الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية والوهابية واسرائيل

محمد البدري

2011 / 7 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتب الدكتور أحمد صبحي منصور مشكورا مقالا علي موقع الحوار المتمدن بشأن السلفية بعنوان "حقائق أساسية فى فهم السّلفية"، فجعلها هي الوهابية وفقط. وهو تعريف به كثير من المصداقية لكنه تغاضي عن ان السلفية تلوث اطرافا اخري كثيرة ممن يؤمنون بالاسلام دينا. ويصعب توثيق ان السلفية هي الوهابية وفقط لان الصفة الي وصفت بها السلفية جاءت تاريخيا وتالية لها باكثر من الف عام. فصفة الشئ جزء منه اي انها تولد معه ولا تفارقه. لهذا فان نقول ان الوهابية هي السلفية نكون اقرب للحقيقة، ولمزيد من الفهم للسلفية علينا بفحصها هي في ذاتها منذ نشأتها والا نحيلها الي نواتج تاريخية مفلسة شانها شأن السلف نفسه.

اتفاقي مع د. منصور يكمن في ان السلوك الوهابي منطبق تماما مع السلف الاسلامي الذي نشأ مبكرا في فجر وضحي وظهر وغروب الاسلام ايضا. لكن المسلمين جميعا يحملون قدرا من السلوك السلفي في شأن الممارسة الاسلامية بل ان العقل الانساني يفقد جزءا هاما من قدراته الفكرية والتحليلية بمجرد ان يتبني الاسلام او يربي عليه منذ الصغر. فلنبحث إذن السلفية في جزورها الاصلية مضيفة الي مرضانا مرضي اخرون ينطلقون بين الناس ويعتقدون انهم اما وسطيين او مصلحيين او مسلمون عقلاء.

مدخلان أساسيان في فهم العقل الانساني الاسلامي: اولهما ان العقل الاسلامي شأنه شأن العقل اليهودي يتطابق معه في اسطرة (الفعل من اسم اسطورة) كل شئ قبل ان يشرع في عرض افكاره. والثاني ان يتم الغاء اي اضافة تقلص من حجم الخرافة داخل العقل، حسب ما نري حاليا من تحقير للمنجزات الغربية وان البديل القرآني افضل او الطب النبوي ... الخ اقوال رجال الدين. العقل التوراتي والعقل القرآني كلاهما يبدأ مما لا برهان عليه (راجع قصص الخلق) بعكس العقل العلمي المعرفي الذي يبدا دائما من مسلمات بديهية لا يختلف عليها احد ويمكن البرهنة عليها من حقائق ووقائع الاشياء. ولن نثبت التناقض بين العقلين وبين العقل العلمي الحديث فقد تاسس الاخير بدءا من تجربة جاليلو عند سقوط الاجسام المختلفة الاوزان في اوقات متساوية من نفس الارتفاع، وهو امر لا يستسيغه العقل مجردا. اما العقل الاسلام /يهودي فهو ينطلق من مفردات سادت في العقل الجمعي وتتميز بالخرافة والمستحيل. ولم يحاول الاسلام ان يفك طلاسم الفكر الاسطوري عند العرب فقد كان النبي مهموما بان يصطف في طابور الانبياء وان يؤكد اتصاله بالمصادر التوراتية متجنبا العقل المنطقي وحقائق الواقع فجاءت نصوص الاسلام تاكيد لما رسخ يهوديا عند اهل مكة والمدينة، بهذا تاسست المنطلقات الاسلامية التي يمكن وصفها بالقواعد والاسس للفكر السلفي.

فإذا كان الاسلام دين العقل حسب ما يدعي كل رجال الدين الاسلامي فما هو تعريف العقل عندهم حتي يمكن ان ننصت ولو لمرة واحده اليهم فيما يقولوه؟ جاءت اليهودية قبل الاسلام باكثر من الفي عام وتلك احد مثالب الاسلام عند اكتشافنا انه قد اعتمد اقوال التوراه قولا بقول وحادثة بحادثة ولم يعير التراكم الحضاري والمعرفي الفكري والفلسفي السائد في المنطقة فيما بين ظهور الديانتين. وكان مهموما باقناع الناس بالنبوة فجعل نصوص الاسلام تتفق مع ما يخالف العقل والمنطق ويتجانس مع التوراة و الانجيل.

السلفية تكذب، لهذا فالوهابية تمارس الكذب ايضا بكل بجاحة. السلفية تاسطر الامور، فمن خصائص الاسطورة هو مناقضة النتائج للمقدمات او جعل مقدمات غير صحيحة اساس الانطلاق لتخرج الي نتائج غير اخلاقية وغير معرفية تبريرا للواقع. هكذا يتم افساد الوقاع بدلا من تحليله وفهمه واصلاحه. فمثلا يبدا اعتراف السلفية بالديانات السابقة لكنهم ينكرون الكتب التي هي اصل القرآن. ففي ذات اللحظة التي يمجدون فيها اليهود لتاكيد نبوة محمد يسبون اليهود ويتوعدونهم بعظائم الامور، بل جعلوا الله يصطف الي جانبهم ليمحق اليهود ايضا رغم قولهم في لحظات اخري ان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فاسطورة العدو الدائم حتي ولو تم القضاء عليه وترحيله خارج جزيرة العرب هي احدي اهم الاسس التي تقوم عليها الاساطير.

الاسطورة في الفكر البدائي هي وليدة تصوره اعقلي البائس فتفتقد المنطق ليس لانها خالية من المنطق انما لان العقل المنجز لها هو الفاقد للقدرة علي التفكير المنطقي أو امتلاك القدرة الذهنية السليمة بهذا امتدت عيوبه لتملأ جنبات الاساطير القديمة كلها. فعندما تصبح الاسطورة هي الكتاب الشارح والمهيمن لحقائق الوجود المادي فان البشر انبياء وصعاليك سيسعون لتفسير الوجود علي اساس ما تاسطرت عليه جنبات عقله. فالاسطورة والعقل المنتج لها في علاقة جدلية يتبادلان المحتوي كل منهما يؤكد ذاته علي حساب الاخر، بهذا يتم الخصم دائما من العقل وينحصر ضيقا باكثر مما هو ضيق. لهذا نجد قصص الخضر والسير علي الماء والموئد الهابطة من السماء والنجاة من النار او من الغرق كلها تتم طبقا لاقوال الاساطير السابقة علي اليهودية لتأكيد صحة الاسلام، ولتأكيد وجود الله الراعي لها كاحداث اعجازية رغم ان العقل الاسطوري والبدائي الاسبق علي الديانات العبرانية الثلاثة كان اكثر ثراءا ووفره في انتاج الخرافات عما حصره الانبياء ونسبوه اللي الله.

مذهب السلفية إذن هو مذهب اسطوري في بناؤه، وهو مذهب اسلامي عام يشترك فيه كل المسلمين. مشكلتهم في الحاضر انهم يستدعون قاع التاريخ الملئ بالخرافة لاعاده كتابة ما اصبح معرفا بالعلم وبالعقلانية المتنامية داخل العقل اي لجعل ما هو اقرب للعلم فاسدا واقرب الي رواسب الماضي الجهول. بكلمات أخري انهم يبددون التراكم مجانا ولا يقدمون بديلا حقيقيا للتقدم، ولهذا السبب علي وجه الخصوص اصبحت منطقتنا واي منطقة اخري ساد فيها فكر السلف (وقبل ان تظهر الوهابية) من مناطق الجهل والتخلف بل والبربرية والبدائية.

من نتاج هذا التحليل نكتشف ان الاسطورة هي فلسفة العرب الاولي بل والاخيرة ايضا لهذا نجد كيف ان العنف يصبح الاداة الاولي في يد السلفية الوهابية عندما تضع افكارها موضع الدعوة خاصة عندما تكون هناك مجتمعات لها مكتسبات عقلية ترقي فوق مستوي الخرافة والاساطير. فعندما تصطدم الخرافة بالمنطق فلا سبيل لاصحاب الخرافة الا العنف وهو امر كشفته علوم النفس. فلو عدنا الي احداث مكة في بداية الدعوة فان العنف بالفتح والسلاح واعادة الغزو كان حلا لمن رفض الاسطورة التوحيدية كحالة ابي سفيان كمثال وليس حصرا. لكن تداعيات العنف كانت افدح ونتائجها كانت كارثية فان يتحول ابو سفيان وابناؤه الاكثر عقلانية نسبيا الي الاسلام لم يكن له من معني سوي نهاية لاي فكر عقلاني تواجد لديهم في جنبات أم القري ثم استخدم ابناؤه العنف فيما بعد للحفاظ علي المكاسب التي تم تحصيلها بتعظيم الاسطورة وجعلها فوق العقل. فالانتهازية وتمكين ادوات العنف البدوي لنشر الدين اصبحت قيمة مضافة عند هؤلاء بعد ان كانت احدي ادوات البدوالقيمية التراثية.

تعرض د. صبحي منصور الي دور الازهر، فالازهر الذي هو المؤسسة الام والجهة التي تاسس فيها د. منصور لم تكن سوي امتداد سلبي كارشيف للدين الجديد الوافد علي مصر. فالازهر كمؤسسة هو تقليد وامتداد للعرف المصري المؤساساتي الذي عرفته مصر منذ زمن الفراعنة في اون وطيبة ومنف وابيدوس حيث تصبح للدين مؤسسة كمؤسسة الري والزراعة والمواني ... الخ حاجة الدولة المصرية لضبط احوالها. ظل الازهر يردد ويحفظ ويدوون القرآن والاحاديث، ولان الاسلام لا يتفق ونمط الانتاج الزراعي ومن اولي الرأسمالي الصناعي والحداثي وما بعد الحداثي فلم يضف شيئا ذو قيمة الي تراث المنطقة اللهم الا الحفاظ والتكرار علي اصوله رغم ان البشر في حياتهم اليومية كانوا يمارسون حياتهم بناء علي فقههم المأخوذ من تراثهم المصري الاقدم من الاسلام والضارب بعمق في جذورهم التاريخية في علاقتهم بالاولياء والصالحين. ولانه تراث اكثر سماحة فان نشر الوهابية كان مستحيلا علي آل سعود، فمصر تحملت افعال اللصوص العرب امثال عمرو ابن العاص الصحابي ومن جاء بعده كلصوص ونهابين للثروة الا ان الامور ظلت تتسم بالعنف في اروقة السلطة وظل الحاكم في قلعته او فسطاطه والناس في حقولهم وورشهم واعمالهم لا يقدرون دفع الظلم باسم الدين من اعمال النهب والسلب التي وصلت الي الحد الادني بعد ان اخذ ابن طولون زمام الحكم لكنها عادت في زمن الايوبي وفي دورات انتهت بمحمد علي مؤسس الدولة الحديثة. ولانها دولة حديثة فهي لا بد ان تتناقض بشكل رئيسي وجذري مع مفاهيم الاسطورة والعنف السرقة واللصوصية اي السلفية في صورتها الاخيرة الوهابية.

أما لماذا تنتشر الوهابية حاليا وتجد لها مسارات داخل العقل المصري فذلك مرده الي توجه مصر العربي الذي اسسه مخرب مصر جمال عبد الناصر وكل حكام نظام يوليو الاكثر جهلا كافضل اختيار لوكالة المخابرات الامريكية. وجاء النفط يصاحبه التعليم الردئ والاعلام المضلل والكذب بعروبة مصر ... الخ الاساطير التي جعلت الطبقات الانتهازية ومعها الطبقات الدنيا والرثة وفضلات الريف من قبول الوهابية التي تؤسس الفكر علي الاسطورة مثلما يفعل الجاهل والكذاب والانتهازي تماما. فعداء الازهر للوهابية له اصوله في التركيبة المصرية، لهذا فعندما اهتز الكيان المصري وتشرخت بعضا من جدرانه بفعل نظام يوليو تسربت الوهابية كمياه الصرف الصحي بين تشققات المجتع بل والازهر نفسه.
وتبقي قضية علاقة اسرائيل بالفكر الوهابي ومن الناحية السياسية بآل سعود واضحة وليست لغزا, فاسرائيل تشجع الفكر الوهابي بلا حدود فهو ليس خطرا عليها رغم الجعجعة والصوت العالي بالجهاد وسب اليهود و اسرائيل الي آخر كل تلك الاكاذيب السعودية. فمن المنتصر يا تري لو واجهت الاسطورة العلم والتكنولوجيا؟ وهل حماس خطرا وهل كان عبد الناصر خطرا علي اسرائيل وكذلك صدام او نظام البعث السوري واخيرا الفأر القابع في باب العزيزية ينتظر مصيره اما بطائرة اباتشي او الضبط والاحضار الي المحكمة الدولية في لاهاي. في العلن هناك عداء مفتعل لانه قائم علي الاساطير وفي السر هناك اتفاق وتضامن علي دعم الفساد والجهل والغباء ونشر الفقر ودعم المخربين واللصوص. الم تؤيد اسرائيل وآل سعود معا محمد حسني مبارك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ محمد البدرى اتفق معك
محمد حسين يونس ( 2011 / 7 / 3 - 03:51 )
شرح دقيق و خصوصا فيما يتصل بتواصل الفكر الاسطورى منذ زمن الجهالة فيما قبل التاريخ حتي زمن الجهاتة فيما بعد البترول .. الازهر مواقفة دائما غير ثورية و غير وطنية و هو الطارد لطه حسين و خالد محمد خالد و مكفر لكل المفكرين التقدميين و محرض علي اغتيالهم او نفيهم خصوصا بعد سيطرة دولارات السلفية علي عقول شرهة للحياة الساداتية و انفتاحه الاقتصادى المدمر للقيم و الاخلاق .. بقي اسرائيل و السلفية بالطبع هناك علاقة حميمة تلتقي في حماس غزة و اخرى اكثر حميمية تتمثل في الدعم الفني و اللوجيستي لسكان تورا بورا في زمن مقاومة السوفيت .. اكرر شكرى علي الوضوح الفكرى للتسلسل الاسطورى و تاثيرة علي العقل الجمعي بالمنطقة


2 - جبت من الاخر
سليمان الفقى ( 2011 / 7 / 3 - 06:47 )
اشكرك محمد انت قلت اللى يفند فى كتب وليس مقالة
أما لماذا تنتشر الوهابية حاليا وتجد لها مسارات داخل العقل المصري فذلك مرده الي توجه مصر العربي الذي اسسه مخرب مصر جمال عبد الناصر وكل حكام نظام يوليو الاكثر جهلا كافضل اختيار لوكالة المخابرات الامريكية. وجاء النفط يصاحبه التعليم الردئ والاعلام المضلل والكذب بعروبة مصر ... الخ الاساطير التي جعلت الطبقات الانتهازية ومعها الطبقات الدنيا والرثة وفضلات الريف من قبول الوهابية التي تؤسس الفكر علي الاسطورة مثلما يفعل الجاهل والكذاب والانتهازي تماما. فعداء الازهر للوهابية له اصوله في التركيبة المصرية، لهذا فعندما اهتز الكيان المصري وتشرخت بعضا من جدرانه بفعل نظام يوليو تسربت الوهابية كمياه الصرف الصحي بين تشققات المجتع بل والازهر نفسه.


3 - الأستاذ المحترم محمد البدري
محمد ماجد ديُوب ( 2011 / 7 / 3 - 06:57 )
تحليلك رائع وأنا أتفق معك تماماًولكن ماهو دور اليهود في نشأة الإسلام وعلى هذا النحو وأيضاً لماذا اختار الغرب اليهود ليكونوا بين العربين عرب آسيا وعرب إفريقيا ؟؟؟؟ حتى قبل أن يفكر اليهود بسنوات وعندما فكروا في أن يكون لهم وطن أرادوا أوغندا أو الأرجنتين .ثم ما هو دور الغرب في نشأة الأصوليات التكفيرية المتشددة جداً و تسليم عائلات الحكم في منطقة الخليج .ولك كبير احترامي


4 - تعليق ورد
عدلي جندي ( 2011 / 7 / 3 - 13:05 )
لكن المسلمين جميعا يحملون قدرا من السلوك السلفي في شأن الممارسة الاسلامية بل ان العقل الانساني يفقد جزءا هاما من قدراته الفكرية والتحليلية بمجرد ان يتبني الاسلام او يربي عليه منذ الصغر أقتبس هذا المقطع للرد علي موضوع الإسلام المعتدل.ر


5 - حقا أنت صاحب فكر متفتح
فاروق عطية ( 2011 / 7 / 5 - 22:02 )
عزيزى الأخ محمد البدرى. مقال رائع يدل على فكر راق ومتفتح استطاع التخلص من قيود الفكر السلفى المتعفن الذى يربى عليه المسلم للأسف فى بلادنا. أما بخصوص تطابق معطيات القرآن مع ما جاء بالتوراة فهذا حقيقى وسببه أن محمد نبى الإسلام كان قد تتلمذ على يدى الكثير من يهود ومسيحى قريش وعلى رأسهم ورقة بن نوفل الذى كان يمليه ما يقول أن الوحى قد أنزله عليه بواسطة جبريل. ويعتبر ورقه بن نوفل بن عبد العزيز بن قصى قريبا للنبى محمد من ناحية قصى بن كلاب الجد الرابع له. وعندما توفى ورقة بن نوفل أقام النبى الحداد عليه لمدة طويلةوبعدها انقطع الوحى. عزيزى محمد البدرى أرجو التواصل معا وشكرا

اخر الافلام

.. مسلمون يؤدون -رمي الجمرات- أثناء الحج


.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و




.. 61-An-Nisa


.. 62-An-Nisa




.. 63-An-Nisa