الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة بين الدين والجنس ( الجزء الثاني )

سرحان الركابي

2011 / 7 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تشوب نظرة الايان الرعوية للجنس هالة من الغموض والالتباس والتناقض بين النصوص التي تنهى عن الزنى وتحرمه بشكل قاطع وتعده فاحشة كبرى من جهة وبين النصوص المقابلة التي تتساهل او تسمح للفرد ان ينفس عن غرائزه وميوله البايلوجية من جهة اخرى , فتبيح الممارسة الجنسية الى درجة تقترب من الاباحة شبه التامة
, مكمن التناقض هنا يعود الى طبيعة الثقافة الرعوية ذاتها , الواقعة تحت هيمنة ظروف وبيئة قاسية وغير مستقرة , والتي لابد وان تنتج ثقافة متازمة وتعاني من الانشقاق والتناقض والتمزق الداخلي

كان ادم يعيش في الجنة حيث لا شهوة ولا رغبة ولا عورة , مع ذلك ظل ادم مفتقرا الى شي ينقصه , ثمة امر ما يحيله ان يسلك نمطا اخر للعيش في الجنة , ان يعيش غير تلك الحياة الرغيدة الباردة الخالية من الجنس , وبذا عرف الرب ان ادم بحاجة الى نقيضه , الى انسان من نفس الجنس , لكنه يشكل حلقة مكملة لشخصية ادم , فخلق له من ضلعه حواء , ورغم كل ما حيل بين ادم وحواء ومحاولات الرب لمنعهما من معرفة عوراتهما والاتصال الجنسي فيما بينمها , لكنهما في النهاية انساقا خلف رغبتهما ووقعا في المحضور , حيث اكلا من الشجرة المحرمة وتراءت لهما سواّتهما ,

ثم تصارع ولديهما قابيل وهابيل من اجل اختهما , وما القربان الذي تقربا به الى الرب الا لمعرفة من منهما سيتزوج الاخت الاجمل , ورغم ان الاديان السماوية الثلاث تحرم الزواج من المحارم , عدا بعض الاختلافات الطفيفة فيما بينها ( 1) لكن الملاحظ ان تلك الاديان تغض النظر عن هذه الواقعة او المازق التاريخي الذي وقعت فيه عندما راحت ترسم بشكل اسطوري بداية خلق الانسان على الارض , وتحاول تبرير هذا الفعل وتلك المخالفة لاولاد النبي ادم وزواجهما من المحارم , وبذا فلا معنى لتحريم جنس المحارم , مادام اولاد الانبياء هم اول من يقترف تلك الافعال والفواحش , ماظهر منها وما بطن

التناقض هنا يبدو صارخا ولا يمكن قبوله بكل المعايير الاخلاقية , فالانبياء هم اول من ياتي بالافعال الشاذة والمستهجنة حتى من قبل اكثر المجتمعات الانفتاحية والاباحية , فالنبي لوط يزني بابنتيه بعد ان يسكرانه , اما النبي داود فقد زنى ببتشبع زوجة اوريا الحثي وقتل زوجها بمؤامرة دنيئة , وعاقبه الرب بان جعل نساءه تزنى تحت الشمس وامام بني اسر ائيل , هكذا قال الرب هئنذا اقيم عليك الشر من بيتك , واخذ نساءك امام عينيك , واعطيهن لقريبك , فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس , لانك انت فعلت بالسر , وانا افعل هذا الامر قدام بني اسرائيل وقدام الشمس ( صموئيل , 12 , 11 , 12 )
وقد نفذ الرب وعيده لداود , فجعل امنون بن داود يزني باخته ثامار
هذا المنطق المتناقض التي تتحدث به الاديان الرعوية يكمن في تلك المناطق الرعوية ذاتها
, فالانسان الذي يعيش في الصحراء يستطيع ان يتكيف مع تلك البيئة البيئة القاسية ذات الموارد والمياه الشحيحة , لكن ذلك التكيف لابد وان يكون على حساب توازنه النفسي والشخصي والاجتماعي , لانه مضطر والحالة هذه ان يتجاوز بعضا من رغباته وميوله السايكلوجية والاجتماعية , بعمنى ما انه مضطر ان يتخلى عن بعض الميول والرغبات كي يستطيع الاستمرا في العيش في تلك البيئة , وبعكسه سوف تنبذه تلك البيئة وترمي به الى خانة السلالات المنقرضة , وبذا فهو لابد وان يظهر بمظهر الشجاع وان كان جبانا في حقيقته ولابد ان يكون مضيافا حتى وان كانت به فاقة ,

لماذا تحول الجنس الى تابو

ان من طبيعة الصحراء انها عادة ما تكون شحيحة المياه والموارد ومصادر الرزق , ما يدفع سكانها الى التنافس على تلك الموارد الشحيحة , وعادة ما ينجم عن ذلك ان تنشب الصراعات والحروب والغزوات المستمرة بين القبائل والشعوب , بل ان سكان تلك المناطق كانوا في حروب مستمرة لا نهاية لها , من هنا تم تحجيم دور المراة التي لم يعد لها دور فاعل في حياة الحروب والتغازي , بل ان المراة نفسها صارت عالة على هذا الواقع القاسي , فهي عادة ما تكون عرضة للسبي والنهب والانتهاك من قبل الاعداء , و لذلك تحول دور المراة من منتجة في المناطق الزراعية والحضرية الى كائن وضيع يجلب العار للرجل الذي تسبى زوجته او اخته او ابنته ,
وقد نظر الى المراة بازداء وشك واحتقار لانها صارت جزءا من الاسلاب التي تتطلب الدفاع عنها , وقد لا نبتعد عن الحقيقة اذا قلنا ان فعل الجنس تحول من عملية بيلوجية تفرضها الطبيعة في كل الكائنات الحية الى فعل يرمز الى الاغتصاب والانتهاك والتغالب
من هنا تم تغليف الجنس بتابو سميك سواء من حيث النظرة الدينية او العرفية رغم ما بينهما من تداخل
والملاحظ ان ذلك التابو كلما ازداد سماكة كلما ازداد الكبت الجنسي من جهة وازدادت طرق التنفيس عن ذلك الكبت وتنوعت الى درجة الشذوذ من جهة اخرى
لقد ولدت تلك النظرة الازدرائية الى الجنس تناقضا صارخا في الحياة الجنسية لتلك الشعوب والقبائل , فهي من جهة تبدو محافظة ومتزمتة وترتدي ثوب العفة والطهارة , لكنها في حقيقة الامر كانت تعاني من جوع وعطش جنسي مكبوت ومطمور تحت ثوب تلك الطهارة والعفة الظاهرية

ان يتزوج المؤمن اربعة الاف بكر وثمانية الاف حورية في دراما جنسية سماوية , تخرج عن دائرة المعقول وتتجاوز الجسد الواقعي الى اللامتعين واللامحسوس , فما ذلك الا لان تلك البيئة تعاني من هوس جنسي وايروسية غيبية , ولهاث خلف اللذة المفقودة , تلك اللذة الممنوعة والمطلوبة بايلوجيا , لكنها ترقد في مخيلة مكبوتة غير معلن عنها
, مرد ذلك التناقض نابع من محاولة تجاوز الاعتراف بالغريزة الجنسية كدافع بيلوجي لا دخل للكائن الحي بوجوده من جهة ومن جهة اخرى الاقرار بشكل خفي وصارخ بوجود تلك الغريزة ومحاولة كبح جماحها ظاهريا و فسح المجال لها بصورة غير ملعنة كي تاخذ طريقها بشكل طبيعي
عندما يفسر ابن قيم الجوزيه الاية ,( فهم في روض يحبرون ) , بانها تعني اللذة والسماع ويعزز ذلك باضافة احاديث نبوية كما في هذا الحديث , ان في الجنبة لمجتمعا للحور العين يرفعن باصوات لم ترفع الخلائق بمثلها يعلن , نحن الخالدات فلا نبيد , ونحن الناعمات فلا نياس , ونحن الراضيات فلا نسخط , طوبى لمن كان لنا وكنا له ( ابراهيم محمود , الجنس في الجنة ص 331 )
هنا يتدخل الدين ليسيح بالمراْ من اطار المحسوس والمتعين الى اطار المغيوب حيث سلطة الغيب التي تشكل حضورا ونفاذا , وحيث يعجز الجسد الواقعي عن تصور درجة الاشباع التي سيحصل عليها والملذات التي سينغمس بها الى درجة تشير بشكل صارخ الى هوس ايروسي لا حدود له

(1) في الديانة اليهودية يجوز الزواج من بنت الاخ او الاخت بينما لا يجوز ذلك في المسيحية والاسلام ومعظم الديانات والثقافات البشرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ المحترم سرحان
محمد ماجد ديٌوب ( 2011 / 7 / 17 - 22:10 )
شكراً على مقالك هذا وأود إضافة أن هذا العقل البدوي لم يضيق على المرأة فقط بل حبس نفسه أيضاً داخل تابو الدين والسلطة وكما قال المرحوم بو علي ياسين ذات مرة الممنوعات الثلاثة عند هذا العقل هي الدين والجنس والصراع الطبقي ولك تحياتي


2 - الي لقاء علي البريد الالكتروني
محمد البدري ( 2011 / 7 / 18 - 04:22 )
الفاضل الكريم الاستاذ سرحان، كيف توصلت بهذه الالمعية الي اصحاب الشيزوفرانيا المرضية في قولك: قد ولدت تلك النظرة الازدرائية الى الجنس تناقضا صارخا في الحياة الجنسية لتلك الشعوب والقبائل , فهي من جهة تبدو محافظة ومتزمتة وترتدي ثوب العفة والطهارة , لكنها في حقيقة الامر كانت تعاني من جوع وعطش جنسي مكبوت ومطمور تحت ثوب تلك الطهارة والعفة الظاهرية ... انتهي الاقتباس. لقد صدقت بينما تكذب وتدلس علينا تلك الكتب بادعائها العفة. اشكرك واحييك علي الفضح لكل من كذب باسم المقدس مع تقديري وامتناني.


3 - الجنس
ابو عيسى ( 2011 / 7 / 18 - 10:36 )
كما قال الشاعر سعدي يوسف صديق يفهموني وفتاة تعرف غير الجنس مع تحياتي


4 - رد للاخوة المعلقين
سرحان الركابي ( 2011 / 7 / 18 - 14:42 )
الاستاذ العزيز محمد ديوب
كل الشكر والامتنان لك عزيزي لتعليقك الذي اضاف واغنى
وشكري لقراءتك ومتابعتك للجزء الاول والثاني واتفق معك ان العقل الديني الشرقي قد حبس نفسه في تلك التابوات ولم يعد قادرا على الخروج من تلك الدوامة

الاستاذ القدير والرائع محمد البدري
احييك واحي متابعتك وتشجيعك المستمر لي
كما اود ان اضيف نحن فعلا في حيرة من تلك العقول التي تدعي العفة والطهارة بينما تصرفاتها وحقيقة واقعها تنفي ذلك , فقد فاحت رائحة افعالها وتصرفاتها الشاذة وازكمت الانوف , والملاحظ انهم يحتكرون كل شي حتى الشذوذ لهم الحق في تبريره والقاء نوع من القداسة والشرعيه لكي يبدو مبررا عندهم , وانت سيد العارفين بتلك التصرفات الشاذة و تحيتي

الاخ العزيز ابو عيسى المحترم
شكري وتقديري لتعليقك اخي الكريم ,


5 - العزيز سرحان
محمد ماجد ديٌوب ( 2011 / 7 / 18 - 18:01 )
علينا جميعاً أن نعمل لتحرير هذا العقل من سجنه أنا شخصياً رجل لم أعرف اليأس في حياتي وارفض تماماً الإستكانة والتسليم بالأمر الواقع والدليل ما أكتبه على صفحات هذا الموقع المحترم ولك تحياتي


6 - لأنَّ
مازن البلداوي ( 2011 / 7 / 19 - 03:01 )
اخي العزيز سرحان
اشكرك على القسم الثاني من هذا المقال الذي يعنى بالأسباب والعلل للثقافة البدوية تجاه المرأة وجانبها الجنسي بالتحديد
عن نفسي فاني اعتقد ان من وضع كامل القصة التراثية للخلق كان غبيا وغير مؤهل لوضع هذه الأسس الا اني افهم غبائه واسباب فشله في صياغة صنع التاريخ البشري فهو بطبيعة الحال كان ينطلق من حيثيات محيطه في ذلك الزمن وقد ساق رواياته على حسب مايتقبله الناس ومستواهم المعرفي
ولا ارى غير ان المشكلة تكمن عند الله نفسه، فهو لم يعرف بحاجة آدم الا بعد خلقه! فهذه مسألة تضر بسمعته / العليم/ وان يبيح التزاوج بين الاخ واخته لعدم وجود بدائل فهذا لعمري اخفاق واضح في التشريع السليم وعلى ضوء ما ذكرته انت مثالا عن داوود و لوط وان كنت استبعدت نوح وكما ذكره القرآن، مما يستدعينا اعادة النظر في مقولة( ماخلقت السموات والارض الا من اجل محمد) الا اننا هنا نرى ان محمد كما باقي البشر هم نتاج عملية زنا! فهل عجز الأله عن خلق حواء لوحدها؟ حتى ياتي بها من ضلعه.... بعيدا عن تعليل الألفة والود وتفسيرات قاصرة
الجنس حاجة بايولوجية خالصة لاستمرار النوع حاولت الأديان التي وضعها البشر .... تتمة


7 - تتمة..... لِأَنَّ
مازن البلداوي ( 2011 / 7 / 19 - 03:15 )
ان تنظمها بقواعد وتشريعات انطلاقا من كينونة انعزال المجتمعات عن بعضها البعض ولعلها إدراك قديم الى ان التهجين يؤتي بنتاج افضل من نتاج الاقارب، ولا ادري هنا كيف كان آدم في الجنّة بلا عورة؟
وكيف اقارنها مع ما سيقوم به المؤمن من نكاح؟ الحقيقة ان تفسير هذا الامر من قبل المتشدقين بالمعرفة الميتافيزيقية لهو امر مثير للسخرية والقرف في آن واحد، فالمؤمن يذهب الى الجنّة ليمارس الجنس على أباحته ! فكيف طرد آدم بعد ان ظهرت عورته وكيف يبقى المؤمن بعورته؟ ماهذا التناقض السافر وما هذا الإله المزدوج المعايير! وهذه الحور كما توصف هل هي على شكل بشري؟ لم يصفها احد؟
اما ان المؤمن........ سيحصل على هذا العدد، لم يقل لنا احد كيف تكاثرت هذه الاعداد او كيف وجدت؟
ام لايحق لاحد السؤال للتعرف على من سيتعامل معها المؤمن هناك، لا، بل ان الرق والاستعباد لازال هناك عند مليك مقتدر، فها انت ترى الجواري موجودات هناك؟ من هنَّ ومافرقهن عن الاخريات؟ لاندري
تحياتي اخي مع الشكر


8 - رد متاخر
سرحان الركابي ( 2011 / 7 / 30 - 18:31 )
الاخ العزيز محمد ماجد
اشكرك عزيزي لتعليقك واضافتك وارجو المعذرة لتاخري في الرد

الاخ العزيز مازن البلداوي والمعلق والكاتب النشط والدؤؤب
تحياتي لك ولتعليقاتك الممتازة التي اضافت الكثير وارجو منك المعذرة لتاخري في الرد لانشغلاتي الكثيرة , فضلا عن اني كنت اعتقد اني كتبت لك وللاخ محمد ماجد ردا منذ قراتي الاولى لتعلقاتكم و لكني فوجات اليوم ان لم اكتب لكما ردا
اكرر تحياتي وشكري

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah