الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإلحاد المتطرف

عمر دخان

2011 / 7 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكثير من الناس اختار إتباع ديانات معينه، و اختار أن تكون تلك الديانات مسارا لحياته و عقيدة له طوال أيام حياته على وجه البسيطة، و تلك الديانات لا تعد و لا تحصى، و كل منها يعتقد اعتقاد اليقين أنه محق و بقية البشرية على خطأ، بل و يؤمن يقينا أن كل من خالفه مصيره نار يكتوي بها إلى الأبد، و الغريب أن كل أصحاب الأديان يهددون بعضهم بنفس الجحيم و نفس الإله و يتمنون نفس الجنة، مع اختلاف بسيط في التسميات و التفاصيل، وهي أحد أهم السلبيات التي ربما يكون الفكر الديني نشرها بقصد أو بدون قصد.

المهم أن كل تلك الأديان قابلها البعض برفض فكرة الأديان جملة و تفصيلا، و هم الربوبيون الذين يؤمنون بوجود الإله و لا يؤمنون بالأديان و الأنبياء، و هناك أيضا الملحدون الذي لا يؤمنون بكل ما سبق، و يدعون أنهم يعتمدون على العقل في تسيير شؤونهم الحياتية، و أنه لا حاجه لهم بدين يميز لهم الخطأ من الصواب، لأن لديهم ضميرا يميز بين الخطأ و الصواب، و هم يدركون جيدا كيف يقومون بما هو صواب و يجتنبون ما هو خطأ دون تهديد أو وعيد.

لا اختلاف في فكرة أن ضمير الإنسان لا يحكمه دين معين، فالإنسان الصالح صالح تحت أي عقيده و دين، و الإنسان الطالح طالح تحت أي عقيده أو دين، بل ربما يسخر الطالح الدين لخدمة "طلوحه" و يجعل منه وسيله لنشر الشر و الدمار في العالم، على الرغم من أن كافة الأديان جاءت في أساسها برسالات تدعو إلى السلام و التعايش، و مع ذلك فإن الكثير من أتباعها لا يعتقدون بذلك و يحرصون على جعل أديانهم آلات دمار للبشرية تقضى على كل مخالف أو معارض.

اختلافي هو مع بعض الملحدين الذين يعتقدون أن استخدام عذر أن الضمير هو الذي يتحكم فيه يعطيه الإمكانية ليعيد تفصيل ذلك الضمير وفق مقياسه الشخصي، و يجعل ضميره يوافق على أشياء مخالفه للفطرة الإنسانية، أو أشياء يؤذي بها الآخرين و لكنه يسميها بغير مسمياتها محاولا جعلها تبدوا و كأنها ليست بذلك الشر، ولذلك رأيت الكثير منهم يعتقد أن عدم إيمانه بوجود إله يستلزم أن يقوم بكل ما هو شر، متناسيا أن أساسه تفكيره هو الضمير السليم، و لا معنى للضمير السليم إن كان بإمكاننا إعادة برمجته و إضافة أشياء أخرى جديده له كانت في الإساس أشياء لا يقبلها الإنسان السليم، و منها أشياء يحاربها كل ذي عقل و إن كان لا دين له، مثل المخدرات و التجارة في البشر (بأنواعها الكثيرة) و الكذب و الاحتيال، و هي أشياء بالتأكيد لا تصدر عن إنسان يدعي أن ضميره هو ما يحكمه و ليس نصوص دينيه مقدسه.

هناك أيض نوع من الملحدين الذين يعتقدون أن رسالتهم في الحياة بعد أن كفروا بوجود الإله، هي إهانة كل مقدس لكل من آمن بدين ما، و يجعلون هدف حياتهم التهجم على الأديان و الانتقاص من شأنها، معتقدين أنهم ينورون أصحاب الديانات عن طريق إهانة كل مقدس لديهم، و هو أسلوب دنيء مهما بلغ اختلافك معهم، و يستخدمه أيضا الكثير من أصحاب الديانات الذين يسخرون من مقدسات الآخرين كنوع من الإساءة لهم و الانتقاص من دينهم، بشكل ليس تنويريا بقدر ما هو هجومي، خاصه و إن كانت العبارات و الأساليب المستخدمة حاده و قذره أحيانا، و هي في الحقيقة تدل على فراغ حقيقي في حياة الشخص، فهذا الشخص الذي لا هم له سوى إثارة أعصاب الآخرين و اللعب على مشاعرهم الدينية هو ليس بالشخص القويم، و ليس بالشخص الذي يريد أن يرى سلاما حقيقيا في العالم، بل هو شخص لديه عقد مع ديانات معينه و يستغل غطاء الإلحاد لإفراغ عقده، و هو نفس الشخص الذي نراه يستخدم العلمانية كمرادف للإلحاد، معتقدا أن العلمانية التي تدعو للتعايش بين الجميع بغض النظر عن دياناتهم، هي ليست سوى نظام يسعى إلى إلغاء الأديان من أساسها.

التطرف لم يعد موجودا في الأديان فقط، بل أصبح ينتشر بين الملحدين أيضا، و أصبح هناك الكثير من الملحدين المتطرفين المنادين بإبادة دين معين و تدمير كل مقدساته، و هناك أيضا الكثير من الملحدين المتطرفين الذين يجعلون غايتهم الأولى في حياتهم هي الإساءة لأكبر قدر ممكن من أصحاب الديانات، متناسين أن ذلك يجعلهم في نفس الصف مع المتطرفين الدينيين، الذين لا هدف لهم سوى قتل أكبر عدد من "الكفار" و "المشركين" و "ناكري يسوع" و "الجويم" و غيرهم.

هناك الكثير من الملحدين الذين يريدون فعلا نشر السلام في العالم و العيش في تناغم مع الجميع بغض النظر عن عقائدهم، و هم لا يؤذون أحدا لا بالفعل و لا بالقول، بل هم فعلا نماذج لأناس يحملون ضميرا سليما و روحا طيبه، و معظمهم ملحدون غربيون تتحكم فيهم ضمائرهم السليمة قبل عقدهم النفسية، بينما غالبية المهاجمين و المسيئين هم من الملحدين العرب، و الذين يعطون المثال النموذجي للإنسان العربي (باستثناء القلة) الذي هو سيء تحت أي دين أو مله أو معتقد، و يبقى عديم الاحترام و التربية و لو جرب ديانات العالم بأكملها، و ينقل معه سوئه و انعدام تربيته أينما حل، و إلى أيما طائفه انضم، وهو ما يعنى أن الخلل ليس في المعتقدات الدينية أو الإلحادية، بل هو في الإنسان العربي الذي ربي على رفض الآخر، و حتى لو تغيرت عقائده، لم تتغير أخلاقه السيئة للأسف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها