الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق النكوص الفكري في العالم العربي

رامز النابلسي

2011 / 7 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما زالت عورة الغزالي معاصرة، وتقبّح وجه التاريخ..
ما زالت لحية الأعرابي تؤلّب باسم التقاليد العصبيّات القبلية..
لا تزال عبارة "من تمنطق تزندق" تهدم كل بوادر العقلانية، وتبرّر أزمة النكوص الفكري الذي ينخر بعقل العربي..

نعلم يقينا لا تخالطه شكّ أن معيار تقدّم المجتمعات يرتبط ارتباطا وثيقا بعقول مفكّريها، وبسموّ مكانة فلاسفتها، وكان ابن خلدون أوّل من أشار لذلك في مقدّمته الشهيرة، وبات من المستهلك والمقيت تناول أزمة الفكر العربي دون إسقاط الطرح الخلدوني عليه..
فلا يزال العربي يعزو نكباته لضربة عين حاسدة، ولشيطان يلاحقه، ولمؤامرات تحيكها القوى الخفيّة من وراء الكواليس، وما كل ذلك إلا أمثلة حيّة على التفكير الغيبي، واضمحلال العقلانية والموضوعية في الطرح، وذلك نتاج تراكمات تاريخية، شاءت أن تغيّب الفلسفة تماما عن واقع الفكر العربي، وأوجد فجوة فكرية فجّة تفصلنا عن الفكر الغربي الحديث، فلا زلنا نواجه واقعنا بمعطيات رثّة عفي عنها الزمان، وبمثاليّات ميثولوجية أضحى شبه المستحيل أن تستوعب تناقضات عصرنا الحالي..

تغييب الفلسفة ومحاربتها لم تكن نتاجات البارحة، بل هي ارهاصات تاريخ طويل شابه الاستبداد ومحاربة الفلاسفة العرب، بدءا من كارثة أعمال الشيخ الغزالي "تهافت الفلاسفة" الذي اعتبر فيه الفلاسفة أخوة الشياطين وزنادقة، وماكرون يسعون لزعزعة ايمان الناس بدينهم !! وسرعان ما أضحى ذاك الكتاب الفزّاعة التي يتّخذها رجال الدين منطلقا ليهووا بسيف التكفير كل من اتّخذ من الفكر الحر والفلسفي عقيدة يجابه فيها دعاة الرجعية، وما أكثرهم !

كلّ ذلك ساهم في صعود الحركات الأصولية وتبوّأها هرم السلطة الفكرية، متزاوجة مع الاستبداد السياسي الذي لا زلنا نغرق في مستنقعه حتى اللحظة، رغم استفاقة بعض الشعوب العربية من سباتها العميق..
بات رجل الدين يعتقد خاطئا أنه محور المعرفة ومالكها، ويعتقد الناس كذلك، وبأنها حكر عليه، فهو ظل الله على الأرض والرافع لراية الحق، فأضحى يفتي في مسائل علمية دقيقة لا يدري عنها شيئا كالاستنساخ واطفال الأنابيب، ويفتي بجواز أكل لحم الجن اذا تشكّل !! وبحرمة قيادة المراة للسيارة التي يدلي بها دعاة الدين الامريكي الوهابي في مكّة !!

وينظر بنظرة استعلائية للقلة القليلة الناجية من وطأة الوصاية الفكرية التي يمارسها دعاة الحور العين، فمن تمرّد، فعلى سلطة الدّين يتمرّد، اذ ذاك يُحَلُّ دَمه حتّى لو كان الحلّاج أو السهروردي !

تزامن ذلك مع المساعي الحثيثة لتديين العلم، ويتجسّد ذلك في المناهج الدراسية، فكل فصل دراسي يتناول مواضيع علمية سواء في الفيزياء أم الكيمياء أم الاحياء، يستهلّ طرحه بأية قرأنية قد لا تتعلّق بتاتا بالطرح العلمي، وكأن العلم سُخّر لخدمة الدين، وانسلخ من هدفه السّامي كأداة موضوعيّة لانتاج المعرفة..
وغيّبت مناهج الفلسفة كليّا عن مناهج التدريس بقصد، لاجتثاث بذور الوعي الجمعي والفكر الناقد الذي قد يتشكّل في دماغ الطالب، فبات الشاب العربي يعود لرجل الدين لحل كل قضاياه، ولا ضير من مراجعة المشعوذين والدجّالين لحل أزماتهم..

ولا أبالغ حين أقول أن الفكر الديني تأذّى هو الأخر من تغييب الفلسفة والعقلانية عن مناهج التدريس، فبات رجال الدّين يؤوّل النصوص الدينية كيفما شاءت أهواؤه دون قراءة نقدية لها، فحلقة الوصل التي تربط النصوص المنزلة قبل 1400 عام بالحاضر باتت مفقودة، وطمرت في غياهب تفسيرات الغزالي وابن تيمية وابن كثير، فبات جليّا أن رجل الدين يرفض ويتماها في رفضه للعقلانية، فتراه يكفّر العلمانية، ولا يجد بديلا حداثيا لها ينتشل الفكر الديني من نكباته ..

فأي موقع كان يمكن أن يكون للمثقّف في مثل هذا الانفصام المتجّذر بين الفكر والواقع ؟ وفي مثل هذا الانحطاط الفكري الذي ينهش بواقع العربي ؟ موقع المنبوذ أم موقع خادم السلطان ؟
وما كان الفكر في الموقعين قادرا أن يغيّر، كان يرفض أحيانا أو يبرّر، أو يتصعلك ان خرج عن السائد ونظامه كأنه محكوما بموت يتأجّل !! يحتجّ على الشّرع ويثور، لكن موقع العاجز عن نقد الشّرع، فيتصوّف، يستبدل الأرض بالسّماء، ويزهد، أو يستكين للدنيا وللأخرة، فيعقلن الاثنتين في نظام من الاستبداد لسلطته يرضخ !

فالسلطة من منظور رجال الدين الحاليين الضيّق تبدو مطلقة، وهي المكدّسة بالغيب وفي الغيب، فوق الرّفض وفوق النّقد، فأضحى مشروع علمنة الفكر العربي وتحديث الفكر الديني واقحامه في منظورة فكرية كاملة لا يحتكرها، أشبه بعمليّة ولادة قيصرية !!

ما أحوجنا لثورة فكريّة عارمة تبدأ بمناهج التعليم الرثّة، وتنتهي بانتاج رجال دين حداثيين يزاوجون بين الفكر الديني والفكر الفلسفي، ولا يعمّقون الانفصام بين العقل الفلسفي المحض والثيولوجيا الدينية، ويسحبون بساط العقل من براثن السلطة الدينية الشمولية التي يحتكرها رجال الدّين الحاليّين الذين لا يمتّون بصلة لعلي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) ولعمر بن عبد العزيز ..

انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإنسان العربي
آيا برجاوي ( 2011 / 7 / 21 - 19:27 )
الفلسفة..هي السبيل لإدراك كيفية المسير في حياتنا الشخصية والتي من خلالها سندرك كيفية المسير في الحياة العامة..
عقل الإنسان العربي(ليس الجميع) محصور في أمرين هُما:الماضي القديم,والحدائق المنتظرة فقط..
وبات يعمل لتمجيد الماضي لنيل الحدائق..ونسيَ ذاته وتناسى مجتمعه وبات أضحوكة للأخرين وعشق الإتكالية وكل هذا مسجل على حساب تقدمنا العلمي والثقافي لا بأس من النظر إلى الماضي وإنتظار الحدائق ولكن في المقابل ليس من الضروري أن تنحصر الإهتمامات بهذه البوتقة فقط..فالنظر للحاضر والمستقبل واجب على كل إنسان..كي لا يدمر أخيه الإنسان وما زال بعض من أفراد مجتمعنا يسير على مقولة القناعة كنز لا يفنى..مع أن القناعة للأغبياء فقط كما قال بسام البغدادي..
بعض من أفراد مجتمعنا يعتقد أن الشيء الذي يمتلكه هو أفضل الأشياء وليس بإستطاعته أن يملك أشياء أخرى تناسبه أكثر..فأفراد مجتمعنا ما زالوا يلبسون أثواب السلف القديم ولم يلتفوا لنفسهم كي يلبسوا ملابسهم التي تناسبهم..
اللوم لا يجدي نفعا..لكن العمل هو الذي يجدي نفعا.فليبدأ كل إنسان بذاته وليخرج من تلك البوتقة ويرتدي ما يحلو له,ولكن ليس على حساب الأخرين.

تحياتي


2 - علم الفلسفة
خلدون ( 2011 / 7 / 22 - 21:24 )
يقال ان الفلسفة هي ام العلوم وعلم الفلسفة يبحث في جميع العلوم وهو العلم الذي يوسع ادراكنا في جميع جوانب الحياة اما كلمة فلسفة فمعناها في مجتمعاتنا الكلام الفاضي اي الغير مستفاد منه فلا عجب حيث ان علوم الفلسفة لم تدرس في مدارسنا وعليه فأن مبدا التحليل والتفريق بين الحقيقة والخيال صعب علينا لذا من السهل على مفكرينا ان يخرجوا علينا بنظريات علمية بدون اساس علمي بل من منطلق ديني بحت ولم يجدوا من يخطئهم فالحياة سهلة على المفكر العربي فهو يتكلم في كل شيء بجرأة عالية دون المطالبة بأي اثبات علمي ما دام يتكلم بأسم الدين حسب رايه ويجد من يؤيدة في ذلك والسبب هو غياب مباديء العلوم الصحيحة في حياتنا

اخر الافلام

.. 121-Al-Baqarah


.. 124-Al-Baqarah




.. 126-Al-Baqarah


.. 129-Al-Baqarah




.. 131-Al-Baqarah