الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفيون والعفو عن قتلة الشهداء

محمد البدري

2011 / 7 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في ضوء احداث الثورة المصرية ومن قبلها التونسية تحركت فصائل الاسلام السياسي بكل تنوعياته لا لتكون مع الثورة إنما كعامل احباط لها. فلم نجد تصريحا لجماعة الاخوان المسلمين او باقي الجماعات السلفية يؤيد الخروج يوم 25 يناير، لكنهم كلهم وبشكل مفاجئ انقلبوا ليصبحوا ثوارا علي حين فجاة لان الثورة نجحت في تحقيق اول اهدافها وهو خلع رأس النظام. بقي وعلي مدي الستة اشهر التالية الكثير مما تطلب تحركات أخري لا تقل في مشهدها عن مشهد الـ 18 يوما هي عمر الثورة في رحم الميدان. وكان سلوك الاخوان وجماعات السلف طوال هذه الفترة المتقلبة والمليئة بالحراك يشي بانهم قلقين لان هناك ثورة وانهم مرتبكون لان هناك من يطالب بحقوق ليست من افكار الاسلام السياسي كالحرية والديموقراطية والمواطنة وحق التعبير ... الخ مفردات مطالب الثورات العظيمة التي نقلت البشرية من عصور الظلام الي رحابة النور والعلم والمعرفة والحرية. نجاح الثورة في تحقيق مطلب رحيل مبارك عن السلطة كان فاتحا لشهية كل فصائل الاسلام السياسي للاشتراك لعلهم يفوزن بمكسب من مكاسب الثورة او علي الاقل البقاء داخل خياشيم الثوار والتحوصل في رئة المتظاهرين انتظارا للحظة الانقضاض اما لسرقة الثورة بالكامل واما لاستعادة النظام الذي ترعرعوا فيه وانتشروا بشكل وبائي داخل حواري وازقة المجتمع المصري.

يتزلف الاسلاميون كما تزلف حسني مبارك وكل انظمة الفساد العربية والاسلامية بالشهيد والشهداء ورددوا الاقوال الاسلامية عنهم وصوروا حسن مقامهم مع الصديقين والانبياء في مقعد صدق عن مليك مقتدر. فما تعريف الشهيد عندهم؟ يقول كبيرهم إبن باز: " جاء في الحديث الصحيح أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، فالشهيد الذي قتل في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، يغفر له كل شيء، وإن جبرائيل أخبر النبي بذلك. والشهيد الذي لم يستشهد في المعركة ما دام قد مات بسبب الجراح فهو شهيد ، سواء مات في المعركة أو تأخر موته أياماً وليالي بسبب الجراح التي أصابته". وهذا ليس قول ابن باز من عندياته انما هو مجرد ناقل يردد قول المسلمين الذين اسسوا مبادئ الاسلام في عصورة القديمة، فلو اننا اعتمدنا كل ما يقوله الرجل من عندياته لاصبح السفة وقلة العقل من نصيبنا.

فلنأخذ إذن اقوال السلف التاسيسية ونطبقها علي افعال الجماعة. ذهبت عناصر من الجماعات السلفية الي بيوت الشهداء لمقابلة الاهل لاقناعهم بقبول الدية والتي تعرف في الارث الشعبي المصري بالعوض. فالدية هي ارث قبلي انتهجته القبائل العربية ويتم دفعها كتعويض عن خسارة المت بطرف جراء خطأ او جريمة حدثت من طرف آخر. الدية تدفع عند عرب الصحراء في ناقة او بهيمة وفي البشر ايضا. ويقال في المثل الشعبي "اللي تعرف ديته اقتله". اي إذا كنت مجرما وقادرا علي دفع دية ولا تحترم الدولة والقانون والمجتمع فما عليك سوي الشروع في القتل، فلن تخسر شيئا سوي الدية. في مثل هذه البيئة فان الهروب او التخفي وعدم كشف المذنب خاطئا او عامدا هو امر ستكون محصلتها مضاعفة حيث يتم التخلص من المنافس او المطلوب قتله وفي نفس الوقت الافلات من دفع الدية لعدم الامساك بالمخطئ.

ولن اخوض في امر القرآن إذا ما كان قد نفي الدية ام اعتمدها، فلو انها ضمن تشريعاته لاصبح السلوك السلفي مشينا وغير اسلامي رغم تشدقهم بالاسلام، ولو انها غير موجوده فان السلوك السلفي يصبح اكثر انحطاطا لان الحق المدني والقانوني للدولة وللمجتمع قد اكمل ما لم تاتي به شريعة الاسلام بينما تمارس الجماعة السلفية الاطاحة به في الحالتين. الافدح من كلا الامرين ان السلفية المرتكزة علي الاسلام باتت ترتد بنا الي ما قبل الاسلام وهو نظام القبيلة وتشريعاتها وتضرب في نفس الوقت اسس المجتمع الحديث الذي يسعي للحق وقصاصه والقانون وفلسفاته. بهذا لم تعد السلفية سلفية دينية او اسلامية انما سلفية تنتمي الي بربريات ما قبل الاديان.
ولندع الجماعة ونبحث من وراء الجماعة وصاحب المصلحة في دفع ما يسمي ديه، انه نظام مبارك الفاسد المهموم بان تعود الامور علي ماكانت عليه من امتهان للكرامة المصرية وتحقيرا لشخصية المصريين. فالنظام وفلوله سيدفع ديه مما تم نهبه من المصريين لكنه يسعي لتقويض حق كل من مات وجعله كالدابة او الناقة او القتل الخطا في حادثة هي ليست بحادثة انما قتل متعمد من افراد يعرفون تماما اهدافهم السياسية في مقابل ثوار يدافعون عن الكرامة الانسانية ويرفضوا ان يعامل المواطن معاملة القطيع كما فعل ويفعل العرب قبل وبعد الاسلام.

لم تدرك الجماعات السلفية ومن والاهم في هذه القضية، لعدم قدرتهم علي الادراك، أن اهالي الشهداء لا يملكون العفو او قبول الدية حتي ولو عفوا و قبلوها. فكثير من الاهل من الاجيال القديمة التي تربت في كنف ثالوث مصر الفاسد بدءا من عبد الناصر نهاية بمبارك مرورا بالسادات. فالتربية السياسية طوال عمر هذه النظم كانت خارج التاريخ والعصر والخطاب المعرفي والحقوقي كان شبه منعدم فالثلاثة روجوا للعروبة والاسلام بدرجات متصاعدة ادت الي نهايات حزينة للمصريين ودموية لهم. فالقتلة الذين تسعي الجماعة السلفية لاخراجهم كالشعرة من العجين بطرق كثيرة آخرها دفع دية هم من كبار رجال الداخلية المصرية الذين تصدوا لشباب الثورة العزل من السلاح والتي اعلنوها ثورة سلمية من اليوم الاول لها. وهناك ايضا بلطجية قاموا بالقتل ستقوم جماعات السلف باعفائهم من المسؤولية الجنائية، وهنا يقفز الي الذهن السؤال التالي، هل ترد الجماعة السلفية الجميل للداخلية ولضباط نظام مبارك الفاسد متطوعة بمحاولة تخليصهم من محاكمة عادلة؟ السؤال الاخطر ما هو العدل وما هو شكل الدولة إذا ما تولت السلفية ومعها الاخوان المسلمين امور السلطة في البلاد، وما هو العدل في نظرهم الذي صدعوا به رؤوسنا بانه احد اسماء الله الحسني؟ فلو ان الدية غير موجوده بالاسلام فلماذا لا يقفون مع الدولة العلمانية بقوانيها الوضعية التي اتت بما لم يأت به الاسلام رغم القول " وما فرطنا في الكتاب من شئ". بل الاهم لماذا يتطوعوا دفاعا عن المجرمين والفاسدين بينما العالم يشكل محاكم دولية لاقامة الحق والعدل وبات مطلوب علي ذمتها رؤساء عرب روجوا للعروبة وللاسلام في السودان وليبيا والباقي علي الجرار؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صباح الخير
مارا الصفار ( 2011 / 7 / 9 - 06:58 )
استاذي البدري
في كل مرة تكتب فيها هنا او في الايميلات المشتركة
تنبهني اكثر فأكثر الى تشابه السيناريو العراقي - المصري
للاسف هذا ما حصل فعلا بعد 2003
عندما حاول (البعثيون والمتدينون) في العراق
من تخليص قتلة العراقيين (هم انفسهم البعثيون والمتدينون) من المحاسبة والقانون عن طريق دفع الدية
وللاسف ايضا
نجحوا في ذلك الى حد بعيد
كون الكثير من العوائل محتاجة بشدة الى المال
ويدركون حقيقة ان خسارتهم في الدم سوف لن ترجع
وهكذا تم الضغط عليهم واقناعهم بالاستفادة من دم الشهيد ماديا
وبالطبع كنتيجة لذلك
استمر القتلة في جرائمهم وارهابهم لحد الان
لانهم عرفوا طريق الخلاص
المال يفعل الكثير الكثير جدا

امنياتي بمصر السلام والامان


2 - شكرا
مازن البلداوي ( 2011 / 7 / 9 - 07:00 )
الاخ العزيز محمد
على الرغم من ان المقال يمت الى مصر اكثر من ان يكون عاما، لذا سأقتطف موضوع الديّة للتعليق عليه
مامعنى الدية، تعويض؟
اذا نحن امام معادلة مادية بحتة، تنتهك حقوق الانسان بقوة وعنف يمهد لها هذا الشق التعويضي المادي
اذا بقيت المجتمعات متمسكة بموروثها الاجتماعي القبلي فسيبقى المفهوم المادي يعلو كرامة الانسان، ولن تفلح هذه الشعوب بمغادرة محاكاتها الحالية الى الأبد
الامر يحتاج الى ثورة فكرية قيمية ثقافية اجتماعية، وما دخول الاخوان على الخط الا لمنع هذه الثورة
تحياتي


3 - الأستاذ محمد البدري المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 7 / 9 - 08:10 )
إنهم يشترون الإنسان بالمال ، لو دفعوا مال الدنيا فهل يعود الضنا ؟؟ كلما ذكرت كلمة شهيد تبادر إلى فكري فوراً الشهيد باسل الأسد ، كيف أصبح شهيداً والشعب لم يدرِ أنه كان ذاهباً في مهمة وطنية ؟ وسمعنا أنهم ملؤوا البلد بمؤسساته ومدارسه ومعاهده باسمه ، بل وحدثتنا صديقة أن اسمه وصورته تحتل الطريق من العاصمة إلسورية إلى عرين العاصمة اللبنانية . كلمة شهيد : رخيصة ، أصبحوا يطلقونها على أي كان ، وياما في شهداء راحوا فراطة بين الرجلين ولم يدر بهم أحد للأسف . شكراً أستاذ .


4 - وطبعا للمرأة الشهيدة الدية تصل للنصف
فاتن واصل ( 2011 / 7 / 9 - 08:20 )
الأستاذ الفاضل محمد البدرى ، مقالك موجع وحين نمد الموضوع على استقامته وننظر لموضوع الدية وبحسبة بسيطة وبنظرة الاسلام للمرأة نجد ان هناك أوكازيون وموسم تخفيضات مستمر لأن الانثى فى الاسلام نصف الرجل فى كل شئ، لذا أبشر كل أم وأب لديهم إبنة فى رأسها بعض العقل وشاركت فى اى عمل ثورى وقتلت أن ديتها ستكون النصف ولذا الأكسب لهم ان يرسلوا بأبناءهم فالدية تكون الضعف.. وحتى لا يكون موت وخراب ديار ،كيف لهؤلاء الأغبياء أن يروا الموضوع بهذا القصور ، وهل يجسر أحدهم ان يطالب بشئ كهذا فى مجتمع السويد مثلا حتى أسبانيا التى حظت بدخول الاسلام فى حقبة ما !! أعجب على هذا الفكر الغير انسانى البعيد كل البعد عن حد أدنى من حقوق الانسان. شكرا على المقال الكاشف لفكر نمت على جوانبه العناكب.. لك كل الاحترام


5 - متطفلون
عدلي جندي ( 2011 / 7 / 9 - 10:50 )
التاريخ والعصر والخطاب المعرفي والحقوقي كان شبه منعدم فالثلاثة روجوا للعروبة والاسلام بدرجات متصاعدة ادت الي نهايات حزينة للمصريين ودموية لهم. فالقتلة الذين تسعي الجماعة السلفية لاخراجهم كالشعرة من العجين بطرق كثيرة آخرها دفع دية النهاية الدموية والحزينة دفع ثمنها شعب بكامله اليوم الإنفصال الرسمي لدولة السودان والذي ساعد علي إتمام الإنفصال في سرعة هو تطبيق الشريعة البدوية ومحاولات الغزو تحت شعار الوحدة


6 - انهم ينفذون اوامر اسيادهم
محمد حسين يونس ( 2011 / 7 / 9 - 16:13 )
السلفيون معظمهم كانوا في السجن او المنفي السعودى و كانوا رهن اشارة امن الدولة التي تعرف كيف تحركهم سواء بالفضح او بالمال و لذلك لن تجد لهم اى تصرف ذاتي .. أما عن الدولة فبعد ان شكل الاخوان قضاتهم المخصوصين و خرجوا الدفعة الخامسة منهم يحكمون يشريعه الاسلام تاكلت الدولة.. و سعيكم مشكور .. دمت فاضحا


7 - اتق الله في قولك
حسين زيادة ( 2011 / 7 / 10 - 10:58 )
فلماذا لا يقفون مع الدولة العلمانية بقوانيها الوضعية التي اتت بما لم يأت به الاسلام رغم القول - وما فرطنا في الكتاب من شئ-.

كيف تجتمع الكلمتان بان الدولة العلمانية اتت بقوانين وضعية وبقول الرحمن وما فرطنا في الكتاب من شئ؟
يعني ربنا قال وما فرطنا في الكتاب من شئ
وانت تتعالي علي الله وشريعته وتقول بان البشر اتو بمالم يات به الله؟
اتوا بقوانين ما اتي بها الاسلام ويعلوها فوق ما اتي بها الاسلام

اولم تقرا قول الله
ومن لم يحكم بما انزل الله فؤلئك هم الكافرون
ومن لم يحكم بما انزل الله فؤلئك هم الفاسقون
ومن لم يحكم بما انزل الله فؤلئك هم الظالمون
افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون


كلمتك تعارض ما هو ظاهر من نص القران واعتقد بانها ليست بكلمة ولكن هذا معتقدك بان نترك حكم الله ونتجه للحكم الوضعي المخالف لكلام الله

امرنا الله بقطع يد السارق وياتي منكم من يقول -لو قطعنا ايد الحرامي هيبقي عالة علي البلد-
امرنا الله بجلد الزاني وياتي منكم من يقول -لو بمزاجهم وبرضاهم الاتنين وفي مكان مقفول يبقي حريتهم-

اتقوا الله وفقط
اجعلوا الله نصب اعينكم وسترون الحق بينا لا غبار عليه


8 - ليس ردا للجميل
ناديه احمد ( 2011 / 7 / 10 - 12:35 )
ليس ردا للجميل ولا يحزنون , فتاريخهم يشهد انهم اول من يطعن من ساعدهم , هم فقط يحاولون اثبات وجودهم فى الشارع وتحسين صورتهم , ثم ان التمويل ليس مشكله بالنسبة لهم .


9 - مطلب للزيارة او الكتابة
محمد البدري ( 2011 / 7 / 10 - 13:21 )
تحياتي وشكري وامتناني لكل المساهمين في التعليقات ولمرورهم الكريم وتجشمهم النقد وتوجه النظر لما قد يكون فاتني، ولنا في الاستمرار في الكتابة والنقد والمشاركة كل الامل في اصلاح امرنا فنحن في قاع العالم في كل المجالات، رغم ان المنطقة منذ ظهر الاسلام وضعت الله نصب اعينها حسب ما يريد الاستاذ حسين زيادة في تعليقه رقم 7. لكننا لا نعرف علي وجه الدقة من هو الاحول او المصاب بالحول بان تصبح المجتمعات التي لا تعرف الله هي التي تنعم بالديموقراطية بكل نتائجها ولا تشتري الذمم ولا تبدد حقوق الشهداء بينما الاوطان التي تطبق الشريعة ويحكمون بما انزل الله وتمول السلفيين اينما وجدوا و يخدم حكامها الحرمين هي التي تشتري الذمم وتبدد حق الشهداء وتدافع عن اللصوص من امثال مبارك وعلي عبد الله صالح وزين الهاربين بن علي. فهل للاستاذ زيادة التعليق مرة أخري علي هذا التساؤل؟

اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran