الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى أنطون سعادة

سامي فريدي

2011 / 7 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"محاكمتي اغتيال سياسي".
في الثامن من يوليو 1949 تم تنفيذ حكم الأعدام بالسيد أنطون سعادة في ظل ظروف وملابسات سياسية، تعيشها لبنان، أمس كما اليوم. وذلك في أعقاب ملابسات وأحداث عنف خلال احتفالات مارس ذلك العام. ذلك الاغتيال الذي استمر صداه في سلسلة الاغتيالات التي شهدتها لبنان حتى وقت قريب، كان من ضحاياها كمال جنبلاط (مارس 17/1977)، ورفيق الحريري (فبراير14/2005)، وآخرين.
وكما أن موت الشاعر أهم قصيدة يكتبها بدمه، فأن اغتيال أنطون سعادة كان كتابه الخالد عبر الأجيال. اعتقد الحكام أن قتل الجسد يعني قتل الفكر. قتل أسئلة الحرية والخبز والكرامة، تلك المبادئ التي كانت عنوان الرؤية السياسية لمشروع سعادة وحزبه، وكانت تلك الأسئلة من الثقل والخطورة أن تعتبره الدولة العربية تهديدا لكيانها ومشروعا للانقلاب على حكوماتها، ولعلّ الكلمة التي ألقاها في جلسة محاكته الصورية كانت كافية لفضح الزيف والتزوير الذي يقوم عليه النظام وسياساته، وفي ظل التزوير والزيف لا مكان للحقيقة والصدق والحياة الحقة.
اعدام سعادة كان كتابا آخر، كتابا مفتوحا عامرا بالنور والاشراق، يجلل رحلة الفكر والتأليف والنضال والاعتقالات والنفي والتشرد والانتماء الحقيقي للوطن الحلم المتجسد. موته كان خروجا من كل بيت ليسكن في كل قلب، خرج من الجسد ليسكن في الحقيقة. لم يكن ضحية الاضطهاد والارهاب السياسي، فحسب، وانما كان ضحية المداهنة والوشاية. هرب لاجئا إلى وطنه الأم، إلى حضن دمشق، فقامت هذه بتسليمه إلى الموت. موته جعل منه مسيحا يُصلَبُ على تلك الأرض. وكما وشى يهوذا بيسوع المسيح بقبلة، هكذا كان استقبال حسني الزعيم له من أجل تسليمه. نفس الحكاية تتكرر عبر الأجيال. وكلما نهض مسيح يرفع للأمة قدرها وللانسان كرامته، وشوا به وسلّموه للصلب. اعدامه كان البذرة التي بدونها موتها ودفنها تحت التربة لا يرتفع ثمرها وينتشر. وقد اعطى ذلك الاغتيال لحركة حزبه ومشروعه السياسي دفعة قوية ورسالة جادة في ضمائر الناس وحياتهم. لعلّ الذين لم يتعلموا من حياته الكثير أن يتعلموا من موته، الذين لم يتعلموا من رسالة فكره أن يتعلموا من رساله اعدامه.
*
لماذا نفتقد اليوم أنطون سعادة؟.. لماذا يبدو الفراغ والاحباط الذي يعيشه العرب مثل طريق مسدود بلا منفذ؟.. هل هذا الواقع من صنع الغرب، -كما هي الذريعة دائما-، أم هي من صنع أيدينا؟. ان من شروط الحياة الناجحة:
- الوعي..
- الجدّية..
- القراءة العلمية للواقع..
- المسؤولية الذاتية..
عندما يغيب أحد هاته، أو يجري التهاون فيه، أو يتراجع منسوب الدقة فيه، فعلى الفرد أن يتحمل مسؤوليته تجاه ما يجري ويترتب على تهاونه أو تجاهله. يقول الشاعر..
أننا نجني على أنفسنا..!
ثم نشكو ونقول مَن جنى!..
لقد اعتاد الناس تحميل القدر مسؤولية خراب حياتهم، ومع ظهور الاستعمار صاروا يحملون الغرب ومؤامراته مسؤولية كلّ ما في حياتهم وواقعهم من أخطاء، وفي النصف الثاني من القرن الماضي صاروا يحملون الحكومة مسؤولية كلّ شيء، وهم في كلّ ذلك براء من كلّ شيء. لأن الفرد لا يخطر له أن تقاعسه أو تجاهله الشيء أو صمته وخنوعه هو بحدّ ذاته فعل تترتب عليه ردود أفعال وانعكاسات سلبية، سواء في الكارما أو الوافع التاريخي. لكن هذا الصمت والخنوع ليس أتعس من الفعل غير المدروس برؤية علمية وحكمة. لا يوجد فرد خارج التاريخ والواقع، ولكن يوجد فرد اختار أن يكون على هامش التاريخ أو الواقع، أو تحت سنابك خيله.
ولا شكّ أن ما يحصل اليوم هو متوالية منطقية من أفعال وردود أفعال، محركات ومتحركات متعاقبة ومتداخلة، مبنية على خطأ. والخطأ مهما صغر في الرياضياات فلن يسمح بالوصول إلى الصواب. ان الحياة لا تتيح مجالا (للسلبية)، وليس من خيار آخر للانسان بدون استخدام ذكي وواعي وجاد ومسؤول لعقله. والعقل العاجز عن الابداع أو المعالجة، فليس عاجزا عن الاختيار. وسيرورة الحياة هي جملة من خيارات واختيارات قام بها الفرد ومنحها فرصة التحقق. منذ بداية وعي الطفل يبدأ في الاختيار والميل لطعام يفضله، ونوع من الثياب والأحذية يلتصق بها، ويختاج عددا من الأفراد داخل العائلة ونوعا من الناس خارج العائلة يشكلون مجتمعه الصغير والكبير. اختيار الرسم أو الرياضة أو الموسيقى أو الفيزياء أو الفلسفة أو السياسة أو النساء، والخصائص التفصيلية لكل نوع وجنس يختاره، كلها خيارات تشكل مادة حياته. هو يختارها بنفسه، وعندما يترك سواه ليختار له فذلك بإرادته ومسؤوليته. ولذا، فليس لهذا الشخص أن يشكو أو يحمل سواه مسؤولية معاناته. حان الوقت ليتحمل كلّ شخص مسؤولية ما يفعل وما يجري له. أما عدم التبصر وقصر النظر أو سذاجة تفكيره فالمسؤول عنها هو الشخص الفرد نفسه. وأعتقد أن مجتمعنا ما زال سلبيا على العموم لعدم استعداد أفراده التصرف بالجدية اللازمة، ونقص الوعي التاريخي. والمقصود بالوعي التاريخي أن كل فكرة أو سلوك فردي مهما بدا محدودا أو عديم القيمة، فأنه يشكل لبنة في البناء التاريخي الحي من حياة الفرد والمجتمع. وكما نحتمل -نحن- اليوم أوزار سابقينا، فأننا بعدم معالجة تلك الأوزار وتخطيها، نكون مسؤولين في توريث تلك الأوزار للاحقينا. أن وضع حدّ للسلبية وتكرار التاريخ هو أحد مضامين رسالة أنطون سعادة الحقيقية، ومبرر مشروعه الفكري.
وأخيراً.. نبقى مع كلماته الأخيرة على الصليب.. عسى أن نتعلم منها
لي كلمة أريد أن أسجلها للتاريخ!..
لا يهمني أن أموت، بل من أجل ماذا أموت!..
ما أُعطِيَ لأحد أن يهين سواه!..
لا تهمني الأيام التي عشتها، بل الأعمال التي قمت بها!.
وعندما سأله القس إذا كان يريد أن يعترف، أجابه: نعم.. ولكن بماذا أعترف!!..
وهذا هو ما فعله يسوع في بلاط بيلاطس، الذي كان بلا خطيّة، صار خطية لأجلنا!..
سامي فريدي/ لندن
ــــــــــــــــــــــ
* أنطون سعادة (1904- 1949) مؤسس الحزب القومي الاجتماعي السوري في نوفمبر 16/ 1932. له آثار فكرية سياسية وأدبية منها : نشوء الأمم، الوصايا العشر، رواية فاجعة حبّ، سيدة صيدنايا. جمعت أعمال الكاملة في (5400) صفحة.
* قيل عنه وعن اغتياله..
- المفكر كمال جنبلاط: " سعاده رجل عقيدة ومؤسس مدرسة فكرية كبرى وباعث نهضة في أنحاء الشرق قد يندر لها مثيل " (الاستجواب الأول للنائب كمال جنبلاط دفاعاً عن أنطون سعاده في مجلس النواب اللبناني بعد إعدامه بتاريخ 16 آب 1949 منشور في النهار 17 آب 1949 نقلاً عن كتاب "قصة محاكمة أنطون سعاده وإعدامه" للصحافي أنطون بطرس الطبعة الثانية بيروت 2002 صفحة .
- الأمير فريد شهاب: " أنا لبناني قبل أي شيء آخر ولكنني لو عرفت إن لبنان سيصل إلى ما وصل إليه اليوم، لحاربت مع أنطون سعاده "( من مقابلة مع الأمير شهاب في مجلة صباح الخير العدد256 بتاريخ 12-7-1980).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنباء متضاربة عن العثور على حطام مروحية الرئيس الايراني


.. العراق يعرض على إيران المساعدة في البحث عن طائرة رئيسي| #عاج




.. التلفزيون الإيراني: لا يمكن تأكيد إصابة أو مقتل ركاب مروحية


.. البيت الأبيض: تم إطلاع الرئيس بايدن على تقارير بشأن حادثة مر




.. نشرة إيجاز - حادث جوي لمروحية الرئيس الإيراني