الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (4)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2011 / 7 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الرجوع إلى حقيقة الوحدانية ما هو إلا "الصراط المستقيم"، بوصفه الهداية الحقيقية للحق. إذ ليس الصراط المستقيم سوى الطريق الذي تشير علاماته إلى معاني الحق والحقيقة. كما أن الهداية ليست سوى عدم تسفيه النفس، بوصفه أسلوب السير في الصراط المستقيم. ومن ثم ليس الإتباع والاستقامة سوى المكونات المندرجة في معالم الإصلاح باعتبارها هداية. وبالتالي ليست الهداية سوى هداية الأصلح المبنية على أساس رؤية الحق والحقيقة في أطوارها المتجددة. من هنا تشديد القرآن على الفكرة القائلة، بان اليهود والنصارى لن ترضى ما لم تتبع ملتهم، والرد عليها بالبديل الأكثر تساميا، استنادا إلى فكرة "قل إن هدى الله هو الهدى". ولا يتعارض ذلك مع ما في القرآن من توكيد دائم على انه لا تعارض بين ما يقوله القرآن وما في "الصحف الأولى"، وان ما في القرآن هو تصديق لما سبقه. وهي فكرة مبنية على أساس الإقرار بمرجعية الوحدانية المتسامية فقط، باعتبارها مصدر الخير المطلق. وقد ظلت هذه الفكرة تتحكم بهواجس الإصلاح العميق في القرآن حتى آخر آياته. بما في ذلك في تلك التي تقول، "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلونكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون". إذ تعبّر هذه الفكرة عن انكسار الوحدانية المتسامية في موشور الصراط المستقيم، بمعنى تجددها وإصلاحها. وقد أشار القرآن لهذه الفكرة مرارا بعباراته المتعلقة بالعبرة من تجارب وتواريخ الأمم والشعوب والأقوام مثل اعتباره قصص الأوائل "عبرة لأولي الألباب"، أو تأمله لتجارب الشرائع السابقة مثل قوله "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين".
وقد تضمنت الدعوة الإسلامية لمرجعية الحق مبدأ إلغاء التقليد، الذي تمّثل من حيث الجوهر فكرة الإصلاح بحد ذاتها. فإدراك حقيقة الحق في الوحدانية كما هي يتطابق في التصور القرآني مع فكرة الصراط المستقيم. وهذه بدورها ليست إلا الهداية المتجددة بوصفها رجوعا إلى المنابع الأولى عبر تأمل تجارب مختلف الأقوام والأمم في حياتهم وسننهم. بمعنى إعادة النظر النقدية بالمبادئ الكبرى للصراط المستقيم، أي بالمقومات الجوهرية للمثال الواجب وإعادة دمجها في وحدة العلم والعمل. ويستلزم هذا الموقف من وجهة نظر الإسلام "إصلاح النفس"، باعتبارها المقدمة الأولية والضرورية والفعلية للإصلاح الحق. ولم تكن وحدة العلم والعمل، بوصفها أسلوبا لإصلاح النفس فعلا فرديا بل واجتماعيا أيضا. وذلك لان تمثل صراط الوحدانية المستقيم كان يحتوي في ذاته على وحدة الرجوع للمصادر (الماضي) وامتحانه الدائم في الفعل الحاضر بوصفه إصلاحا. ومن ثم، فان كل العلائق الممكنة بين الإنسان والله كانت تتضمن في مبادئها وغاياتها أثرا اجتماعيا مباشرا. من هنا جوهرية الشريعة الجديدة وتجددها الدائم في الصراط المستقيم للوحدانية المتسامية. ومن هنا أيضا فكرة "الأمة الجديدة" بوصفها تجسيدا للشريعة الجديدة، أي للإصلاح الدائم بوصفه بديلا لما أفسدته الأمم السابقة من انحراف عن جادة الحق ومبادئه.
وفي هذا تكمن حكمة استبدال الأمم، بمعنى اندثار البعض وظهور البعض الآخر. ومن ثم ليس الانحراف عن الصراط المستقيم سوى الصيغة المجردة لاستمرار تقاليد الإصلاح والحق. من هنا عبارات القرآن مثل "تلك أمة خلت لها ما كسبت". وبالتالي ليس اندثارها سوى النتاج المباشر وغير المباشر لعمي بصيرتها عن إدراك حقيقة الحق. لهذا "إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون". بينما لا أحد يعرف حقيقة المفسد من المصلح غير الله. ولا يعني ذلك سوى حكم الحقيقة (والتاريخ) وتحقيقهما في مبادئ المطلق الإسلامي، باعتباره مثالا جديدا وشريعة متممة واستقامة متجددة في الصراط الوحداني. من هنا مطالبة القرآن الدائمة بالا "يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، وذلك لان الله لا يهلك "القرى بظلم وأهلها مصلحون".
وليس هذا الاندفاع الجديد للوحدانية في مبادئ الإسلام سوى استظهارها الفعلي المتجدد. من هنا مثال الأمة الحقيقي (المسلمة) وتجسيدها التاريخي في أمة العرب. ومن هنا أيضا الدعوة "لأمة الخير" من جهة، وإدانة الجاهلية العربية من جهة أخرى، كما في الآية الداعية لان يكونوا "أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر". وانتقاد صلف الجاهلية وتعنتها التقليدي، كما في الآية التي تقرر ردهم على مطالبة القرآن إياهم بان يتبعوا ما انزل من الله، "بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون". ويعبر هذا الموقف عن مساع حثيثة وشاملة لتهشيم عادات الجاهلية وعباداتها، قيمها وأحكامها، أعرافها وتقاليدها. وإذا كان هذا الموقف في ظاهره يبدو استنطاقا للفكرة الوحدانية، فان تجسيده في سلوك "الصراط المستقيم" كان يتضمن تعريض كل جزئيات الكينونة الجاهلية العربية على لهيب "الإصلاح الإلهي" و"حسابه العسير". وبهذا يكون قد وضع الإصلاح الفعلي ضمن معايير وقيم المطلق الإلهي، بوصفها الصيغة المجردة والمافوق تاريخية للإصلاح التاريخي الواقعي.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسن نصر الله يلتقي وفدا من حماس لبحث أوضاع غزة ومحادثات وقف


.. الإيرانيون يصوتون لحسم السباق الرئاسي بين جليلي وبزكشيان | #




.. وفد قيادي من حماس يستعرض خلال لقاء الأمين العام لحزب الله ال


.. مغاربة يجسدون مشاهد تمثيلية تحاكي معاناة الجوع في غزة




.. فوق السلطة 396 - سارة نتنياهو تقرأ الفنجان