بطبيعته، وسيد المخلوقات، المقرب من الله! وتحت هذه الأوهام خرق الإنسان هذه الصورة الأسطورية مئات المرات وصدم معتنقيها الآلف المرات في الحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية وحتى في الحياة اليومية. مع ذلك فكل شخص مجرب وذو خبرة في الحياة العملية يدرك بوضوح قابلية كثير من الناس على الشر والعدوان والغش والتلاعب والمراوغة والخداع والكذب الخ من أجل مصالحها ورغباتها وأنانيتها!، برغم وجود القوانين الرادعة التي وجدت لأجل هذه الحقيقة المرفوضة والتي لولاها ما وجدت أصلا! ونحن نعرف إذا زال القانون في بلد ما كيف نرى العجائب من الناس الطيبون المسالمون، يسلبون وينهبون ويغتصبون ويقتلون بوحشية وأحداث العراق وأفغانستان وتونس ومصر (في الأسابيع الأولى من انهيار النظام) وإعصار (كاترينا) في أمريكا، برهنت ذلك، ولا يوجد أي مجتمع يخلو من هذه القاعدة، لهذا فالثقة التامة بين الناس قليلة ودائما يشوبها الحذر والخوف والشك. أن تقدم حضارتنا لا يعني زوال حيوانيتنا، فهي تروض أو تسبت لكنها تبقى في استعداد لظهورها من جديد متى ما توفرت الفرصة لها. وربما أن المسالة ليست تغلب جانب على جانب بل توازنها بحيث لا يضر بالإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو