الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هامش المناورة عند الإسلاميين

مهدي الحسني

2004 / 11 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل نمتلك نحن الشرقيون أو الشرق أوسطيين هامشاً للمناورة ؟
يتميز الشرقيون عن الغربيين بأنهم أحاديي العلاقة والتوجه، فهم يمتلكون علاقة ذات بعد واحد، لايقبلون ولا يريدون أن يجربوا غيرها، فلا يستطيع أكثر الشرق أوسطيين من إقامة علاقات أو أفكار ذات أوجه كثيرة أو الوان متنوعة فيما بينهم أو مع غيرهم. ويعتبر الكثير منهم أن الانفتاح بالعلاقة يمثل نوعاً من النفاق الاجتماعي أو السياسي أو الديني. وقد ألفوا هذا النوع من العيش، معتمدين على ظنهم الموهوم بأن الثبات على موقف واحد يمثل الإلتزام الشرعي.
وهذا يعود الى سببين: الأول يعود الى تلقيهم القسري لنوع واحد من التربية والثقافة، فالذي أخذناه من موروثنا الثقافي هو الأسود والأبيض، الليل والنهار، السماء والارض، ثم الدنيا والآخرة.. والسبب الثاني: هو افتقادهم للقدوة السياسية والدينية المناوِرة أو المحاوِرة، فهؤلاء سدوا منافذ التعلم بوجه الأجيال بسلوكهم ومن ثَمّ بقراراتهم، السلطة السياسية لا تدع شعبها يقرأ ما يريد بل عليه أن يقرأ ما تريد. والسلطة الدينية كذالك قننت لاتباعها ما ( يجب) عليهم أن يقرؤوه. لذا طُبع سلوكنا بطابع الانفعال والتحول الفجائي لأنه يفتقر الى التدُّرج والإنسيابية، فلا يصدر منا إلا الموافقة الكاملة أو الإصطدام. وفي نهاية المطاف أصبحنا كالقطار لا يحسن السير الا على سِكَّتِه، وشتان ما بين القطار الذي تمنِّ عليه السكة فهي عينيه وأذنيه ورجليه بل ويديه، وبين الطائر الذي يحلق شادياً لا يعرف الحدود ولا السدود ولا القيود ولا الجنسية ولا الهوية، فلا يعرف غير مصلحته ومتعته وواجباته.
هذا النسق الواحد واللون الواحد في التعاطي مع الأمور والأحداث أراه وبدرجة شاملة تقريباً يغلب على سلوك الإسلاميين ومن يعيش معهم من أبناء المجتمع الإسلامي من الليبراليين والعلمانيين بل أراه يغطي جميع الدرجات العلمية والمذهبية، ولا يشذ من هذا التعميم حتى المسيحيين واليهود والصابئة وبقية المكونات الاجتماعية التي تعيش معنا في الشرق الأوسط والمنطقة العربية إلا القليل منهم ومنا .. ولا عيب في ذلك إذ أن المعايشة تصهرنا جميعا رضينا بها أم لم نرض.
ولهذا نجد أنفسنا عندما نقلب آثارهم في كتاباتهم وتحليلاتهم وسلوكهم وجميع فعالياتهم نجد أنفسنا نسير بإتجاه محور السينات أو الصادات مختزلين جميع الخيارات الأخرى. فلا زوايا حادة ولا منفرجة ولا غيرها، فلا نرى إلا زوايا قائمة أو منبطحة بالكامل.
ففي جانب العقيدة يكون الفرد في نظرهم إما مسلماً او كافراً، وفي العمل إما وديعاً أو منافقاً، وفي الجنس إما قديساً أو إباحياً، والسياسي إما عميلاً وإما وطنياً وقس على هذا باقي الامور. كأننا أمة كتب علينا التطرف فاتخذناه قدراً لنا:
وإنا لـقوم لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
إما أن نعيش في التفريط او الافراط، تارة نفدي الرئيس بأرواحنا ودمائنا وأخرى نسحله بالشوارع والطرقات، وكأن التوسط بيئة لا تصلح للنمو والحياة لأمثالنا ربما بسبب أن الأوكسجين فيها من نوع آخر لا ندري فالله العالم.
فما هي شروط التنظير السديد؟
إن التنظير الذي نمارسه في حياتنا الفكرية والسلوكية يكاد ان يخلو من او لا يختزن بدرجة أو أخرى:
1- تجارب القرون السابقة، 2- الواقع المعاش، و 3- إستشراف المستقبل.
فكما أن الذي يكتب بالعربية لايستطيع الكتابة بدون معرفة الأبجدية العربية كذلك لا يستطيع المفكر أن يكتب ولا المنظر أن يُنََظر إلا أن يستحضرهذه الشروط الأساسية لضمان سداد تنظيره. ومن يدير ظهره لهذه الشروط يضمن لنظريته مكاناً في سلة المهملات. تأسيساً على هذا، فأنا لا أعتقد أن الخلل - الذي يتراءى لأكثر المفكرين - يكمن في كفاءة أو لياقة النصوص الإسلامية المقدسة، ويحملونها مسؤولية هذا الخلل البين في جميع أحوالنا، إنما يكمن الخلل في تقديسنا لتفسير تلك النصوص، وجمودنا عليه، متناسين أن في الإسلام مساحة رحبة عرضها السماوات والارضين تركت لاجتهادات المجتهدين، ولآراء المجربين ولتعدد وجهات النظر ومكامن الحكمة، ولكن ما ذنب الإسلام إذا خنقه علماؤه بالتشدد لأنهم فارقوا الإجتهاد واتكلوا على التقليد، وخنقه اتباعة ومعتنقيه بالتساهل؟ لأن ما يقدم لهم ما هو إلا بضاعة بائرة. إنهم اكتفوا باجتهاد (السلف الصالح!!!) ونسوا أو تناسوا قاعدة (لكل زمان رجاله). نحن لا نريد إلغاء ما نرثه كلياُ ولكن علينا أن نفهم ما نرثه، علينا أن تجتهد ونختار ما يناسب ظروفنا، أن نناقشه لأن كثيراً مما ورثناه قد تتداخل فيه الخرافة مع الحقيقة، والمسند مع المرسل، من أين جاءت لنا كل الخرافات التي حدقت بالأديان؟
أن حقوق الانسان، وحقوق المرأة، وحقوق البحث العلمي، والحرية الفكرية، والشخصية، والدينية، والسياسية مكفولة في الإسلام، وأكثر من ذلك أُمرنا بالتعقل، والتفكر، والنظر، وطلب العلم، والعدالة، والميزان، والحوار، والجدال بالتي هي أحسن، وذم التسليم والركون إلى ما وجدنا عليه آبائنا والتعصب، لأن التعصب يغلق العقل ويسلبه المناورة. ولكن ما ذنب النظرية الإسلامية إذا تحول القائمون عليها الى شرطة يذودون عن فكر السلف، وصاروا قضاة بدل ان يكونوا دعاة؟ كذلك ما ذنب الفكر القومي وغيره من الأفكار إذا ترك دعاته وظيفتهم وتحول حملته الى شرطة؟. بهذه الموضوعية في تناول الأفكار والنظريات السابقة (القديمة) وتقييم نتائجها نستطيع أن نكتشف بوضوح مستقبل نظريات الإباحية (الجديدة) مثلما إكتشفنا نتيجة الإنغلاق الجنسي، ونكتشف مستقبل العلمانية مثلما كُشفت لنا نتيجة تحكم الفكر الشمولي حزبياً كان أو دينياً. ولنا أن نتساءل من يضمن لنا من دعاة الإباحية الجنسية مثلاً ألا نبتلى بأمراض وكوارث أهونها الإيدز والسارز؟ ومن يضمن لنا من دعاة العلمانية أن لا ننزلق لحالة الفوضى العارمة والإنفلات القيادي في الكرة الارضية؟ ومن يضمن لنا من دعاة الإسلام أن لا تعود دولة الأمويين والعباسيين والصفويين والذي ذبحوا خلق الله بسكاكين الله. فمستقبل النظريات الحديثة لا يقل خطرأ أو غبشاً في الرؤية عن سابقاتها.
أنا اقدر وأثمن تلك القلوب البريئة، والأقلام النظيفة، والهمم التواقة، والنفوس المضحية، التي تتبنى فكرا مغايراً للإسلام، أو تقدم لنا إجتهاداً جديداً متبنياً للإباحية الجنسية، أو العلمانية، بدوافع إنسانية وحسن نية. ولكن أقول لهم إن لاجتهاداتهم اجتهادات مناهضة تأتيهم بغتة وتهاجمهم بالمجان ومن دون إنذار. هذه سُنّة قاهرة يكتشفها أي مفكر يعتمد إستنطاق الماضي وإستحضار الواقع المعاصر وإستشراف المستقبل. ومن خصائص هذه السُنّة أنها تلعب دوراً أمفوتيرياً (حامضياً في الوسط القاعدي، وقاعدياً في الوسط الحامضي)، فهي تُُخرج المصلحة من رحم المفسدة، وتُخرج المفسدة من رحم المصلحة ولا تتوقف ولا تنثني أبداً. هذه السُّنة قد داهمت أفكار ومتبنيات الأنبياء والطواغيت على السواء وفي آن واحد، ولم تترك أحداً منهم ينام قرير العين في قبره أبداً. لأن جوهر هذه السُنّة هو الأنانية ومطيتها هو الجهل والسطحية والاستعجال وهو شأننا السائد حالياً، كما أن شفيعنا منها هو العلم بمنتهاه (الماضي والحاضر والمستقبل) الذي سنرتقي من خلاله إلى خيار تغليب المصلحة العامة. وكيف لنا أن نصل إلى منتهى العلم وفي كل يوم جديد من أيام العلم نكتشف أن أمسه كان ظلمات. فكل عالم أو مفكر أو حاكم ممن سبقونا جاءنا بنظرية تختزن خير الوجود ولم نكسب منها حتى السلامة، {أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا}. {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ}.
د. مهدي الحسني
17112004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 110-Al-Baqarah


.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل




.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر