الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (1)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2011 / 7 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الحدس الكامن في وحدة الجهاد والاجتهاد، الذي تبلور في مجرى صيرورة الحضارة الإسلامية وعلومها، لم يكن نتاجا لبيان اللغة وبلاغتها. إذ لكلمات الجهاد والاجتهاد جذورها التاريخية والمعنوية العريقة في لغة العرب. وهي جذور لها جذوتها في العقل والضمير، أي لكل ما كان يتراكم في الوعي التاريخي وفكرة البدائل.
فالأمم لا تنتج إلا ما يقع ضمن استطاعتها. وهي المكونات الواقعية المتجمعة في مجرى تجاربها الخاصة. وبالتالي فهي المكونات الوحيدة القادرة على رفع معاناة البحث عن الحق والحقيقة الى مصاف المرجعيات العلمية والعملية للأفراد والجماعات والأمة في مساعيهم من اجل الأفضل والأصلح.
فالتجارب الواقعية للأمم هي معاناة البحث عن البدائل. ومن ثم هي النقيض الدائم للتقليد. إذ لا شيء أكثر عبثا وتخريبا لذاكرة الأمم من التقليد أيا كان نوعه وحجمه ومحتواه. من هنا قيمة الإصلاح بوصفه اجتهادا، وتحقيقه بوصفه جهادا. إذ لا معنى حقيقيا بالنسبة لوحدة الجهاد والاجتهاد غير الإصلاح، فهو ميدان تحقيقهما، وأسلوب تهذيبهما الدائم. وهو الأمر الذي جعل الاجتهاد المتخطي لقيم التقليد ومفاهيمه جهادا فعليا، تماما بالقدر الذي جعل من الجهاد من اجل الإصلاح الفعلي (المنظومي) اجتهادا أصيلا وحرا. بعبارة أخرى، إن وحدة الجهاد والاجتهاد في الإصلاح هي فكرة الإرادة المحكومة بقيم عليا.
للإصلاحية جذرها المعنوي العميق في أحد اكبر كوامن العربية أخلاقا وسموا. فإذا كان الوعي العادي نادرا ما يسترق السمع لما في الآذان من تحية للصلاح والدعوة إليه، فإن الوعي الثقافي يجهل في حالات عديدة معاناة الصلاح والاصلح المميزة لصراعات علم الكلام اللاحقة في مدارسه المختلفة. وهو أمر يشير في بعض جوانبه إلى عدم تعلمه بعد إصلاح النفس بالاعتماد عليها أولا وقبل كل شئ. أما نقد الذات المتحزب وبالأخص بمعايير السياسة المبتذلة، فإنه لا يفلح حتى في تجاوز أوهامه المصطنعة لما هو مألوف ومسموح به. بمعنى انه لن يفلح في صنع مقومات الإصلاح الذاتي. مما أدى بالتالي إلى إضعاف همة الفكر في بحثه عن الاحتمال والإمكان. بينما كان الاحتمال والإمكان ما يزالا الميدان الذي يمكن أن نرمي فيه كل ما هو عصي على الفهم والبرهان. وهو سبب إفقار ملامح الرؤية الواقعية للصلاح والاصلح، باعتبارها قيما وأساليب ومعايير علمية وعملية تندرج في فكرة الإصلاح نفسه.
ومع ذلك ساهم هذا الواقع وما يزال في استثارة البحث عن البدائل في أجنة الكينونة المعاصرة للعالم العربي. وهو أمر يضعنا أمام جوهرية الإشكاليات الحية التي أبدعت مختلف المنهجيات والحلول لقضايا الممكن والواجب في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، منذ أن اتخذ وعي الذات الثقافي موقعه المناسب في هرم المدنية الإسلامية.
وقبل أن تصل المدنية الإسلامية إلى إدراك معنى وقيمة الهرمية في نظرياتها وأحكامها عن المرجعيات المتسامية، باعتبارها منابع للإصلاح أيضا، كان لابد لها من التيقن بان طرقها الوعرة معبدة بوطء أقدامها الخاصة. غير أن هذه الذروة التي يمكن أن يبلغها وعي الذات الثقافي بوصفها الغاية المتسامية للمبادئ الأولى والفضيلة العليا في تجليها الواقعي، سرعان ما يأخذ بريقها المتلألئ بالتلاشي والخفوت كما لو انه اثر في الخيال. بعبارة أخرى، أن وعي الذات الثقافي يصارع نفسه على الدوام بسبب محايثته الصميمية للتنوع والتبدل والتغير. وإذا كان هذا التناقض العميق هو أيضا النتيجة الملازمة للمدنية نفسها، فإن ذلك يعني أن له "منطقه" الخاص فيما يمكن دعوته بسرّ الوجود التاريخي للأمم.
فللأمم أيضا محاكاتها "التاريخية" في الولادة والموت والانبعاث. وهي لا تفتعل هذه الدورة الخالدة لوجودها، بقدر ما أنها تلازم ما استقر فيها. وفي هذه العملية يجري ابتداع عناصر استمرارها على انه التجلي الخاص لاجتهادها وإصلاحها الدائم. والمهمة الآن لا تقوم في تطويع معالم الإصلاح التاريخي في تياراته المتنوعة، بقدر ما أن يجري صياغة قيم التفاؤل العقلانية بإمكانية الإصلاح الدائم من خلال رؤية مقوماته الثقافية، بوصفها مرجعيات متسامية. الأمر الذي يحدد ضرورة اقتران إدراكنا عن "سر الوجود التاريخي" للعرب بالإسلام، لأنه مصدر وبداية وجودهم التاريخي العالمي.
فهي البداية التي تجبر الوعي التاريخي والسياسي والحضاري على الرجوع إليه سواء جرى ذلك من خلال النفي أو الإثبات. بعبارة أخرى، إن إدراك السر التاريخي لظهور العرب بهيئة أمة تاريخية عالمية ثقافية يفترض بالضرورة الرجوع إلى مصادر وجودهم المعقولة والمطلقة وتجليها التاريخي. وبما أن المطلق التاريخي هو "البداية" المعقولة، فإنها تؤدي في حالة تأملها الفعلي إلى البحث عن "نهاية مثالية". أي لا بد لها من أن تدغدغ المشاعر وتثير الخيال وتجهد العقل على رؤية "سدرة المنتهى" في أحد نماذجها الأكثر رفعة، بوصفه الرونق اللامع في التقاء "البداية" و"النهاية". فهي الحركة التي يستمد منها الوعي الاجتماعي رؤيته تجاه تركيب سلسلة الوحدة الخفية للانتماء الوجداني والعقلي ورفعها إلى مصدر المطلق التاريخي. بمعنى بلوغه إدراك الحقيقة القائلة، بأن نقطة البداية هي نقطة النهاية. وهو الإدراك الذي يجد انعكاسه وفاعليته في مرجعية الفكرة القائلة بالقيمة الجوهرية في العودة الى المصادر الأولى. لهذا كانت وما تزال وسوف تبقى "آلية" هذا النوع من العودة إلى المصادر الأولى، مصدر الديمومة المحركة لكل فكرة إصلاحية عميقة المحتوى. وذلك لأنها تؤدي من الناحية التاريخية إلى تعميق عناصر وعي الذات، ومن الناحية الروحية إلى تقوية خصال اليقين، ومن الناحية الفكرية إلى تقويم معالم البصيرة، ومن الناحية العملية إلى تأسيس البدائل المتنوعة.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسن نصر الله يلتقي وفدا من حماس لبحث أوضاع غزة ومحادثات وقف


.. الإيرانيون يصوتون لحسم السباق الرئاسي بين جليلي وبزكشيان | #




.. وفد قيادي من حماس يستعرض خلال لقاء الأمين العام لحزب الله ال


.. مغاربة يجسدون مشاهد تمثيلية تحاكي معاناة الجوع في غزة




.. فوق السلطة 396 - سارة نتنياهو تقرأ الفنجان