الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات الانعطاف التاريخي الراهن ومحنة الاستبداد

ماجد الشيخ

2011 / 6 / 27
المجتمع المدني


تصرّ أنظمة استبداد سلطوية على التعامي عن الوقائع برفضها أو بإنكارها، لتصر على "أحقيتها" و"شرعيتها" للاستمرار بالسلطة، في وقت كشفت حركات الشارع الاحتجاجية رفضا شاملا ومطلقا لهذا "الحق" و/أو لتلك "الشرعية"، بغض النظر عن حجم وأعداد المشاركين في تلك الاحتجاجات التي نجحت في أن تتكوّن كثورات شعبية، ثورات تزداد رقعة انتشارها يوميا على وقع شراسة القمع وغزارة الدم النازف في الشوارع، جرّاء استشراس بنية السلطة الاستبدادية في الدفاع عن مصالح أصحابها الأكثر مصلحية، وعن موضوع تسلطها واستبداديتها، في وجه اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، ورصها المزيد من التكافل التضامني الشعبي مع أهداف ومطالب الثورة.

لهذا لا تستطيع الثورة أن تنجح في إرساء تحولاتها التغييرية، من دون أن تنشئ بنية ثقافية إجتماعية حاضنة، تقطع مع بيئة تلك البنية الثقافية – السياسية والإجتماعية التي تنتعش في ظلالها قوى الثورة المضادة التي لا تستسلم بسهولة لموضوعة تغيير النظام، على أن بيئة مولدة للاستبداد وللفساد في محيط وإطارات السلطة، لن تستطيع أن تنتقل نقلتها النوعية التاريخية الكبرى، باتجاه القطع أو نقض موضوعة السلطة المستبدة، للانتقال نحو عهد تغييري جديد، ينحو نحو تسييد الشعب مصدرا أول للسلطة ومرجعيتها.

وفي مواجهة أنظمة سلطوية لا سياسية، ينبغي أن ترتفع أصوات كل الذين هبوا أو يهبون للدفاع عن الحقوق الإنسانية، للشعوب المقهورة تحت حكم أنظمة طغيانية، استمرأت انسياقها خلف منطق استملاكي لأوطانها وشعوبها، ما أتاح لها التصرف بما "ملكت" على هواها، ووفق سلوك إجرامي، عماده استباحة المدن والبلدات والقرى والناس فيها دونما رادع.

إن منطق إما أن نحكمكم فتخضعون لنا عبيدا أذلاء، أو نقتلكم حين تتمردون وتثورون على شروط استعبادكم وصمتكم الطويل، هو منطق وبنية أنظمة الطغيان الاستبدادي الراهن في العديد من بلدان الجمهوريات التوارثية والتوريثية وتلك الثيوقراطية الدينية، حيث ممالك الإبداع الفاشي في القتل أو في الحض عليه، كممارسة وحيدة أو أحادية، أفضت وقد تفضي إليها اليوم حال سلطات القتل الإجرامي وأدواتها الأمنية والعسكرية، الباقية على "عهدها" مع أرباب عملها. ومن راقب الجريمة وتسلسل الأعمال الجرمية التي تمارسها الأنظمة التسلطية، وأحس أنها الحقيقة الوحيدة التي ينطق بها زبانيتها ممن يتخلقون بأخلاق الفاشية، لم يجد أمامه إلا النجاة عبر الانشقاق، أو "الخلاص" الإرغامي عبر القتل، للعودة إلى صفوف أبناء الشعب النجباء الذين قالوا ويقولون بدمائهم لا وكفى للاستبداد، نريد الحرية واستعادة كرامتنا كمطلب مقدس.

لقد تحولت السلطة في بلادنا إلى "مقدس" يجري الاستمساك به والدفاع عنه، وكأنه وليد أو قرين الشخص أو النخبة الطغموية المافيوية الحاكمة، أو قدرها الذي لا يُرد، مهما كانت وتكون مسلكياتها وممارساتها التدميرية للمجتمع والوطن والدولة، فليست صحيحة تلك المعادلة القائلة بضرورة الحفاظ على الاستقرار، استقرار مصالحها ومنافعها ومصالح ومنافع وامتيازات مشايعيها من زبائنيي القرابات العائلية والطبقية، والتسلط البطريركي، ذاك القائل اليوم بأنه بديل الفوضى والحرب الأهلية، كونه حامل الاستقرار الأوحد، ولو على حساب المستقبل الحداثي للوطن، والمستقبل التنويري الواعد لمجتمع يخرج على تقليديته تمردا ورفضا للسائد السلطوي سياسيا ومجتمعيا ودينيا، ولم يعد يحتمل وجود آليات تسلطية مقترنة بوجود بنى ووجوه سلطوية فاسدة ومفسدة؛ أرتكبت من الخطايا ما لم يعد ممكنا أن تستمر سنن سلطويتها، وكأنها هفوات يمكن التسامح معها.

وإذا كانت السلطة كونها أيديولوجية بنية ثقافية محددة في واقع بلادنا، قد تأسّست وأسّست طغيانها على حساب كل قيم الحرية والعدل والقانون والعقود الاجتماعية والسياسية التي نشأت في الدولة الحديثة، فإن وعي التغيير والتحولات التاريخية الراهنة التي تشهدها ساحات وميادين المدن والعواصم، وهي تنشدّ إلى وحداتها المعمّدة بالدم وبالتضحيات، فهي تنشدّ إلى ما يناقض طبيعة وأصول السلطة ومرجعياتها التي أسفرت عنها في الماضي؛ فالتعددية والديمقراطية هي المآل الذي تسعى وتنشدّ إليه؛ كونه الوعاء الجامع للوطنية، التي يجري تأسيسها، على الضد من كل معوقات طغيان السلطة على اختلاف معاييرها الاستبدادية الدينية والسياسية والمجتمعية.

لهذا كانت وتكون خيارات التنمية المتجانسة والشاملة، قرينة الخيارات الديمقراطية لدى مجتمعات أكثر احتياجا للتحديث والتطوير الذاتي لقواها، بعيدا عن مسألة المساعدات الخارجية، التي أثبتت خبرة مجتمعاتنا وسلطات "الدول" القائمة في بلادنا، أن الخارج حين يصير جزءا "أصيلا" من سياسة الداخل، لا تؤدي مساعداته حينها سوى دور إعادة سبك وصياغة شروط تبعية سياسية واقتصادية وفكرية وثقافية، وإن تجانست مع المحيط الإقليمي والدولي للدول، إلا أنها تنحط بالدواخل الوطنية إلى مستويات دنيا من امتلاكها لسياداتها الوطنية، ناهيك عن جرها إلى مواقع فقر وإفقار متزايدة لشعوبها، في الوقت الذي كانت مفاعيلها تلعب دورا رئيسا في تصلب أنظمة استبداد طغيانية، ارتقت بعملية الفساد والإفساد، كما لم ترتق في أي عملية تحديث لمجتمعاتها، بل على حساب وعلى الضد منها.

هو المنعطف التاريخي الذي تستحق فيه العديد من التحولات التغييرية، وهو يرسم أفقا آخر للمستقبل؛ مستقبل تتحصّن في قلاعه وداخل حصونه قوى الحداثة والمعاصرة، الساعية إلى إقرار مسار ديمقراطي، وقيام مسيرة دسترة قانونية تتخلق وتخلق مؤسساتها، وفق حاجة وضرورة مجتمعات ودول، لم تعتد مسارات قانونية للوصول إلى أبنية دولتية، على حساب تلك الأنماط السائدة لعلاقات أهلية ما قبل مدنية. من هنا أهمية المنعطف التاريخي كمدخل إلى تلك المسارات التي طال انتظارها.

بالطبع وفي سياق هذه العملية، لا ينبغي ولا يجب أن نرهن ذواتنا لاستبداد من نمط آخر، كبديل لاستبداد سلطوي يمارس طقوسه الخاصة على محكوميه، بينما الاستبداد الثيوقراطي الذي يأخذ شكلا مجتمعيا، ينتظر انقلابه على السلطة ليصيّرها تابعة له، وهو يمارس طقوسا أقسى على تابعيه وأشياعه ممن "يحلمون" بسلطة فعلية، ينقادون إليها دون سؤال أو تساؤل عن معنى الخضوع ومحنة الحرية أو الكرامة؛ فالاستبداد الذي يؤمنون به هو من نمط آخر؛ غير سياسي، غير إجتماعي، غير ثقافي، هو مزيج من كل هذا، إنه أيديولوجي ثيوقراطي بامتياز، لا تدانيه سوى تلك التي سادت يوما في عصور الظلام والاستبداد الديني في القرون الوسطى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بقبول مقترح -خارطة الطري


.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان




.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو


.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا