الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية و التعليم في بلادنا تعيد انتاج التخلف

محمد نضال دروزه

2011 / 7 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


التربية والتعليم في المجتمع تعمل على بناء الذهنية العقلية: بطرق التفكير وإدراك المفاهيم وآداب السلوك في الأجيال الناشئة، من خلال تربيتهم وتعويدهم وتعليمهم المفاهيم والقيم والعادات والتقاليد والأعراف ومنجزات المجتمع من المعارف والعلوم والفنون والآداب المكونة لثقافة المجتمع.
تتميز المجتمعات عن بعضها البعض في مكوناتها الثقافية، والتربية والتعليم في أي مجتمع مرتبطة بمكوناته الثقافية. فالمجتمع الياباني مثلا بثقافته الماضوية المعتدلة والمنفتحة إلى حد ما أهلته للاستفادة في تطوره الثقافي من ثقافة المجتمعات العلمانية المعاصرة ... حتى في مناهجها التربوية والتعليمية. فانتقلت من ثقافة التخلف والاستبداد الى ثقافة التقدم والتحديث، حيث أن ثقافة المجتمعات العلمانية الديمقراطية تصنع ثقافتها وتربي وتعلم أجيالها الناشئة بعد الإشباع النفسي والجسدي الصحي في ميادين الحرية على الثقافة العلمية والنقدية وعلى حرية الاعتقاد وحرية التعبير ومساواة حرية المرأة بحرية الرجل. هذه التربية هي التي تؤهل الفرد في هذا المجتمع المشاركة في صناعة الحاضر والتأسيس لصناعة المستقبل والمشاركة في صنع القرار السياسي والثقافي. وقد استفادت أيضا من هذه المجتمعات ماليزيا واندونيسيا وتايلاند إلى حد ما، وأخذت تنفذ السياسات التنموية في مجتمعاتها، وهي تنتقل حاليا من التخلف إلى التحديث.
أما المجتمعات التي تصنعها ثقافتها الماضوية المتقوقعة على مصائب التخلف، فهي عاجزة عن صناعة حاضرها والتأسيس لصناعة مستقبلها، والمجتمعات العربية هي من هذه المجتمعات المتخلفة التي تستهلك المنتجات المادية التي تنتجها المجتمعات التي تصنع ثقافتها المعنوية والمادية. وما زالت المجتمعات العربية تتوضأ يوميا بثقافة الكبت والحرمان والخرافة والجهل المعرفي العلمي والاستبداد، ونادرا ما تتيمم بالمعرفة العلمية، وتجري عملية التربية والتعليم للأجيال الناشئة فيها في معسكرات الكبت والحرمان والجهل العلمي والاستبداد، وبهذا تعيد إنتاج التخلف بأجيالها الناشئة المتخلفة.
فالأطفال في البلاد العربية ما قبل المدرسة يثيرون الكثير من الأسئلة : أسئلة الاستكشاف والفضول والتعرف، أسئلة تتمحور حول القضايا الصغيرة وأخرى حول المسائل الكبرى المتعلقة بالحياة والكون، أسئلة تطرح قضايا نحن الكبار نرتبك أو نتلكأ في كثير من الأحيان من أن نسألها، أسئلة مثل : من أين جئت؟ ومتى اكبر؟ وهل سأموت؟ ولماذا يموت الناس؟ ولماذا تطير الطيور ولا نستطيع الطيران؟ وما معنا هذا؟ وما معنى تلك؟ وكيف حدث ذلك؟ وفيض من الأسئلة، فيتحرك الذهن ويتقد أسئلة تبحث عن المعرفة الواقعية.
لكن بحكم تربيتنا على ثقافتنا الماضوية المنغلقة على ثقافة مصائب التخلف غالبا ما تكون أجوبتنا غامضة وقامعة لحب المعرفة في عقول الأطفال، وما يكاد الطفل يصل إلى سن السادسة حتى تبدأ الأسئلة بالتراجع والانحسار، وتكون الإجابات الجاهزة والمسلمات الملقنة للطفل تغزوا عقله وتطفئ أسئلته وتعمل على تدجينه، بالرغم من تلقينه ببعض المعلومات العلمية.
تقوم أجهزة التربية والتعليم في هذا المجتمع بتلقين الطلبة والطالبات المعرفة الوهمية على أنها يقينية وتلقنه القيم المثالية والمفاهيم الملتبسة المتوارثة في الثقافة الاجتماعية ويجرى تطويعهم عليها، كما تلقنهم قيم الإتكاليه والطاعة والحلال والحرام والعيب والعورة، وقيم ومفاهيم الخرافات والخوف والاستسلام، وقيم الاستبداد الفكري والعقائدي والطائفي والسلطوي.
هذه هي القيم والمعارف والمفاهيم التي مازالت تكرس وجود هذا المجتمع في مستنقع الانحطاط والتخلف، ولهذا ما زالوا يرفضون العلم والمعرفة العلمية والتفكير العلمي. وبالتالي فهم لا يجرؤون الخروج أو التحرر من القيود الاجتماعية التي تربوا وتعودوا عليها، وإذا اضطروا الخروج عن هذه القيود فيكون خلف ستار إذا بليتم فاستتروا فتفشت آيات الكذب والنفاق بينهم. كما أنهم يرفضون التغيير والتطور والتحديث والوصول إلى العيش الإنساني الكريم، والسبب في ذلك أن التربية والتعليم مسخت عقلية الأجيال الناشئة من أسئلة التفكير وحب المعرفة إلى عقلية الاذعان وحفظ الأجوبة النمطية الجاهزة.
فحينما تختفي أسئلة حب المعرفة والتفكير يحل التفكير النمطي والخمول والتجمد والتقبل والاذعان والبلادة.
ويعزز هذا التوجه غياب القيم المدنية العقلية الموجودة في النصوص الدينية عن المناهج التربوية والتعليمية وعن دورها الفعال في التربية والتعليم مثل: اقرأ وأعقل وتوكل وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم واطلبوا العلم ولو في الصين واستعمال العقل العلمي مع الدين وانتم أدرى بشؤون دنياكم.
إذن فالتربية والتعليم إما تبني عقلا نمطيا مقفلا يعاد إنتاجه رقما في القطيع يرفض التغيير والتجديد ويقاومه. وإما تبني عقلا حرا منفتحا يسعى صاحبه إلى حب المعرفة والتساؤل والتفكير الواقعي العلمي والنقدي والبحث عن الأجوبة والمعرفة الطبيعية لإبداع حريته وحياته وتعميق انتماؤه الوطني والإنساني.
فالعلم هو إنتاج العقل الإنساني الذي جمع في وعيه المنطق الرياضي والتحليلي والنقدي مكونا منهجا لغويا منطقيا هو التفكير العلمي التجريبي النقدي في دراسة الطبيعة وظواهرها من جمادات وإحياء لزيادة قدرته على اكتساب المعرفة الواقعية عنها ليتمكن من فهمها والسيطرة عليها والتحكم بها والاستفادة منها لخدمته وتطوره ورفاهيته، إن الثقافة العلمية والتفكير العلمي هما أساس حرية الإنسان وتقدمه وتطوره، وان حرية الاعتقاد وحرية التعبير ومساواة حرية المرأة بحرية الرجل أساس بنية المجتمع المدني (العلماني) الديمقراطي.فهذه البنية الثقافية بقيمها حررت الكثير من الشعوب من ثقافة الكبت والتخلف والاستبداد ومن ثقافة القطعان البشرية النمطية إلى ثقافة الإنسان الفرد الحر المواطن المتمكن من الثقافة العلمية والنقدية والبحث العلمي المعرفي الساعي إلى التخلص من مصائب التخلف والمقاوم لثقافة الوأد الاجتماعي للمرأة.
فالخطاب الثقافي التربوي والتعليمي والسياسي والإعلامي الذي لا يعمل على التوعية المدنية(العلمانية): الديمقراطية في المجتمع خطاب لا يعول عليه في التنمية لأنه يعيد إنتاج التخلف بمصائبه الثلاثة: الكبت والجهل والاستبداد.
فالعلمانية الديمقراطية طريق التنمية والوحدة الوطنية.


"محمد نضال" دروزه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخلاف التجاري بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.. إلى أين؟ | ال


.. بايدن وترامب.. وقضايا بارزة في المناظرة الرئاسية




.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مرشحون وشروط


.. بالمناظرة التاريخية.. بايدن يتعثر مبكرا وترامب يدعوه للخضوع




.. بايدن يتلعثم خلال المناظرة الرئاسية أمام ترمب