الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية(3)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2011 / 7 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان المطلق الإسلامي الأول من الناحية التاريخية بداية المطلق الثقافي الحر. وقد رافق ذلك منذ البدء حقيقة التوحيد الإسلامي باعتباره حركة إصلاحية شاملة. بعبارة أخرى، انه تضمن في ذاته إمكانية البؤرة الثقافية، التي كانت تعني بالنسبة للإصلاح وتقاليده الروحية وحدة الحركة الفاعلة والوحدانية المتسامية. الأمر الذي سيكشف عن نفسه في ثنائياته الكبرى، بوصفها مرجعيات متسامية ومنحلة في حدوده الوسطى.
فقد كان التاريخ الوحداني الإسلامي في مصادره الأولى هو تاريخ الكل القرآني، كما نعثر عليه في نتائجه. إذ كشفت هذه النتائج عما في هذه الوحدة من إمكانيات هائلة بالنسبة لتأسيس البنية الثقافية اللاحقة. فالكل القرآني هو ليس مجرد النص العثماني، وليس اختلافات المتكلمين عن الحد والحقيقة، وفقه الفقهاء واجتهادات اللغويين عن الإعجاز والبيان والغريب والمشكل والقراءات والحروف والعلوم والمعاني. وذلك لأنه في حصيلته كان السريان الخفي في جذور الثقافة وثمارها.
ولم يعن ذلك غائية الأحداث ومجاريها، كما لم تكن حتما منذ الأزل وقدرا لابد منه، بقدر ما أنها كانت النتيجة "الطبيعية" لتفتح المبادئ الكبرى والقيم الجوهرية التي وضع الإسلام منظومتها العلمية والعملية على شكل أركان وقواعد وحدود. ولعل أركان الإسلام المتجسدة في العقائد الإسلامية وشروط العبادات وآداب العادات وقواعد السلوك وماهية الإيمان وغيرها من الجوانب هي دليل ومظهر لها. ولم تظهر هذه الوحدة المتكاملة دون وجود ما أسميته بالكلّ القرآني. وذلك لأنها العملية التي احتوت في أعماقها وكشفت في نتائجها عن حقيقة التحول الذي ادخله الإسلام على عالم الجاهلية العربية، بحيث أعاد صنعها على أسس جديدة. وبالتالي تحول الإسلام إلى منبع الكينونة العربية المستقلة.
أما حدّ وحقيقة هذه الكينونة فيقوم في مبادئها الأولية، التي تحولت لاحقا إلى عقائد كبرى ومرجعيات متسامية، كانت بدورها التعبير المناسب عما في التوحيد الإسلامي نفسه من حدود للفعل الإصلاحي. ولعل فكرة العلم والعمل هي الصيغة الأكثر وضوحا وجوهرية لها. إذ ليست هذه الفكرة في الواقع سوى الصيرورة في الكينونة. بعبارة أخرى، إن تحول الإسلام في صيرورته التاريخية والثقافية إلى منبع ومصدر وأصل ومرجع الكينونة الفعلية للكلّ العربي كان مرتبطا ارتباطا صميمي بتمّثله وتمثيله لقيمة ومعنى وآفاق الإصلاح الشامل. إذ تمّثل الإسلام وقدّم في نموذجه الإصلاحي فكرة الحدود، التي مدت بقوتها جسد الكينونة العربية وروحها، لسانها وجنانها، أركانها وأصولها.
وقد تضمن ذلك في أعماقه من الناحية التاريخية بلورة مبدأ البداية ويقين النهاية، ومن الناحية الفكرية تأسيس الارتباط بالمطلق، ومن الناحية العملية إسناد الفعل بمبادئ الخير. فقد كانت الرؤية القرآنية وتطورها تعبيرا عن تعمق الارتباط بالبداية المطلقة. وإذا كانت هذه البداية أكثر إبهاما من المطلق، فلأنها كانت تشكل الصيغة المتسامية لتأسيس قيمة الفعل المستند بدوره إلى عروة وثقى. وقد هشمّ هذا الارتباط مرتكزات الدهر الجاهلي. إذ لم يعد الدهر الجاهلي مصدرا ومنبعا وأسلوبا لهلاك كل وجود وموجود، وذلك لتحوله إلى جزء من النهاية ولحظة فيها. وبالتالي لا قيمة له بحد ذاته ولا وزن. أما اليقين فيه فيقوم فقط في تقطّعه نفسه إلى أجزاء متناهية بوصفها أفعالا للإرادة الإلهية المطلقة. وهي الفكرة التي وضعها القرآن في آياته الكثيرة عن مشيئة الله الدائمة في الأشياء والأفعال. فالله هو ملك السماوات والأرض وما بينها، يخلق ما يشاء، وهو على كل شيء قدير (المائدة –17)، وهو الذي يفعل ما يريد (البقرة-253)، وهو الذي يحي ويميت، فإذا قضى أمرا فانه يقول له كن فيكون(غافر-68) وما شابه ذلك.
وقد ذللّ هذا الاحتواء التام والكامل للقدرة الإلهية، عبث الأحداث ومجهولها. ولم تعد الذات الإنسانية من حيث وجودها صدفة عابرة، كما لم تعد من حيث كيانها أسيرة الدهر، كما لم يعد معنى وجودها وغايتها ألعوبة القدر. فعندما يصّور القرآن "الحياة الدنيا" باللهو واللعب، فانه لم يقصد بذلك انتقاص معناها ولا التقليل من شأنها، بقدر ما انه كان يناهض ديمومة الدهر الجاهلي وصلافته المتعنتة برؤية الآفاق المغلقة للأفعال وخلو معانيها من تذوق واندهاش الالتقاء المثير للبداية بالنهاية. لهذا استخفّ القرآن بزمن الجاهلية عندما أعتبر اليوم عند الله كألف سنة مما يعدّون. ونعثر على ذلك في مختلف صيغ الإدانة المستترة لما هو عابر وجاهلي.
فقد حولت الجاهلية انسياب الزمن إلى قوة قائمة بحد ذاتها، بحيث قلدته "مفاتيح الغيب" في تجديد وتمويت وإحياء وإفناء كل موجود. بينما استبق القرآن بداية الزمن ونهايته في غاية الوجود الإنساني، عندما شدد على استقلالية الموت والزمن. فالموت يتعلق بالروح في إحدى أطوارها، بينما الزمن مع الجسد. والموت لا يعطي للزمن قوة الدهر الخالد بالمعايير الجاهلية، بل يسلبه إياها، باعتباره سنينا وأشهرا وأياما وليال. وهو تصوير وتقرير نعثر عليه في الكثير من آيات القرآن مثل "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا ساعة من نهار". غير أن هذه الرؤية الخاطفة لا تسلب من الجميع شيئا غير غشاوة الوهم القائل بخلود الزمن. فتحول الزمن إلى ساعات وليال، يعني أيضا انقطاعه بالموت (الجسدي) واستمراره بالروح (الأخلاقي). وتعّبر عن هذه الحالة الفكرة القرآنية عن "يوم الفصل"، الذي هو "يوم ميقاتهم أجمعين"، أو هي نفسها وحدة البداية والنهاية، باعتبارها مصرع الزمن العابر في خلود الإرادة. وبهذا يكون الإسلام قد قدّم أسلوبا جديدا في تحطيم أسس الأوهام الجاهلية عن خلود الزمن (الدهر) من خلال إدراجه إياه كلحظة أو آن في أفعال الإرادة الإلهية. وليست هذه الإرادة في نهاية المطاف سوى النفي الخالد للدهر الخالد. وبهذا لم يعد الخلود قوة منطوية في الوجود نفسه أو في قواه الطبيعية والإنسانية، بل في الإرادة الإلهية المتجلية في التاريخ بهيئة ابتلاء للإنسان في أفعاله كما أنها غيب من غيوب الله، انطلاقا من "انه لا يسأل عما يفعل".
حددت هذه الرؤية مضمون الفكرة الإسلامية الأولى ومبادئها الكبرى القائلة، بان الإرادة هي مصدر الفعل، وأنها إرادة الأصلح والأفضل والأسمى. وإذا كان الوجود في مختلف حيثياته بوصفه خلقا هو التجلي الملموس لهذه الإرادة، فان نموذجها المعقول يقوم في استمرار الوحدانية ومثالها الإصلاحي. الأمر الذي نراه في جوهرية عناصر الرجوع والاستمرار في الفكرة القرآنية نفسها. ونلاحظ ذلك أيضا في التشديد على طابعها الإسلامي، كما في الآية "قل إني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين"، و"من يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سّفه نفسه"، و"قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا" (يتبع...).
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسن نصر الله يلتقي وفدا من حماس لبحث أوضاع غزة ومحادثات وقف


.. الإيرانيون يصوتون لحسم السباق الرئاسي بين جليلي وبزكشيان | #




.. وفد قيادي من حماس يستعرض خلال لقاء الأمين العام لحزب الله ال


.. مغاربة يجسدون مشاهد تمثيلية تحاكي معاناة الجوع في غزة




.. فوق السلطة 396 - سارة نتنياهو تقرأ الفنجان