الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماتت عمتي ناجية

علاء مهدي
(Ala Mahdi)

2011 / 7 / 3
المجتمع المدني


كان لي عمتان الأولى أخت أبي ، كانت تسكن في دار جدي في نهاية زقاق في محلة المهدية في الحلة . عمتي توفيت في منتصف سبعينيات القرن المنصرم. أذكر أنني ألتقيتها لمرات معدودة آخرها يوم توارت الثرى في وادي النجف. أما عمتي الثانية فكانت مندائية – صابئية، أسمها ناجية غافل المراني.
لاتستغربوا العلاقة ، فبين عائلتي والصابئة علاقة أحترام وتقدير تعود إلى يوم أصدر ملك العراق إرادته بتعيين – والدي - حسون مهدي - خريج مدرسة الحقوق ببغداد – قبل أن تصبح كلية الحقوق - مديراً لناحية الجحلة – الكحلاء- في العمارة ليكون أول مدير ناحية عراقي يتولى إدارتها بعد رحيل حاكمها البريطاني في حينه. وكما هو معروف فإن الجحلة هي مدينة غالبية سكانها من الطائفة المندائية.
تعرفنا على عائلة المراني في منطقتنا الجديدة في بغداد حيث كانوا يسكنون الدار المقابلة لنا. أكثر من عشرين عاماً من التواصل الإنساني بين العائلتين وفق مبادئ تسودها الأخلاق الإجتماعية العراقية المتميزة في حينه حيث كنا نتشارك الأفراح والأحزان والأعياد بمستوى يفتقده عراق اليوم.
والعمة ناجية امرأة تفرض شخصيتها على المقابل بسهولة كونها مربية خدمت في سلك التدريس لسنوات طويلة أنتهت بإحالتها على التقاعد في العام 1963. ولها مساهمات ثقافية وأدبية وشعرية كثيرة تمثلت بإصادرها مجموعة كتب ودراسات وبحوث ومقالات أغنت بها الصحافة العربية والعراقية لفترة ليست بالقصيرة.
لم يكن أولاد وبنات أخيها المرحوم – أبو الوليد - هم الوحيدين الذين ينادونها بـ - عمة ناجية – إنما كان أغلب الجيران والأصدقاء والمحبيين ينادونها بنفس اللقب أحتراماً لشخصيتها وحسن خلقها وسلاسلة تعاملها مع الآخرين. حتى بات الجميع ينادونها بـ - العمة ناجية – دون النظر إلى مدى الإختلاف بالأعمار بينهم وبينها أو الإختلاف الديني.
أذكر انها قالت لزوجتي – وهي عراقية أرمنية – يوم علمت بأننا سنغادر العراق على أثر الممارسات العنصرية لنظام البعث الفاشيستي : لا تيأسوا فامامكم مستقبل زاهر مادمتما في مقتبل العمر ولكما الرغبة في بناء مستقبل ناجح لكم ولأطفالكم، أذهبوا بعيداً حيث الحرية والعدالة والمساواة وابدأوا من جديد فالمستقبل قد فتح لكم أبوابه . كلمات فيها رصانة وثقة وعدالة قالتها دون أن تتخطى الحدود الحمراء في حينه. وكان لنا بالفعل مستقبل زاهر وناجح وإن كان بعيداً عن الوطن.
اليوم ، سمعت أن – عمتي ناجية – قد رحلت على أرض الشام بعد أن – ولنقل – تركت العراق ولم – تجبر – على تركه لأسباب تتعلق بالممارسات العنصرية والطائفية السلفية المقيتة التي حلت بوطننا ضيفاً ثقيلاً رغما عنا. رحلت عمتي ناجية بعيداً عن الوطن ليستقر جسدها الطاهر بأرض الشام ، الأرض التي تشرفت بالعديد من أعلام العراق مثل الجواهري الكبير والشاعر عبد الوهاب البياتي وغيرهم الكثير.
سألتقي أولادي وأحفادي في عطلة نهاية الأسبوع القادمة وسأحدثهم عن – عمتي ناجية – التي ماتت بعيداً عن وطنها ، سأحدثهم عن المحاصصة الطائفية التي بسطت ظلالها على وطني بعد أن عانينا من نظام عنصري وديكتاتوري على مدى أربعة عقود. ساحدثهم عن وطن لم يتسع لشعبه ومناضليه ومواطنيه ، وعن وطن لم تتسع أرضه ليحتوي على قبر عمتي – المندائية – ناجية المراني.
أرجو ممتناً أن تتقبل عائلة المراني في العراق والمهجر وأحبتنا في الطائفة المندائية أخلص تعازينا القلبية بهذا المصاب الجلل.

مؤلفاتها:
بين العربية والإنكليزية كلمات متناظرة 1978
الحب بين تراثين 1980
آثار عربية في حكايات كانتربري 1981
هنا بدأ التأريخ 1980
مفاهيم صابئية مندائية 1982
كلمات عربية إنكليزية دخيلة 1990
مسودة ديوان شعر بعنوان (أغاني الخريف)
ونشرت الكثير من البحوث والدراسات والأشعار في العديد من الصحف والمجلات مثل (المورد)و(التراث الشعبي)و(الثقافة الأجنبية)و(الآداب اللبنانية)و(العربي الكويتية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المهاجرين في تونس.. بين مخاوف التوطين واحترام حقوق الإن


.. استمرار الاحتجاجات في جامعات أميركية عدة رغم اعتقال المئات م




.. آلاف النازحين يناشدون العالم للتدخل قبل اجتياح إسرائيل مدينة


.. رفح الفلسطينية.. جيش الاحتلال يدعو النازحين إلى إخلائها مرة




.. تعرف على صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية وآليات إصدار مذكرا