الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستخدامات فيتجنشتاين

الاخضر القرمطي
(William Outa)

2011 / 7 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


Usages de Wittgenstein
Catherine Halpern

إستخدامات فيتجنشتاين
كاترين هالبرن
تعريب: الأخضر القرمطي

من علم الإجتماع الى الألسنية، مرورًا بالاقتصاد او بالعلوم المعرفية، [مشهد] إحالةً مكثّفة الى لودفيغ فيتغنشتاين** في العلوم الانسانية. كيف نتعرفه في إقتباسات تبدو متناقضة أحيانًا؟
حل اللغز
لا ريب اطلاقًا، إلتقيتم اسمَه ،"مواربة" ،في مطالعةٍ ما. مع "أريجه" (فيينا 1900) المهجّن بأناقة بريطانية كلية، لم يعد فيتجنشتاين إمتيازًا لبعض الفلاسفة اللامعين. أصبح مؤلفًا يستحسن الرجوع اليه في العلوم الانسانية، هذا "الطافح أناقةً" وصل الى وضع بعضًا من أفاهيمه "المندسّة" في الأدلة، كمثل " ألاعيب اللغة"، "إتبّاع مِثالة[قاعدة]"،"هيئة السلالة"، "أسلوب حياة"، عرضٌ شموليٌ"، أو "قواعد اللغة".

لا يخلو الرجوع الى فيتجنشتاين في العلوم الإنسانية من معضلةٍ. أولاً، لانه لم يقدّم ابدًا معرفةً، او نظريةً. كان تصوره للفلسفة علاجيًا في المقام الأول:" إن الفلسفة هي معركة ضد إفتتان فهمنا بحيَل لغتنا"( أبحاص فلسفية، الفقرة 109). لقد قصِد أن يدع كل شيء على حاله، يوصَف ولا يُشرَح... تُطرَح معظم نصوصه كحِكَم، كتأملات في قواعد اللغة.
لا نظريةً عامة في اللغة، في المجتمع او في الفكر البشري، ولكن بالأحرى ملاحظات حول الاستعمال العادي لهذه الكلمة أو تلك (مثلا "علِم"،"فهِم"..ألخ)، تحليل لمختلف "ألاعيب اللغة"، أكانت حقيقية أو تخيلية. لا يتورع عن إفساد الأفخاخ التي تنصبها لنا اللغة عندما تنعطف نحو الفراغ. إن مساره، كما أسلوبه أيضًا، يقفان على النقيض من [تلك المسارات والأساليب] المهيمنة في العلوم الإنسانية. لن تكون إذًا للأنماط الإجتماعية في الفكر أي معنى، كما يلاحظ ألبرت أوجيان Ogien في كتابٍ جديد له. يتوخّى علم الإجتماع بعد فيتجنشتاين (1) تأسيس " علم إجتماع فيتجنشتايني". ليس فيما بعد ،سنضيف،بطيبة خاطر، أن انتروبولوجيا، علم إقتصاد، ألسنية، وعلم نفسٍ [ستتلبّس] ذات التسمية.

مؤلِفٌ "فاتنٌ و غامضٌ"؟
إذًا، هل ستؤدّي مقالةٌ واحدة حول المسألة الى تقوية التأثير البسيط للصيغة؟ حكَمَ بيار بورديو بصرامة على وسائلية [أداتية](instrumentalisation) مؤلِـفٍ يقدّره بوجه خاص :" يمتلك فيتجنشتاين اليوم عددًا معيّنًا من المُلكِيات الإجتماعية التي تمنحه قوّة جذب عالية. إنه مؤلفٌ مدهشٌ ولُغزيّ في الآن عينه، أو بالأحرى، فاتنٌ وغامضٌ (..). إن التناسب بين الحرية والقطيعة الذي يقيمه مع التقاليد الفلسفية والشكل الحِكَمي الذي به يعبّر، [إن ذلك] يسمح لا بل يحفّز على التعامل معه كمؤلفٍ لا يتطلب معارف مسبقة، او شروط للمرور: لهذا السبب، فإن المختصين بالعلوم الاجتماعية الّذين يستشهدون به او يستدعونه، بإمكانهم أن يجدوا فيه وسيلةً للتخلص من القواعد المتشددة في منهجهم، مع الحفاظ على مظهرهم كمفكّرين".
ولكن، أعلينا إعتراض كل محاولة تبغي ان تستوحي من تحليله؟ ألن نحوز على نظرةٍ ضيقة جدًا للفلسفة حين نجيز لها أن تكون موضوعًا لتعليقٍ ورِع؟ قطعًا، وبورديو نفسه لم يقصد ذلك، هو الذي أحب الاستشهاد بمؤلِّفٍ أثّر عليه بشكلٍ خاص وكان قد إكتشفه باكرًا جدًا:" بلا شك، فيتجنشتاين هو الفيلسوف الذي كان مجديًا جدًا لي في اللحظات العسيرة"، يعترف في "الاشياء مسمّاة".(2).
ما هي ،والحالة هذه، جوانب تفكير فيتجنشتاين الملائمة للعلوم الانسانية؟ يتعلق الأمر بفلسفته الثانية وليس بمؤلفه "التراكتاتوس" (Tractatus logico-philosophicus)، وإليها تستند العلوم الانسانية بشكل عام، بغية التشديد على اهمية اللعبة الاجتماعية والممارسات الجَمْعية[او الجماعية]. لم ينقطع فيتجنشتاين عن العودة الى الاستعمالات، الى الممارسات المبنية في إطار الحياة التي تتقاسمها مجموعة ما. إن تحليل ما يُسمّى "إتبّاع مِثالة[قاعدة]" على وجه الخصوص قد لفت انتباه الباحثين في العلوم الاجتماعية، المهتمّين بفهم إنضباطية المهام في المتحدّات البشرية، من دون وسمها بأفهوم ميكانيكي.

"لكلٍ فيتجنشتاينه"
إن أفكار [فيتجنشتاين] حول علم النفس،والمرتبطة بشدّة بذلك الاصرار حول الحياة التي تُتقاسم وحول الممارسات الجماعية،[هذه الافكار] ايضًا "تنشط" بقوّة.
يقدّم فيتجنشتاين نقدًا متينًا للاستبطان ويرفض "أسطورة الجوانية intériorité ". بالنسبة له، إن الفكرة التي تعتبر ان الذات تمرّ[وتفكّر بـ] فقط بما تفكّر به او بما تشعر به، هي حكم مسبق يرتكز على سوء تفاهم لغوي.
لا وجود للغة خاصة، كما لفعلٍ ذهني يجمع بين علامةٍ signe[دالٍ] وتجربة داخليةٍ. يرفض فينجنشتاين ،كذلك، الأفهوم الذي يجعل من الفعل الإرادي نتيجةً لفعل داخلي، لمشيئة لا تفعل سوى ان تدفع نحو نكوصٍ [تقهقرٍ] الى ما لا نهاية. بغية الاشارة الى العبثية، يطرحُ السؤال التالي الذي يبقى ذائع الصيت تحت تسمية "معضلة فيتجنشتاين":" ما الذي يبقى إذًا عندما أُنقص فعل أن ذراعي يرتفع من فعل انّي أرفع الذراع؟" يتوجّب أن نعدل عن التفكير بالفعل بطريقةٍ سببية وان نميّز جيدًا البواعث والاسباب.في كتابٍ بات شهيرًا،"الحدس" (3)، تقوم إليزابيت أُنسكومب Anscombe، إحدى طلاب فيتجنشتاين، بـ"تمديد" هذه التأملاّت. لا يجب تصوّر الحدس كحالة باطنية للذات او للفاعل، بمعنى آخر كشيءٍ يُعرَف مباشرةً من قبل الذات ويُعطَى بغض النظر عن السياق.
بعيدًا عن كونه تأثيرًا حديثًا في الاسلوب، فإن ادخال فيتجنشتاين في العلوم الانسانية قديمٌ جدًا. إنه فعل عددٍ من تابعيه المخلصين الحريصين على تشكيل كتلة بوجه وضعية positivisme ما في العلوم الانسانية. يهيمن هنا اسمان : بيتر فينش Winch (4)، مع نصيّن مهمّين، "فكرة علم إجتماع" [The Idea of a Social Science (1958)] و مقالة تتعلق بالانتروبولوجيا "فهم المجتمع البدائي" [« Understanding a Primitive Society » (1964) ]؛ و جورج هنريك فون فرايت von Wri­ght مع اصدار كتابه " الفهم والشرح" عام 1971 [Explanation and Understanding]. هذه المؤلفات التي تهدف بوضوح الى اعادة النظر بالمنهج وبإبستيمولوجيا [علم نظرية المعرفة] العلوم الانسانية ، ستفسح المجال في بريطانيا العظمى وفي ما وراء الاطلنطي لسجالات مهمة لن تلقى اي صدى في فرنسا. ليس الامر بمستغربٍ، باعتبار انه سيلزم الانتظار بضعة عقود لكي يخرج فيتجنشتاين من الاقامة الجبرية حيث وُضِع ولكي يدخل اخيرًا في بانتيون [معبد الآلهة] الفلاسفة.

في فرنسا، بالاضافة الى المتخصصين في فيتجنشتاين وهم جاك بوفرّس Bouveresse، كريستيان شوفيري Chauviré، او جان بيار كومتي Cometti، والّذين عبر عملهم الجدّي عرفوا على احسن وجه فكره، ظهر فينسان دكومب Descombes كوسيط مهم في إدخال الفلسفة النمساوية الى العلوم الانسانية. إن فلسفته الاجتماعية، الملتزمة بعملٍ يحرص على التوضيح الأفهومي، تُلهِم في الواقع مجموعة من الباحثين في العلوم الانسانية في صراعٍ مع الذاتية subjectivisme والتبرير الذهني، كإرين تيري Théry، فيليب أرفالينو Urfalino، أو آلان إرنبرغ Ehrenberg. بالنسبة لهذا الأخير مثلاً، فإن فتجنشتاين هو مرجعٌ رئيسي في نقده المزدوج لذهناوية mentalisme العلوم العصبية [الجهاز العصبي]، والفردانية المطلقة hyperindividualisme في علم الاجتماع المعاصر الذي يميل الى إهمال دور المؤسسات.(5)

ولكن استخدامات فيتجنشتاين لا تقف هنا. يستدعي ألبرت أوجيان Ogien في كتابه "الاشكال الاجتماعية للفكر" تقارب علم مناهج الإثنولوجيا [علم الإثنيات] مع المسار الفيتجنشتايني المهتم بالوصف وليس بالشرح والتفسير. آخرون يستدعونه أيضًا. علم إجتماع المعرفة لدى ديفيد بلوور Bloor يقترح كذلك برنامجًا نسبويًا relativiste، مهتمًا بما تبقّى من تحيّزات معادية للنظرية عند فيتجنشتين (6).يستعيد علم نفس اللغة عند إليانور روش Rosch مقولة "هيئة السلالة"، وإقتصاد الاتفاقات يستلهم التأملات الفيتجنشتاينية حول القواعد(7). كثيرًا ما تكون الصِلات معقدة، الاستعمالات متناقضة احيانًا والمناقشات دائمًا مبدِعة.
توفي فيتجنشتاين منذ ما يزيد عن خمسين عام، ولكن فكره يبدو دومًا حيًّا. تكمن قوته بلا شك، في الانتقال الدائم لوجهة النظر، وفي تحدّي الاحكام المسبقة المتصلّبة والتي تمد جذورها في لغتنا. هذا الفكر غير النمطي غالبًا ما تلتمسه تيارات فكرية معزولة او تشكّل أقلية في المؤسسات الاكاديمية. إن فتجنشتاين في العلوم الانسانية هو كمقلاع داوود أمام جولياث....

** لودفيغ فِتغنشتاين* (بالألمانية: Ludwig Wittgenstein), ولد في (26 أبريل، 1889 — 29 أبريل 1951) فيلسوف نمساوي.
ولد في فيينا بالنمسا ودرس بجامعة كمبردج بإنجلترا وعمل بالتدريس هناك. وقد حظي بالتقدير بفضل كتابيه رسالة منطقية-فلسفية وبحوث فلسفية. عمل في المقام الأول في أسس المنطق، والفلسفة والرياضيات، وفلسفة الذهن، وفلسفة اللغة. ينظر إليه عادة باعتباره من أهم فلاسفة النصف الأول من القرن العشرين. اعتقد فتغنشتاين أن معظم المشاكل الفلسفية تقع بسبب اعتقاد الفلاسفة أن معظم الكلمات أسماء. كان لأفكاره أثرها الكبير على كل من الوضعانية المنطقية وفلسفة التحليل.

استقال فِتغنشتاين من منصبه في كامبردج في عام 1947 للتركيز على كتاباته. وقد خلفه صديقه يوري هنريك فون فريكت بمنصب الأستاذ. نزل في دار الضيافة في البيت كيلباتريك في شرق ويكلاو في عام 1947 وعام 1948. أنجز الكثير من أعماله اللاحقة على الساحل إيرلندا الغربي في عزلة ريفية يفضـّلها مع باتريك لينش. بحلول عام 1949، عندما شُخِّصت حالته بأنها سرطان البروستاتا، كتب معظم المواد التي نـُشرت بعد وفاته مثل “Untersuchungen Philosophische” (تحقيقات فلسفية).
NOTES
(1) Albert Ogien, Les Formes sociales de la pensée. La sociologie après Wittgenstein, Armand Colin, 2008.
(2) Pierre Bourdieu, « Fieldwork in Philosophy », Choses dites, Éditions de Minuit, 1987.
(3) Cet ouvrage publié en anglais en 1957 n’est paru en français chez Gallimard qu’en 2002.
(4) Cet article a été traduit et publié dans L’Enquête de terrain, dirigé par Daniel Cefai, La Découverte, 2003.
(5) Voir Alain Erhenberg, « Sciences neurales, sciences sociales : de la totémisation du soi à la sociologie de l’homme total », in Michel Wieviorka (dir.), Les Sciences sociales en mutation, Éditions Sciences Humaines, 2007.
(6) David Bloor, Wittgenstein: A social theory of knowledge, MacMillan (Londres), 1983 ; D. Bloor, Wittgenstein, Rules and Institutions, Routledge (Londres), 1997.
(7) Voir par exemple Philippe Batifoulier (dir.), Théorie des conventions, Économica, 2001.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق