الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


14 يوليو 1958.. حاجة محلية أم ضرورة دولية (4)

سامي فريدي

2011 / 7 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إذا سأل سائل: ما يمنع ظهور دراسات موضوعية تحليلية محايدة لحدث ولادة الجمهورية في العراق؟..
فأن أحد احتمالات الجواب ستكون.. وهل سبق دراسة أحداث سواها وفق هذا المنهج؟.
- ولكن المعروف ان المجتمع العراقي مشهور بالثقافة والابداع؟..
- ثقافة العراق شعرية.. والشعر رديف العفوية والتلقائية وليس الدراسة والتفكر..
- ولكن الثقافة...؟
- ثقافة تتعلق بالحاكم..

أول شرط للموضوعية هي انكار الذات. أول شرط لقبول الآخر هو الاستعداد لتخطئة الذات. وهذه الشروط السهلة لفظا شبه المستحيلة تطبيقا، ليس حالة فردية أو شخصية، بقدر ما هي نتاج بيئة ثقافية متزنة والاتزان هو العقلانية وهذه ترتبط بالواقعية.
وبيئتنا الاجتماعية الثقافية مازالت بيئة الثأر والغيرة والمفاخرة*. الغريب أن هاته الشخصية رغم مرور قرون على مغادرتها الصحراء وعيشة الشظف، ما زالت مسكونة بالخوف من الآخر، الخوف من كل شيء. هذا الخوف لا يكتفي برفض الشيء وانما تحطيمه وتحويله إلى تابع. مطلوب التوقف مليا عند ظاهرة التمثيل بالجثث الميتة أو تقطيع الجثة والتمثيل بها في طريقها إلى الموت. من السهل استخدام لفظة (الانتقام) أو (الثأر) ولكن الموضوع أكبر في معناه من مجرد كلمة أو كلمتين. الموضوع يعكس حجم الحقد الكامن، وهذا لا ينتهي أو يتسوّى بالموت أو التمثيل أو التعليق أو الحرق وما إليه، لكنه يبقى نابضا (الحقد) سنوات وسنوات ويورث عبر أجيال. ويوجد اليوم أشخاص لديهم مواقف انفعالية متشنجة من أحداث ما عاشوها وليس لها أثر مباشر أو حتى غير مباشر على حياتهم، لكن ردود أفعالهم المتوفزة تخرج عن المعقول بمجرد ذكر اسم أو كلمة تدلّ على أمر قديم وميت. (لماذا؟؟..).
حوادث كثيرة وقليلة الأهمية في التاريخ الاسلامي ما زالت تستثير البعض ويمكن أن تقودهم للاجرام بعد مئات السنين. لقد ترتب على فكرة الخوف والحقد والعنف والثأر منظومة كاملة محاطة بهالة مقدسة دينيا أو عرفيا أو أيديولوجيا، ليست في أصلها غير ظاهرة واحدة. وبالتالي فأن ظاهرة البداوة التي شكّلت نفسها في أطر العشيرة والقبيلة والدين والمذهب والطائفة عبر التاريخ، دخلت في العصر الحديث في منظومة الأيديولوجيا والحزب التي لم تعد (/تكن) غير أطر خارجية مهلهلة مشبعة بمضمون اجتماعي متوارث ومتخلف. وهو ما يمكن أن توصف جملة الحركات السياسية العربية التي لا تمثل في أفضل حالاتها سوى أطار عصري للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة (الدينية) في جانب العقلية (mentality) والمضمون الاجتماعي. فالحديث عن العراق الحديث ليس مرتبطا بالحداثة والعصرية، بقدر ما هو اجترار. وكان أولى بالحركات السياسية والثقافة العراقية الاهتمام ببناء الانسان وعصرنة العقلية واحداث نقلة حضارية تاريخية للانسان من عقلية الصحراء إلى عقلية المدينة. لقد انطلقت الدولة الحديثة في العشرينيات والثلاثينيات من هذا المنطلق، بينما عملت القوى السياسية على تسخير العراق لحرب باردة للقوى الدولية (بين موسكو ولندن وواشنطن)، وهو ما تجلى في أبهى صوره في انقلاب عسكري يخدم أغراض السياسة الدولية لعالم الحرب الباردة عقب الحرب العالمية الثانية. ويلحظ أن موسكو وواشنطن كانت أول من يعترف بالجمهورية الوليدة، لشق المجتمع والوطن إلى خندقين (شيوعي/ قومي) رفض كلّ منهما مهادنة الآخر أو قبوله والتعايش معه. وفي ظلّ هاته العقلية (التي هي واحدة عند الفئتين)، وعدم امكانية التعايش، كان لا بدّ من حسم الصراع إلى غالب ومغلوب، وهذا ما حدث في فبراير 1963. ولم يستنكف الطرف القومي من الاعتراف بالدعم الأميركي. فالواقع انه الصراع الحقيقي كان بين الروس والأميركان على أرض العراق، صراعا بالنيابة.
لماذا لم يفكر الضباط بالحركة قبل الحرب العالمية الثانية؟.. لماذا فشلت حركة مارس 1941 وتم تصفيتها بصورة وحشية من قبل الانجليز الذين استخدموا نفوذهم العسكري والسياسي لضرب الحركة، ليس لأنها عراقية، وانما كساحة خلفية للحرب ضد ألمانيا الهتلرية. فالعراق، حكوماته وحركاته السياسية كانوا ضحية لصراع الخنادق الدولية.
وما يؤسَف له، عدم ارتفاع أو تيقظ ساسة العراق لهذا الأمر، فجعلوا أنفسهم وشعبهم وبلدهم تحت رحمة المصالح الدولية. وهذا ما يكشف عن مسألة جوهرية مهمة، هي عدم ظهور أحزاب محلية عراقية لها من النضج والقوة بحيث تلبي تطلعات الشخصية العراقية وحاجتها للاستقرار والاستقلال. هذا لا يعني تجاهل الاحزاب العراقية يومذاك، وانما يؤشر ضعفها وضياعها بين قوتين كبيرتين نسبيا، ولاء كلّ منهما في الخارج.
انعدام الدراسات الموضوعية والمراجعات الذاتية والسياسية للماضي، منح ظاهرة التكرار والاجترار قوة استثنائية، سواء في وقوع البلد تحت هيمنة الحكم الشمولي البعثي أو الحكم الشمولي الديني، فكلّ ما يتغير هو اسم الفئة أو صنفها، أما العقلية فهي واحدة. أما التبعية فهي للخارج، مع تغييب تام للعراق.
لندن
ـــــــــــــــــــــــــ
• د. علي الوردي- لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء