الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


14 يوليو 1958ن حاجة محلية أم ضرورة دولية /3

سامي فريدي

2011 / 7 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


14 يوليو 1958 حاجة محلية أم ضرورة دولية /3
في كلّ ظاهرة عامة، ثمة نظرتان، مباشرة وغير مباشرة، وفئتان، انفعالية وتحليلية. ومنذ البدء كانت حركة تموز 1958 ضحية العاطفة والحماسة السريعة، فارتبطت الحركة بشخص أو أشخاص محددين، وتم تصوير الأمر في زاوية الصراع والانفعال الشخصي ، وبهذا تمّ افراغ الحركة من مضمونها الاجتماعي والتاريخي، وقطعها عن أي فرصة للخروج من نفق لحظتها والتجاوز إلى أمام، سوّرتها الشكوك والمخاوف، وتحولت إلى نوع من مجد شخصي أو ربما –تبعاً لذلك- جريمة شخصية، وهو ما انتهت إليه.
الزعيم الأوحد.. الزعيم المغدور.. الابن البارّ.. جرى تلخيص الحركة في شخص، فلا غرو.. أن يكون القضاء على الشخص، قضاء على (الثورة)، فكيف دعيت ثورة جماهير إذن، سوى أنها ثورة حماس منفعل، سرعان ما خمدت وخابت حين اصطدمت بصخرة الواقع.
أي معنى يمكن أن يستشف من هاته المصطلحات، وما هي القيمة الاجتماعية أو السياسية أو التاريخية لهكذا تعبيرات غير الاستهلاك السياسي ومتاهات اللغة وإشباع عجز الذات – من باب البلاغة وأغراض الفخر والمباهاة- بالكلام المدبّج.
في حفل افتتاح جمعية نسائية، كان صفان من النساء يحيطان بمدخل القاعة وهن في حال من تصفيق وهتاف وزغاريد، فيقول كريم لمرافقه.. أخشى لو استمر هذا أن يجعلني مغرورا. ويقول مؤلف كتاب (محكمة المهداوي)* ان حفنة من الغوغاء كانوا ينتظرون العقيد فاضل المهداوي خارج المحكمة، فيطلقون الهتافات له وكان هو مزهوا بذلك مما أفقده توازنه وأصابه الغرور وحبّ الظهور. ففقدت المحكمة هيبتها..
الواقع.. ان عبد الكريم قاسم كان ضحية اللغة.. الخطاب الاعلامي.. النفاق الاجتماعي والشعارات غير المسؤولة. ما هي وظيفة اللغة في هذا المجال؟.. أنها لا تتعدى الشرَك العاطفي الذي يثير ويجتذب ويستقطب، من خلال العاطفة والحماس والتأثر السطحي المباشر. وكما أشير في البدء، إلى كون التعويل على اللغة والانتهاء بها، ليس اكتشافا حديثا تنسبه حركة ما سياسية أو ثورية لنفسها، بقدر ما هو اجترار نمطي لواحدة من خصائص الذات الصحراوية المنقطعة عن الفعل التاريخي؛ فأن توظيف اللغة كشرَك عاطفي أو حماس خارجي، كان من بنات الفكر القرآني والاسلامي القديمة. وهو الشرَك الذي ما زال الفكر، الفرد، العقل المسلم يدور فيه، في مدارات متتالية من الأخطاء المتعاقبة، بحيث انتهت إلى خلاصة مفادها انعدام وجود اسلام صحيح. وكلّ حركة اجتهاد أو تأليف تزعم لنفسها زكاة التصحيح، قبل أن تتولى جماعة أخرى تخطئتها وتصحيحها، وإلى هذه الدوامة ترجع فكرة "السلفية"، كتعبير مجوّف يفتقد الأصل الثابت أو المتفق عليه، وكان من نتائج ربطه بشخص مؤسس ومقربيه عن إحاطته بالحصانة الدبلوماسية اللازمة أولا؛ ثم وأخيرا انهيار مقزمات تلك الحصانة المفترَضة، عندما صار كلّ (التاريخ المؤسس)* وشخص مبتدعه مادة للدراسة والتشكيك والدحض.
العقلية العربية، على العموم، وفي واحدة من خصائصها الذاتية، ما زالت تعتاش وتتظاهر بنفس الطريقة البدائية المتقوقعة داخل لغة مجازية. وبدا أن وصف الأمة بأنها (ظاهرة صوتية)* أو لغوية مناسبة للتفاخر، وليس دعوة لمراجعة الذات ومحاولة تصحيحها بما يعيدها إلى دائرة وعي الحركة التاريخية.
أقول .. ان الاعتياش على منتجات الماضي البعيد كمادة للتداول السياسي في إدارة الجماهير وقيادتها لتجاوز مرحلة عصيبة تعيد إليها ذاتها المستلَبة، انما هو هروب من المواجهة الحقيقية خلف متاريس الماضي، أولاً، ودفعا للمجتمع إلى أعماق حفرة بلا قرار. ويمكننا اليوم، بعد مضي نصف قرن أو أكثر على تلك التجربة، التأكد من فشلها، بل ونتائجها التدميرية على الذات الفردية والجمعية. ولسان حال الأمة يقول.. ليتها لم تكن، كلّ تلك المتاهات!.
لندن
سامي فريدي

ـــــــــــــــــــــــــ
• محمد حمدي الجعفري ـ محكمة المهداوي.. أغرب المحاكمات السياسية في تاريخ العراق الحديث- بغداد 1990.
• (التاريخ المؤسس) تعبير استخدمه خليل عبد الكريم، وهو عنوان أحد كتبه.
• (ظاهرة صوتية) تعبير استخدمه عبدالله العروي في توصيف العرب.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات| فيديو يظهر شجاعة مقاومين فلسطينيين في مواجهة جيش الاح


.. شبكات| مغاربة يدعون لمقاطعة مهرجان موازين بسبب غزة




.. عمليات البحث عن الرئيس الإيراني والوفد المرافق له


.. خبيرة بالشأن الإيراني: الدستور الإيراني وضع حلولا لاحتواء أي




.. كتائب القسام: استهداف قوات الاحتلال المتموضعة في محور -نتسار