الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرات اللهب البشريه

عمر دخان

2011 / 7 / 9
المجتمع المدني


انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة قيام أشخاص في أنحاء متفرقه في الجزائر بحرق أجسادهم أحياء، في محاولة منهم للفت أنظار السلطات أو الرأي العام إلى مشاكلهم الشخصية، أو أشياء يعانون منها، و أصبحت أخبار قيام شخص هنا أو هناك بصب البنزين على جسده و محاولة الانتحار حرقا أمرا عاديا في الصحف الجزائرية، و انتشر الأمر بشكل رهيب ليصبح ليس لمجرد لفت القضايا، بل للحصول على حقوق قد لاتكون من حقه، و إمتلاك امتيازات يعرق أناس آخرون و يجتهدون من أجل الحصول عليها، بينما يعتقد هو أنه بمجرد صب البنزين على جسده سَيفزَعُ الناس لتحقيق كل ما أراد، و هو ما يحصل غالبا في بلد لا تسير وفق قانون أو منهج واضح و معين.

بدأت هذه الموضة مع قيام شخص تونسي يدعى محمد العزيزي بحرق نفسه، و ما ترتب على ذلك من قيام حراك تونسي أدى في الأخير إلى الإطاحة بالنظام السياسي التونسي و فرار رئيسه زين العابدين بن علي، و في غمرة تلك الأفراح بقيام الحراك و فرارا أوجه النظام السياسي، تم تحويل محمد العزيزي إلى بطل، على الرغم من أنه يبقى مذنبا من الناحية القانونية و الدينية، و لا يشفع له إيقاظ ضمير الشعب التونسي، لأن التشريع يبقى تشريعا، و إزهاق النفس يبقى جرما بغض النظر على الأسباب و النتائج.

تحويل العزيزي إلى بطل و شهيد، و مهاجمة كل من قال غير ذلك، و لو من دون أي محاولة للانتقاص من قيمة ما تسبب فيه هذا الشخص، جعل الكثيرين يعتقدون أن هذه هي الطريقة الأسهل لتغيير الأنظمة السياسية و تحقيق المطالب و الحصول على لقب البطوله، و جعل الكثيرين في صفوف شعبنا الجزائري الشهير بالأنانية و "تخطي راسي" يعتقد أنها الطريقة الأسهل لتحقيق المنافع الشخصية، فانتشرت حوادث قيام أشخاص بإحراق أجسادهم في كافة أنحاء الجزائر، و تحول مشهد الأشخاص المهددين بإحراق أنفسهم مشهدا عاديا في يوميات المواطن البسيط، بل إن النصيحة المقدمة لكل من تأخرت معاملاتهم الإدارية هي " اذهب و في يدك قارورة بنزين" و غالبا ما ينتهي الأمر بحامل القارورة معززا مكرما في مكتب رئيس المصلحة التي قصدها، و يتم قضاء حاجاته في بضع دقائق، متجاوزا أشخاصا آخرين من أصحاب العقول، و الذين يمضون ساعات طوال من الانتظار.

هذا التعامل اللامسؤول مع كل من حاول إحراق نفسه، يهدد بتحويل البلد بأكملها إلى كرات من اللهب تتراقص في الشوارع، و يجعل قارورة البنزين إحدى أهم مكونات أي ملف يقدم للمصالح الإدارية، بل يمكن له أن يصبح بديلا للواسطة و "المعرفة" و التي لا يمكنك قضاء الحاجه في الجزائر بدونها، و الأخطر من ذلك، أنه يمكن له أن يحول البلد إلى سيرك كبير، حيث يصبح كل من يجازف أكثر يحقق المزيد، و كل من يجيد القيام بتمثيلية محاولة حرق النفس أو يحرقها فعلا يصبح نجما اجتماعيا باستطاعته الحصول على أي شيء يرغب فيه لمجرد أن يجيد إشعال عود ثقاب!

القانون و التشريعات الدينية واضحه تماما فيما يتعلق بموضوع تعدي الإنسان على الروح البشرية و لو كانت روحه الشخصية، و لا يمكن للظروف الاجتماعية و الاقتصادية أن تكون مبررا و مسوغا مهما بلغ سوئها، أضف إلى أن استخدامها للتحايل، و إجادة التمثيليات من أجل تخطي الصفوف و الحصول على أشياء هو ليس بأهل لها، هو أمر لا يجب أن يُقبل إطلاقا، خاصه و أن الموضوع انتشر ليصل إلى درجة أن ولي أمر طالب مدرسة من المدارس أن تنجح ابنته الأخرى بعد نجاح الأولى و إلا هو أحرق نفسه، و هذا المثال الحقيقي من مدينتي يدل على خطورة هذه الظاهرة التي يبدوا أن مسؤولينا يقومون بعلاجها بأسوأ طريقة ممكنه، و بشكل غير مدروس يزيدها استفحالا و انتشارا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: إزالة دمار الحرب في غزة يتطلب 14 سنة من العمل


.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة




.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج