الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش مأساة أبليس 000 ما مصير جماعات الاسلام السياسي في حال اسلمت امريكا!!؟؟

عبد الخالق السر

2004 / 11 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"الشهيد" قصة طريفة وجميلة كتبها توفيق الحكيم تحمل الكثير من الدلالات التي تصب في ما نحن بصدد التطرق إليه في هذا المقال000 يقول الحكيم في هذه القصة أن إبليس قرر ذات يوم أن يتوب إلى ربه وأن يرجع عن أثمه ليكرس نفسه لعمل الخير والسير على الصراط المستقيم، فذهب إلى شيخ الأزهر ليتوب على يديه ويدخل بإرشاده في الدين الحنيف فدار الحوار التالي بين إبليس وشيخ الأزهر:
"00 إيمان الشيطان؟؟ عمل طيب ولكن 00
- ماذا" أليس من حق الناس أن يدخلوا في دين الله أفواجا؟؟ أليس من آيات الله في كتابه الكريم : "فسبح بحمد ربك واستغفره أنه كان توابا"؟ هاأنذا أسبح بحمده واستغفره ، وأريد أن أدخل في دينه خالصاً مخلصاً وأن أسلم ويحسن إسلامي وأكون نعم القدوة للمهتدين!!

وتأمل شيخ الأزهر العواقب، لو أسلم الشيطان ، فكيف يتلي القرآن؟ هل يمضي الناس في قولهم : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟!" لو تقرر إلغاء ذلك لاستتبع الأمر إلغاء أكثر آيات القرآن 000 فان لعن الشيطان والتحذير من عمله ورجسه ووسوسته لما يشغل من كتاب الله قدراً عظيماً 000 كيف يستطيع شيخ الأزهر أن يقبل إسلام الشيطان دون أن يمس بذلك كيان الإسلام كله؟!!0
رفع شيخ الأزهر رأسه ونظر إلى إبليس قائلاً: انك جئتني في أمر لا قبل لي به 000 هذا شيء فوق سلطتي، وأعلى من قدرتي، ليس في يدي ما تطلب 000 ولست الجهة التي تتجه إليها في هذا الشأن0
- إلى من أتجه إذن؟؟ ألستم رؤساء الدين؟ كيف أصل إلى الله إذن؟ 00 أليس يفعل ذلك كل من أراد الدنو من الله؟ أطرق شيخ الأزهر لحظة 00 وهرش لحيته ثم قال:
- نية طيبة لا ريب ! 000 لكن 0000 على الرغم من ذلك أصارحك أن اختصاصي هو إعلاء كلمة الإسلام، والمحافظة على مجد ( "**"الأزهر ، وأنه ليس من اختصاصي أن أضع يدي في يدك00000000"
****
إن أدنى محاولة لتمثل هذا الخيال الخلاق وسحبه على مجمل تجربة جماعات الإسلام السياسي المعاصرة قد يعيننا على كشف فداحة الواقع الذي يقبع فيه القوم والذي يسعون من خلاله باستماتة لانتزاع شرعية وجودهم0 وانطلاقاً من ذات الخيال حق لنا أن نشرع "افتراضاً" في تصور ما سيؤول إليه الوضع في عالمنا العرب – إسلامي فيما لو أسلمت أمريكا وتابت وأنابت أمرها إلى الله ورسوله محمد (ص) دون غيره من الرسل0 ليس ذلك فحسب، بل استطال بها الأمر حد التطرف في التوبة بحيث أنها تبنت المذهب الحنبلي وذلك بوصفها – أي أمريكا- أعجمية ولا قبل لها بتبني مذاهب تعزز من قيمة العقل وتأخذ بالرأي وفقاً لمقدرة تامة بتعقيدات اللغة العربية وتصاريفها وتأويلاتها0
اذاً السؤال هنا: كيف يكون وقع مثل هذا التصرف غير المتوقع من قبل جماعات الإسلام السياسي؟ وكيف لها أن توطن نفسها للتعامل معه؟ هل ستعم الفرحة هذه التنظيمات بدخول "الشيطان الأكبر" حظيرة الإسلام؟ وبالتالي ستنتظم الصفوف لتجاوز مربع الانتظار الذي يقبعون فيه بحجة المجاهدة؟ والاتجاه بقوة لتفعيل الاجندة الاجتماعية، الثقافية الاقتصادية والسياسية المؤجلة بحكم ضرورات هذه المجاهدة؟ أم ستأخذهم المفاجأة كما تجلت بوضوح في ارتباك وحيرة شيخ الأزهر إلى الدرجة التي تجعل حساباتهم ترتبك ويتحسسون بقلق ووجل مستقبلهم ومصيرهم إذا هذا القرار غير المتوقع كلية من الشيطان الأكبر؟؟!!!0
قرائن الأحوال تعزز من تبني السيناريو الأخير المفضي إلى رفض التوبة جملة وتفصيلاً لأنه ببساطة تمثل أمريكا "كعب أخيل" الذي تستمد منه هذه الجماعات مشروعية وجودها بعد أن فشلت على أرض الواقع في تبني أي مشروع حقيقي يخرج الأمة بأسرها من أزماتها 0 بل العكس من ذلك باتت على مدى عقود طويلة من الزمن "تبرطم" بتمتمات وتعويذات من شاكلة "الإسلام هو الحل" أو "الحاكمية لله" دون أن يصحب ذلك أدنى تصور منهجي أو رؤية فلسفية تتسق مع الواقع الحياتي المعاصر وتستمد حلولها من القدرة على معالجة اشكالاته بقدر تمسكها برؤى ميتافيزيقيا مشبعة بروح الأساطير والحلول السحرية هي مجمل ارث قرون الانحطاط الفكري للحضارة الاسلامية0
وإذا كان مجمل بضاعة هذه الجماعات مزيج من الشعارات الفضفاضة والخطاب "الديماغوجي" بتفريعاته الوعظية، التهيجية والعاطفية0 وبما أنه خطاب "تخديري" فهو لسوء الحظ يجد رواجاً لدى القاعدة بحكم أنه يخاطب المألوف والمتوارث من معارفها كما أنه بقادر على أن يبعث قدراً من النشوة والتوازن النفسي في مثل هذه الظروف من الانحطاط الذي تعيشه الأمة الاسلامية0 ومما يزيد الأمر تعقيداً هو تلك القدرة الاقتصادية المتنامية التي تتمتع بها هذه الجماعات في مقابل العجز التام للأنظمة السياسية الحاكمة للقيام بدورها اتجاه مواطنيها والانصراف بدلاً عن ذلك إلى قمعها وإفقارها كما هو ماثل على أرض الواقع، مما يظهر هذه الجماعات بمظهر المنقذ الأسطوري صحاب الحلول الإعجازية للاشكالات الحياتية المتفاقمة 0 كما أن استبداد هذه الأنظمة وفسادها ورهنها الكامل لارادة الأمة للهيمنة الأمريكية الإمبريالية يعطي هذه الجماعات ذات الحلاقيم الواسعة وضعاً بطولياً زائفاً لا يتسق مع حقيقة إمكانياتها على أرض الواقع0 وما هو جدير بالذكر أن كافة ما تبشر به هذه الجماعات للخروج بالأمة من النفق هو التبشير بحل الهي لكافة مشاكل البشرية - تمتلك كل واحدة من هذه الجماعات دون غيرها من الأخريات "فضلاً عن العالمين" أسراره وفك رموزه!!0 وما على "الغوغاء" من البشر إلا التسليم بذلك وانتظار ذلك بعد القضاء على الشيطان الأكبر و"عبدته" ووقتها على طريقة "المصباح السحري" ستمتلئ الأرض "فجأة" عدلاً بعد أن ملأت ظلماً وجوراً!!0 يتم ترديد ذلك بشكل مبسط ومنتظم دون المرور بعناء "كيف" وما هي الآليات اللازمة لتحقيق ذلك0 ومرد الأمر في هذا الصدد هو "وببساطة" شديدة أن هذه الجماعات لا تمتلك في الأصل برنامج دنيوي يتأسس على عبقرية الإنسان في التغلب على إشكالياته الحياتية والسعي لتطويع الظروف الطبيعية لأن ذلك مرتبط أساساً بالعقل العدو الحقيقي لهذه الجماعات الميتافزيقيا0 إذن البديل لا محالة في الحلول السحرية وانتظار المعجزات التي لن تأتي (بنص الحديث الشريف)0 ولما كان الأمر يتعلق بوجود هذه الجماعات وتعزيز مصالحها التي تكونت بمرور الزمن كان لابد من التحايل وابراز فروع الفروع والعمل على تضخيمها وصبغها بنوع من المصيرية يتبدى معها "ظاهرياً" أن في حلها حلول لكل المشاكل والأزمات التي يمر بها المسلم المعاصر0 إذا لا عجب أن يتمحور الدين في فقه الحيض وفضل إطالة اللحية ولبس الجلباب "الباكستاني" وحكم لبس البدلة أو الكعب العالي0 وتقبع قضايا الحريات والإصلاحات السياسية والاجتماعية والتعليمية على هامش الهامش طالما أنها في مرتبة النوافل!!0
ومما لاشك فيه أن اللواذ من مثل هذه القضايا المصيرية هو نتاج موضوعي للفقر الفكري والمعرفي لهذه الجماعات وانكفائها على المرجعية الدينية الكلاسيكية بغية تطويعها والسعي "اعتسافاً" لعصرنتها بغية الحصول منها على حلول سحرية لاشكالات الواقع المعاصر0 ولكن واقع الحال ينبئ أن المحصلة الوحيدة التي تحققت لهم هو نجاحهم الأكيد في شل قدرات المجتمع والعمل بقوة على تنميطه وتجهيله مما يفسر هذا الصمت الحاد اتجاه تهشيمهم المنتظم للأمة0

ومن سوء حظ هذه الجماعات أن الفرص التي توافرت لها على الصعيد العملي لامتحان خطابها على أرض الواقع قد ساهمت تماماً في تعريتها وأبانت على مستوى لا يقبل اللبس جهلهم التام بأبجديات الواقع المعاش وقصر نظرهم واستطالة تهويماتهم، خصوصاً فيما يتعلق بمفهوم الدولة الدينية التي بشروا بها الناس طويلاً0 ولعل في تجربة الإنقاذ بالسودان وطالبان بأفغانستان وباكستان إضافة للمملكة العربية السعودية يكشف بجلاء أن هذه الأنظمة "الثيوقراطية" هي الأسوأ مقارنة بأسوأ الأنظمة الشمولية والديكتاتورية التي عرفتها الشعوب الاسلامية0 فنظام مثل "طالبان" مارس تهشيماً لكل أسس الدولة المدنية الحديثة مراهناً – حسب خطابه- على مشروع "دولة المدينة"، فكانت النتيجة ديكتاتورية دينية مارست سحلاً وتنكيلاً بالخصوم وفرض ممارسات في غاية التسلط مثل إرغام الرجال جميعا على تبني اللحى ومنع اللبس "الإفرنجي"0 أما فيما يخص النساء، فقد مارست طالبان وأداً لهم لم يسبق له مثيل منذ الجاهلية0 فقد أقفلت المدارس وتفشى الجلد والرجم والحبس داخل المنازل0 ثم أخيراً تبين للنظام الحاكم أن دولة الإسلام المزعومة لا مفر أمامها غير اقتصاد متين تستمد منه الاستقرار0 ولأن ذلك لم يكن في حسابات "دولة المدينة" فقد تم تبرير الاعتماد على "الأفيون" كمصدر أساسي للدخل في محاولة للخروج من الأزمة، وهو حل بالتأكيد لا يحتاج إلى دولة دينية!!0
أما نظام الإنقاذ في السودان فيصدق عليه القول بأنه "باع الترام" للمسلمين والاسلام0 فبعد أن تنادى القوم وأتوا من كل فج عميق لدولة الإسلام الفتية التي أنذرت "معسكر الشرك" – أمريكا – روسيا قد دنى عذابها- فإذا بها تبيعهم بالجملة والقطاعي، ويتحول شعارها إلى "الأمريكان الليكم توسلنا"0 أما على مستوى الداخل فقد مارست تهشيماً للبنى الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية بشكل لم يسبق له مثيل0 كما كان وجودها ايزاناً بتصدع القيم وانهيار منظومة السلوك لصالح ثقافة قطاع الطرق والمافيا!!0
أما الدولة السعودية فيكفي أنها في زماننا هذا تمثل دولة "القبيلة" الوحيدة بامتياز0 و يحتاج التصدي للغبن الاجتماعي فيها إلى مجلدات0 أما وضع المرأة على وجه الخصوص فهو الأسوأ في العالم بشهادات منظمات حقوق الانسان0 والسعودية رغم إمكانياتها الضخمة إلا إن انسانها خارج دائرة الفعل والفضل يرجع في ذلك للذهنية الدينية المسيطرة على مقاليد الأمور هناك0 فعلى سبيل المثال لا يمكنك تجد مائة محاسب سعودي فيما يمكنك بسهولة الحصول على مائة ألف منهم حاصلون على الدكتوراه في الفقه بتفريعاته أو في مذهب ابن حنبل أو موطأ مالك00الخ0 وهذا يفسر إلى حد ما ذلك الاعتماد الكلي على الأجنبي0
ولا ينتهي الحديث دون التطرق لباكستان محمد علي جناح والتي فضلت الانفصال عن الهند في سبيل قيام الدولة الدينية المزعومة فكان المنتهى انفصالاً بين أخوة الإسلام أثمر "بنغلاديش" واضطرابات سياسية لا تكاد تنتهي حتى تبدأ حتى انتهى بها الأمر في ظل الجنرالات إلى ابن مطيع للإمبريالية الأمريكية في يومنا هذا0

خلاصة الأمر، ومن خلال هذا السرد يتضح بجلاء أن الجماعات الإسلامية لم تسع يوماً لأن تكون البديل الحقيقي للنظم السياسية المتعفنة في العالم الإسلامي وذلك وفق رؤى وبرامج منهجية تستلهم حلولها من الواقع المعاش بقدر ما كان سعيها الدؤوب لأن تكون بديلاً تلفيقياً يجد نفسه في التعالي على الواقع وفي التهويم والخرافة والاقتيات من نظرية المؤامرة وصناعة العدو حتى وان لم يوجد ، وتضخيمه بحيث يكون البدء والمنتهى – إن وجد- كما في حالة أمريكا0 ومن هنا حق لنا أن نفترض ونتساءل في نفس الوقت: ما هو مصير جماعة الإسلام السياسي لو أسلمت أمريكا!!!!0
هوامش:
** صادق جلال العظم (نقد الفكر الديني) ص 85-86








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية