الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوظيف السياسي للمساجد ومأزق العدل والإحسان

ليلى محمود

2011 / 7 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إستقبل عدد كبير من المواطنين باستهجان ورفض، خطوة تسخير الدولة للمساجد في الحملة الدعائية للتصويت لصالح الدستور الجديد،عبر تعميم خطبة موحدة ألقيت خلال صلاة جمعة 24 يونيو؛ ركزت مضامينها على ما أسمته بالمرتكزات الكبرى التي جاء بها دستور 2011 وبشكل خاص التأكيد على إسلامية الدولة وثوابت الأمة والمساواة في الحقوق والواجبات... داعية إلى التصويت بكثافة لصالح الدستور، باعتباره صادر عن ولي الأمر امتثالا للآية: ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم..

إن استغلال أماكن العبادة للدعاية السياسية هو أحد مرتكزات الدولة الدينية "الثيوقراطية" ؛ التي يحكم فيها البشر باسم الله والدين تغليفا لمصالح طبقات وفئات اجتماعية مسيطرة ،هدف الحكم الأساسي هو حماية هذه المصالح وتأبيد هذه السيطرة .
ونظام الحكم بالمغرب يمثل أحد أشكال الدولة الدينية ، التي لها دين رسمي يتم الحكم باسمه وباسم الدفاع عنه ،ولحاكمها مركز ديني هو ما يخول له سلطات الحكم و يشرعن ممارستها...وبالنظر إلى محورية دور الدين في تبرير وشرعنة الحكم في مثل هكذا دول ، كان نتاجا ولزاما أن تكون أماكن العبادة وممارسة الشعائر الدينية فضاءات أساسية لتمرير الآراء والمواقف السياسية الرسمية، ومد المجتمع بجرعات المحافظة والخرافة بما يضمن استمرار سيطرة الطبقات والفئات الاجتماعية الماسكة بزمام السلطة ، والحفاظ على مصالحها وتأمينها،بل قد يتعدى دورها إلى التشهير بالمعارضين للدولة وخياراتها السياسية والاقتصادية والتهجم عليهم وعلى أعراضهم،واتهامهم بالخروج عن الدين ومعاداته والهرطقة والكفر والإلحاد...

وعليه فإن استنفار الدولة لأئمة المساجد من أجل المشاركة في الحملة التعبوية للتصويت ب " نعم " للدستور المعروض للاستفتاء، هو من صميم الممارسات المنسجمة مع طبيعة الدولة الدينية القائمة بالمغرب. و كما سبق أن أشرنا، خلف الأمر إستياء و استهجانا لدى الكثير من المواطنين،بمن فيهم بعض المؤيدين للتعديلات الدستورية الجديدة،وكذا من طرف الأحزاب والتنظيمات والفعاليات السياسية المعارضة للدستور و الداعية إلى مقاطعة التصويت عليه، بما فيها جماعة " العدل ولإحسان " إحدى تنظيمات " الإسلام السياسي " بالمغرب. و معلوم أن كل تنظيمات " الإسلام السياسي " تقوم على توظيف الدين الإسلامي في الصراع السياسي، والدعوة إلى الدولة الدينية الإسلامية ،و تقدم نفسها بديلا ناطقا باسم الله و حاميا للإسلام و داعيا للحكم بما أنزل الله ، فكيف يستقيم الربط بين هذه الأسس من جهة و رفض توظيف الدين و المساجد سياسيا من طرف الدولة من جهة أخرى ؟!

لقد انتقدت جماعة العدل والإحسان ما أسمته في افتتاحية بموقعها الإلكتروني الرسمي ب " التوظيف الفج للدين والمساجد " و " فرض الرأي الأوحد على المواطنين " ، كما اعتبرت في تقرير لدائرتها السياسية منشور في نفس الموقع ، أن من بين الخروقات التي عرفها استفتاء 1 يوليوز " إقحام المساجد " و " ربط المشاركة في الاستفتاء بالواجب الديني " و " التسويق للرأي الداعم باعتباره الموقف المطلوب شرعا " .

يشوب موقف جماعة العدل والإحسان بخصوص المسألة المعروضة أمامنا الكثير من الغموض واللبس والتردد، نتيجة المأزق الذي وجدت الجماعة نفسها واقعة فيه ، فهي لم تنتج موقفا واضحا وقطعيا يرفض و يدين إستغلال المساجد والدين بشكل عام في الصراع السياسي، كما لاتقبل أن يكون هذا الإستغلال دفاعا عن آراء ومواقف تتعارض و رأي الجماعة ومواقفها كما هو الحال في الدعوة إلى التصويت على الدستور و لصالحه.
جماعة " العدل والإحسان " لا تقوى على الرفض القاطع لتوظيف الدين و المساجد في الصراع السياسي، لأنها كتنظيم ينتمي إلى حركة " الإسلام السياسي" _ كما سبق أن أشرنا _ تقوم أساسا على توظيف الدين واستغلاله سياسيا، بل إنها تقدم مشروعها للحكم على أنه هو " الحكم بما أنزل الله " ، وأن حكمها هو نفسه " الخلافة على منهج النبوة " الموعودة ، فاقتصر نقدها على ما أسمته " التوظيف الفج للدين والمساجد " لا على " التوظيف " بشكل عام ، ممهدة الطريق مستقبلا لتوظيف مشروع " غير فج " لن يحقق إلا بفتح منابر المساجد في وجه حاملي مشروع " الحكم بما أنزل الله " و " الخلافة على منهج النبوة " و " القومية الإسلامية " ليبينوا للمغاربة صحيح الدين وطريق صلاح الدنيا و الآخرة و المواقف المنسجمة مع الشرع ، وفق ما يحلو و يروق لولي الله الصالح " عبد السلام ياسين " و زمرته. آنذاك يتحقق مطلب الجماعة الهادف إلى " عدم فرض الرأي الأوحد على المواطنين " !! لكن هل يتعلق الأمر هنا بموقف مبدئي للجماعة يدعو إلى فتح مجال الخطابة في المساجد في وجه مختلف الفرقاء السياسيين لتقديم آرائهم بخصوص مختلف القضايا ؟
بالأمس غير البعيد ، عندما تجند فقهاء المساجد في كل ربوع الوطن،و بتوجيه من الوزارة الوصية عليهم،للهجوم على بعض المقترحات التي جاءت بها " الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية " الخاصة بتعديلات في فصول بمدونة الأحوال الشخصية ، كما كانت تسمى إذاك، باعتبارها خروجا عن الدين و تشريعا للإنحلال ، وأصبحت منابر خطب الجمعة فضاءات للتشهير و القذف في حق مناصري تلك المقترحات وكل المدافعين عن تحرر النساء من الأوهام والقيود الرجعية ، و التحريض ضدهم و كيل الاتهامات في حقهم بالزندقة والإلحاد ...لم تبد جماعة " العدل والإحسان " أي إعتراض أو رفض لهذا التوظيف الذي قد تعتبره " غير فج " !! للدين و المساجد ،و لم تدن أو تنتقد " فرض الرأي الأوحد على المواطنين - إن اعتبرنا أن التكفير والتحريض رأي - ، و لا " تسويق - رأي - الخطباء باعتباره الموقف المطلوب شرعا‘‘، بل و تصوير الرأي المخالف على أنه كفر بواح وارتداد عن صحيح الدين بما يترتب عن ذلك من تحريض مباشر ضد أصحابه.على العكس من ذلك كانت الجماعة جزءا و طرفا رئيسيا في هذه الممارسات ، لأنها تتوافق وتصوراتها ومواقفها المعادية لا للمشروع الحكومي المقترح آنذاك، بل لتطلعات وطموح نساء و رجال و شباب هذا الوطن إلى تحقيق تحرر فعلي وحقيقي على كافة المستويات .. ألا يعكس الأمر السياسة بوجهين والإنتهازية المقيتة التي تتخذها الجماعة أساسا لنهجها وسلوكها؟.

لقد تبين إذن أن جماعة " العدل والإحسان " لا تتبنى موقفا مبدئيا معارضا لتوظيف الدين و المساجد في الصراع السياسي، كما أن نقد فرض الرأي الواحد داخل المساجد ليس مبدئيا هو الآخر ، بل ظرفي مرتبط بحالة الدعاية للتصويت على الدستور ولفائدته ، لا لشيء إلا لأن الموقف الذي جندت له المساجد وخطباؤها يعارض و يناقض موقف الجماعة الداعي إلى مقاطعة الاستفتاء والتصويت. كما لو أنها هوجمت بسلاحها هي ، فلا هي قادرة على إدانة استعمال السلاح لأنه سلاحها هي ، و لا هي قادرة على الصمت والتسليم للهجوم لأنه يستهدفها هي. إنه المأزق الذي وقعت فيه الجماعة وهو أصل التذبذب و اللبس الذي شاب موقفها.

إن تنظيمات " الإسلام السياسي " و منها جماعة " العدل والإحسان" ليست بأي حال بديلا شعبيا وتحرريا عن النظام الرجعي القائم بالمغرب .

إنها تعيد إنتاج نفس الأسس التي يقوم عليها ونفس الآليات والممارسات التي تضمن ديمومته وتحافظ عليه ، و في مقدمتها تقديم مواقفها و تصوراتها و برامجها ،التي هي في حقيقة الأمر تعبير عن مصالحها و مصالح الفئات الإجتماعية التي تمثلها وتنتمي إليها، على أنها المواقف الشرعية ، و برامج الله و الدين و شرائعه . و اعتبار أماكن العبادة و ممارسة الشعائر الدينية المكان الأمثل للدعاية والاستقطاب السياسيين، و تصفية الحسابات ضد التيارات السياسية المخالفة لها و ضد مناضليها ونشطائها.

إنها تشكل تهديدا و خطرا على المكتسبات الإجتماعية و الديمقراطية البسيطة التي انتزعها الشعب المغربي عبر نضاله المرير إلى جانب القوى الديمقراطية والتقدمية ، و قدم في سبيلها مئات الشهداء والمعتقلين...والتي ستصبح في مهب ريح التفاسير الخاصة للآيات و الأحاديث و القفز الخلفي على التاريخ الحديث والمكتسبات التي حققتها البشرية خلاله ، فيعود شعبنا القهقرى ، و يفرض عليه المزيد من التخلف والانحطاط والعبودية باسم تطبيق شرائع الدين والإقتداء بالسلف، و تفرض عليه معارك وصراعات هو في غنى عنها في اللحظة التاريخية هاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحو التحرر من الظلامية المقيتة
محمد الغمري ( 2011 / 7 / 14 - 14:52 )
تحية عالية لك مقال تحليلي رائع

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah