الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احلام حمار

عبلة درويش

2011 / 7 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وللحمير نصيب، فالحمار يحلم ايضا، وحمارٌ من لا يحلم لانه بلا حُلم فالحلم امل حتى لو كان صعبا وصعبةٌ الحياة بلا حلم حتى لو كان قاسيا، وحمارٌ من يستهزئ بالحلم وحمار من يشكو منه، فلو فكّر لثانية انه يعيش بلا حلم لأصبح حمارا جدا، فقد حلم الحمار الذي عاش في العصور القديمة والوسطى ان ينتقل الى المدينة وان تمتطيه فتاة جميلة ويلبس حول عنقه شبرة ملونة، فانتقل وتطور ولبس ما يشبه السرج احيانا، فأحلامه تتحقق احيانا كما الانسان ولربما اكثر من احلام الانسان فيبدو ان الحمار يعرف كيف يحلم ويستطيع ان يقدّر حلمه ونتائجه فهل بات الحمار يتطور اكثر واسرع من الانسان بعد ان سرق خبرته وطورها.

فكم حزن بنو البشر على بني الحمير، وخصوصا لانهم مجبورون دوما على حمل اثقال كبيرة على ظهورهم وحمايتها ونقلها ولا يختارون ما يحملون على ظهورهم ولا يفكرون بما يحملون وجل اهتمامهم متى يأتي وقت الشعير والماء حتى لو كان صدئا ويأتي الطعام والشراب بكل الاحوال وبنو البشر يعملون ويحملون اثقالا واعباء لتوفير لقمة الطعام، فمن يحزن هنا، فلربما الانسان كثيرا ما يحمل على ظهره اختياره ويكون حملا ثقيلا فما بالك ان لم يكن اختياره وكان اختيار شخص آخر ولكن بكل الاحوال هو خيار القدر فمن منا حمل حملا ثقيلا وكان خياره الكامل بدون تدخل القدر، فلعل الحمار هنا اكثر حظاً، فلا يفكر بحمله وان قرر ان يلقي بحمله جانبا سيسقط بالغالب على واحد من بني البشر سواء سقوط مباشر او سقوط مسؤولية ما حمل على عاتق الانسان والانسان نفسه بتحمل مسؤولية حمله وسقوطه ونجاحه ويتحمل مسؤولية اختيار القدر لمسار حياته، ولعل الله اعطى للحمار قدرة اكبر من الانسان على حمل الاثقال فلا يوجد حمار مصاب بزوغان فقرة من العمود الفقري او وجع في ظهره او التهاب في المفاصل، وابدا لن تجد حمارا مصابا بمرض نفسي او يعيش ضغطا نفسيا وماديا، ففي هذه الحالة يجدر بنا ان نحسد الحمار، فلا بد انه ايضا يحلم احلاما أجمل من احلامنا فوق ان احماله اسهل من احمالنا، فتباً للحمار فهو يعيش ويحلم بطريقة افضل منا ربما.

ولكن نرى الحمير تعيش قصص حب لكن قلبها لا يعمل كثيرا وتستعمل عقلها اكثر، فتنجح في عملها فلم نرى يوما حمارا طرد من عمله لانه لا يستطيع ان يحمل، الا اننا بنو البشر نطرد كثيرا ونوبخ من مدرائنا لعدم قدرتنا على انجاز عمل ما او فشلنا في العمل ونستثمر قدرتنا في عمل القلب الذي يعطل العقل احيانا وان حدث وسقط القلب من على قمة جبل عال نخسر قلبنا وعقلنا وعافيتنا وبطلٌ من يستطيع اعادتها لقمة قدرتها وقوتها بسهولة، الا ان الحمار يستطيع ببراعة ان يوازي بين قلبه وحبه لحمارة الجيران وبين عقله الذي ينجح دوما في حمل الاثقال.

فهل نحلم كما الحمير احلاما بسيطة قريبة من مرأى عيوننا نعلم مسبقا انها ستتحقق ونستغل عقلنا لنجاح عملنا ونلقي بالقلب جانبا.

فبعد ان عاش بنو البشر ملايين السنين يسبون الحمار ويصفون الانسان الكسول والفاشل بالحمار، سنصل يوما ما لتسمية الانسان الناجح بالحمار فقد اختلف تعريف العديد من المصطلحات في زمننا، فلربما اختلف تعريف الحمار ايضا، ليصبح الشخص القادر على انجاز عمله بيسر وسهولة دون ان يستغل عقله ويحب بسهولة دون ان يحرق قلبه ويستطيع ان يفصل بين قلبه وعقله، فلم نرى يوما حمارا عجز عن حمل كيس الطحين وسقط ارضا بعد ان تركته حمارة الجيران وخانته مع حمار عائلة السيد.

فالحمار يستثمر بؤرة من عقله فقط لانجاز عمل ما ولربما لا يستعمله اصلا وينجح، وبؤيرة من قلبه ان استغلها اصلا للحب، فهل نحلم مثله لنعيش حياة اسهل من حياتنا الطبيعية التي فرضت علينا بعد ان منًّ الله تعالي علينا بالحكمة والانسانية، وبعد ان علمنا دوما ان الانسانية هو المصطلح الاعظم من الحيوانية ولكننا ان دققنا بذلك نجد ان الحيوان يعيش اسهل وابسط من الانسان، فلا فكر ولا هم ولا حمار في غرفة انعاش ولا حمارة تحلم بحبيبها الحمار ولا حمار يصطف عشرات السنين بحثا عن وظيفة على ابواب المؤسسات، ولا حمارة توفر من مالها لنهاية العام لاجراء عملية تجميل رغم علمها المطلق انها قبيحة في اغلب الاحوال وخصوصا ان بني البشر يصفون الفتاة القبيحة بالحمارة.

هلموا يا بني البشر للتفكير اكثر من حياة الحمار واحلامه الجميلة التي لم يرق علقنا الانساني للتفكير فيها ولو لحظة فقط ونعتبره دوما حمارا او حمارا جدا، فكم يصل بعض البشر لدرجة الحمار او الحمار جدا ولكن الحمار لم يعد حمارا جدا فهو حمار فقط، ولكن كم من حمار على اربع ليس حمارا وكم من انسان على اثنتين حمار.

الكاتبة والصحفية
الشاعرة عبلة درويش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف