الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تصل المشاكل إلى هولندا..!!

باتر محمد علي وردم

2004 / 11 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما يعتقد البعض أن الحديث عن المشاكل التي يتعرض لها العرب والمسلمون في هولندا حاليا هو من قبيل الترف في الوقت الذي تعاني فيه الفلوجة الدمار والموت , وحرب الإبادة، ويدخل الشعب الفلسطيني مفترقا سياسيا خطيرا، ولكن الواقع أن ما يحدث في هولندا له تأثير مباشر على كل العرب والمسلمين وعلاقاتهم مع العالم، وما يتضمنه من خمس مليارات شخص من غير المسلمين.
كنت أتوقع أن تحدث مشاكل تعصب وعنصرية ضد العرب والمسلمين في كل مكان في العالم، إلا في هولندا، فقد أمضيت فترة بسيطة من الوقت في هولندا العام الماضي، وخرجت بقناعة تامة بأن هذا البلد هو أجمل بلاد الدنيا وأكثرها تسامحا وحرية وانفتاحا.
الشعب الهولندي ودود ومنفتح تجاه الجميع، والمدن الهولندية ملتقى لكل الجنسيات والأعراق. وقد شاهدت تنوعا في الأعراق والأشكال والثقافات وأنا جالس لمدة نصف ساعة أتناول الفلافل والحمص في مطعم عربي في ساحة القطارات المركزية في أمستردام ما لم أشاهده لساعات طويلة حتى في شاشات التلفزة. والأهم من ذلك أن هذا المجتمع متناسق وهادئ ومسالم.
وقد رأيت العرب والمسلمين في هولندا في أحسن اوضاع، وحتى اللاجئين غير الشرعيين كانوا يحصلون على رواتب من الحكومة الهولندية واوضاع معيشية افضل من كل البلدان العربية والإسلامية، وكانوا يملكون كل أنواع الحريات في العبادة والتعبير الثقافي والسياسي نحسدهم عليها جميعا في العالم العربي. وقد رأيت هناك مسلمين في أثواب ولحي لو ظهروا بها في بعض الشوارع العربية لتم إلقاء القبض عليهم فورا!
أما التيارات العنصرية الهولندية فكانت ضعيفة جدا، وتحظى بإزدراء الغالبية العظمى من الشعب الهولندي، وكل المؤسسات السياسية الهولندية كانت تدعو إلى رفض العنصرية والاستمرار في سياسات التسامح والليبرالية والانفتاح.
ولكن حماقة واحدة من شاب عربي مهاجر غير شرعي تسببت في قتل المخرج السينمائي الهولندي ثيو فان جوخ قلبت هذا الهدوء والراحة رأسا على عقب. المخرج الهولندي شخص جاهل بكل معنى الكلمة، وقد أساء إلى الإسلام بشكل كبير، ولكن هولندا تقدم كل الفرص المتاحة لأي شخص لمعارضة المخرج سلميا سواء في الكتابة أو تنظيم المسيرات أو الأعمال الإبداعية أو حتى تقديمه إلى القضاء، ولكن لا يمكن لأي أحد في دولة مثل هولندا أن يتقبل فكرة قيام شاب مهاجر من ثقافة مختلفة بقتل رمز فني هولندي لأن أراءه لم تعجبه.
هذه الحماقة أعطت الفرصة للتنظيمات هولندية متطرفة والتي لها امتدادات في فرنسا وألمانيا بالتهجم على أماكن الدراسة والعبادة الإسلامية، وبات العرب والمسلمون في هولندا موضع الشبهات ليس لأنهم مسلمون بل لأن واحدا منهم للأسف هو الذي تجرأ على انتهاك عقد التسامح والانفتاح الاجتماعي والثقافي في هولندا.
وقد تحركت أجهزة الأمن الهولندية، وبدأت باستثمار الحادثة في ملاحقة مجموعات من العرب المشكوك في انتمائاتهم وسلوكهم بناء على تقارير استخباراتية أوروبية وأميركية وتزايدت حملات المداهمة لبيوتهم وأماكن تجمعاتهم وتم ترحيل الكثير منهم إلى خارج هولندا وهذه خطوات كان من الصعب القيام بها بدون وجود حادثة سلبية لإعطاء المبرر. ولكن الأخطاء كانت تتوالي من قبل بعض العرب والمسلمين في المقابل ومنها التهديد بقطع رأس نائبة في البرلمان الهولندي من اصول صومالية لأنها تجاهر بآراء لا تعجب المسلمين.
في العالم العربي والإسلامي يمكن بسهولة حل الخلافات الثقافية بالرصاص والعنف لأن الطبيعة الثقافية والسياسية والاجتماعية تتضمن الكثير من التعصب، ولكن في هولندا وكل دول أوروبا لا يمكن قبول اللجوء إلى العنف لحل الخلافات. ويجب الاعتراف بأن ما يتعرض له بعض العرب الآن في هولندا ناجم عن حماقة ارتكبها شخص واحد ولكن يجب أيضا رفض ردود الافعال المبالغ بها من قبل بعض الهولنديين واستثمار كل فرص التسامح والحرية في هولندا للدفاع عن الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية للمجتمع الإسلامي والعربي فيها ضمن القوانين والأنظمة الهولندية الكفيلة بحماية هذه الحقوق دون اللجوء إلى العنف.
تجربة هولندا توضح مدى أهمية تكيف العرب والمسلمين مع قوانين البلدان التي يختارون بإرادتهم العيش فيها، فلا يمكن ان تعيش في دولة ذات تقاليد وأنظمة يتفق عليها شعبها وتحاول الاعتداء عليها بل ينبغي احترام هذه التقاليد خاصة إذا كانت تجعل العرب والمسلمين يتمتعون بحقوق كبيرة مثل ما يحدث في كل دول أوروبا الغربية والشمالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة