الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (5-5)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2011 / 7 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس المقصود بالمطلق الإلهي (الإسلامي) سوى الكلّ المتسامي في مجرى الإبداع الثقافي، والمرجعية الروحية التي يستمد الجميع منها شعاع الأمل وبريق الرؤية وقواعد المنطق وحجج الجدل ورموز التأمل وصور التفكر والرغبة في الامتثال له وتمثله. وقد تغلغلت هذه الحصيلة بصورة واعية وغير واعية في صرح البنية التاريخية للخلافة وكيانها الروحي. فقد تمثل الإسلام في فكرته الإصلاحية حصيلة التاريخ الجاهلي. ومن ثم استطاع أن يذلل في ذاته التطور "الطبيعي" للجاهلية، وبالتالي قطع احتمالاته المتنوعة، ناقلا إياها من تيار الزمن إلى تاريخ "الصراط المستقيم". وهو سبب تحول الإسلام إلى بداية التاريخ العربي ووعيه الذاتي.
إن القطع الحاد الذي مارسه الإسلام على مجرى التطور "الطبيعي" كان الصيغة المناسبة لتدخل الفكرة الروحية في جسد التاريخ الهامد. وفي هذه العملية جرى صنع الكيان العربي – الإسلامي، عبر نقل العرب من زمن ما قبل الدولة إلى تاريخ الدولة والمدنية. مما أدى إلى أن يكون التاريخ العربي الجديد حلقة في سلسلة "الصراط المستقيم". وقد حدد هذا بدوره صيرورة المرجعيات الجديدة لوحدة جديدة (الأمة). وبهذا يكون الإسلام قد تمّثل معالم الصراط المستقيم في مساعيه الإصلاحية حقيقة الوحدانية، باعتبارها مرجعيات متسامية دون أن يحددها بقواعد صارمة. مما بلور بدوره إمكانية نشوء مختلف البدائل ضمن ما يمكن دعوته ببدائل المطلق الإلهي.
ولعل مفارقة الظاهرة تقوم في أن هذا التنوع المحتمل هو النتيجة المنطقية لغياب المنطق، والنتيجة الملازمة لتلقائية الوحي، التي لم تكن بدورها فعلا سائبا بقدر ما كانت تعكس في ذاتها نظام الوحدانية. لقد تضمنت المنطق كنظام للإيمان والعمل، والغاية والوسيلة دون أن تحوله إلى نظام ثابت. واحتوت هذه التلقائية بذاتها على عناصر الرسالة الإصلاحية بوصفها نظاما روحيا موجها للمساعي العملية. مما ساهم بدوره في إبداع نظام الوجود الاجتماعي وعرضه الدائم على محك المثال المطلق. ولا تتعارض هذه الظاهرة مع دراما الاحتمال في التاريخ. إذ ليست دراما التاريخ واحتمالاته المتنوعة سوى التمظهر الدائم للروح الثقافي بوصفه عقلا عمليا وعقلا نظريا ووجدانا معرفيا للأمة، وللجسد الثقافي بوصفه سلطة حكومية وشريعة فقهية وحركات سياسية للجماعة. وقد وضع الإسلام هذه المكونات فيما يمكن دعوته بالروح الوحداني في العقيدة، والروح المتسامي في القيم، والروح الوحدوي في الأمة.
بهذا يكون الإسلام قد أعطى للماضي بعدا يتجاوز تجاربه العابرة عند الأفراد والجماعات، وللمستقبل بعدا يجذب نحو مرجعياته المتسامية حركات الإصلاح، بينما يبث في حركته المبدعة روح الإصلاح في جسد الأمة الناشئة معطيا لها هوية الجماعة. وبهذه الطريقة أعطى للقرآن والسنّة مرجعية الروح، وللأمة والجماعة مرجعية الجسد. وهي ثنائية لا تقلّ إشكالاتها التاريخية تعقيدا عن إشكالاتها المعرفية وذلك بسبب تمحور نشاط القوى الاجتماعية بين أصول الدين الثابتة ومبادئ السياسة المتغيرة. ذلك يعني أن ميدان هذه الثنائية هو نفس ميدان الوجود التاريخي للأمم والحضارات، أي ميدان صراع المصالح والسلطة والعقائد والأيديولوجية.
فأصول الدين الكبرى تتصف بالثبات من حيث رمزيتها بالنسبة للوعي التاريخي، ومصدريتها بالنسبة للتأويل. بمعنى جوهريتها في العلم (المعرفة). أما مبادئ السياسة المتغيرة، فإنها متغيرة من حيث أثرها المباشر في الوجود التاريخي للدولة. بمعنى جوهريتها بالنسبة لكينونة الجماعة والأمة. من هنا تجليات الثنائية الإسلامية للروح والجسد في مرجعيات الدين والدنيا، التي استندت، شأن غيرها من المرجعيات، إلى مصادر الإسلام الأولى أو مرجعياته الأولى مثل مرجعية الله في القرآن (الدين) ومرجعية النبي في الدنيا (السياسة) وتحورهما اللاحق في أولوية القرآن والسنّة بالنسبة للاجتهاد، وتمظهرهما الثقافي في الإجماع والاجتهاد، بحيث احتل الإجماع موقع القرآن في اليقين، والاجتهاد موقع السنّة في العمل. ومنهما نشأت مرجعية العلم والعمل.
كانت هذه المرجعيات الثقافية نتاجا للاجتهاد التاريخي للمسلمين. فقد احتوى الإسلام على روح الإصلاح كما احتوى روح الإصلاح على مرجعياته الأولى، التي شكلت مقدمة ما يمكن دعوته بفلسفة الحدود الوحدانية والاعتدال. وفي هذا كانت تكمن الاحتمالات المتنوعة في الواحدية الثقافية للخلافة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية بعد أدائه -الكارثي-


.. أوربان يجري محادثات مع بوتين بموسكو ندد بها واحتج عليها الات




.. القناةُ الثانيةَ عشْرةَ الإسرائيلية: أحد ضباط الوحدة 8200 أر


.. تعديلات حماس لتحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسط




.. عبارات على جدران مركز ثقافي بريطاني في تونس تندد بالحرب الإس