الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع على الخلافة الاسلامية(5) خلافة عمر

الاء حامد

2011 / 7 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما كنت تلميذة في المرحلة الابتدائية وتحديدا في الصف الخامس الابتدائي حيث درسنا لأول مرة مادة التأريخ ضمن مجموعة من المواد المستحدثة لهذه المرحلة الدراسية.

حينذاك قدمت لنا معلمة المادة صورة غامضة وغير مكتملة عن ماهية التأريخ وتعريفه,حيث عرفته لنا بأنه سجل دونت فيه إحداث الماضي بكل وقائعها وصورها , ثم نقلت لنا صورة ناصعة الجمال والبياض عن إسلافنا وأجدادنا بوصفهم العظام ومجدت تأريخهم بأنقى العبارات وأجمل النعوتات نظرا للانجازات العظيمة التي قدموها بعصرهم الزاهر آنذاك. وتركوا لنا أرثا نفيسا لا يضاهيه شيا نستخرج منه ما ينفعنا في حاضرنا ومستقبلنا, ويستوجب علينا إكرامهم وتقديسهم معوله ذلك من لا خير فيه لماضيه لا خير فيه لحاضره ومستقبله هكذا دائما تردد هذه العبارة.

لم اقتنع بما قالته لنا معلمتي ورفض عقلي الصغير الغض تصديقها , ذهبت لوالدي فور وصولي إلى البيت لأسترسله فيما نقلته لنا المعلمة. فؤجئت بإجابة والدي التي كانت بعيدة تماما عما شرحته لنا المعلمة . فما التأريخ بنظره إلا سجل لجرائم ارتكبها إسلافنا الكرام وما كانوا هم بعظام بقدر ما كانوا مجرمي حرب وقد عبثوا في ارض فسادا.وما هذه الخصال الحسنة التي نسبناها لهم إلا هي من نسيج خيال مزوري التأريخ.

عندها دخلت في دوامة من التصور وتشوهت لدي أفكاري وتعرضت لعقدة نفسية مدمرة كادت تذهب بعقلي في مذاهب ما الله عالم به . أأصدق من ؟ معلمتي المسلمة المحجبة والمختصة في مجال عملها في التأريخ ام اصدق والدي ذلك الشيوعي الساخط من المجتمع برمته وتأريخه.

فعندما كبرت وقرأت التأريخ من زوايا متعددة عرفت بأن كلا من والدي ومعلمتي كانا صادقين بوصفهم لان كل منهم فسر لي التأريخ وفق عقدته النفسية من الواقع التاريخي وقد قاسا إحداثه تبعا لنظرتهم الفئوية الضيقة , ونسبة لميولهم الديني والمذهبي وربما حتى انتمائهم الحزبي دخل في دائرة الوصف الضيقة في هذا المجال.فلهذا نجد زيدا عند قوما عادلا وكريما وعند غيرهم ظالما وجائرا , هكذا هو الحال عندما نريد إن نبحث في خلافة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في أكثر من مورد.

عمر بن الخطاب تلك الشخصية القوية والعملاقة في التاريخ الإسلامي فهو أول من أسس دعائم الدولة الإسلامية المدنية بكل مفاصلها وساهم مساهمة فاعلة في مساندة رسول الإسلام بنشر دعوته ونجاحها. وقد تولى الخلافة بعهد من الخليفة ابى بكر قبيل وفاته .وتمت مبايعة الناس له ,ولم تحدث أيا من الخلافات والصراعات على تسنمه منصب الخلافة. بل العكس كانت الأمة متفقة تماما على توليه هذا المنصب ولم يأتي هذا التوافق من فراغ وإنما من محصلة وحدة الجماعة الذي كان عمر القوة الدافعة فيها إبان اجتماع السقيفة ,وما تقديمه للشيخ الكبير أبي بكر الذي يتقدمه سنا وسابقة إلا امتدادا لهذا الفريق في الحكم . وان هذا الدور الذي قام به عمر في تفشيل اجتماع الأنصار كما نقلنا في أجزاء سابقة أعطى لشخصيته ذلك البعد القيادي,حين تجلت فيه وقتذاك زعامة سياسية غير عادية. فقد كانت مبادرة خطيرة تلك التي أقدم عليها في السقيفة. وهي من أوصلته إلى الحكم لاحقا دون منافسه تذكر,فهو لاشك كان يريد الخلافة لنفسه وقد سلك من اجلها شتى السبل وجميع مسالك الطرق ولكن هنالك سؤال يتبادر في الذهن دائما.. من أعطى الحق لأبي بكر في تسمية عمر خليفة من بعده ؟ أهي بمثابة رد الجميل له كونه ساهم مساهمة فاعلة في وصوله للخلافة أول الأمر وكذلك مساندته في كل ورادة وشاردة من أمر الخلافة . فهو كان نائبه ومستشاره؟

ثم هنالك سؤالا أخر: هل هنالك حقا خصومة قد حدثت على السلطة ما بين عمر وعلي حيث إن الأخير كان يرى انه أولى بها من غيره ؟ ثم هل تم اختياره للخلافة بناء على نص قرآني ؟ فعلى الأرجح لا يوجد هنالك أي نص قرآني ينظم الخلافة ما بعد الرسول الا ما ذكر في أمرهم شورى بينهم . فهل تشاور الخليفة الأول بأختيار خلفه؟

نترك إجابة تلك الأسئلة للمتتبع والقارئ ليجبيها وفق قرأته للتاريخ وقناعته بها . ولنتباحث قليلا في الحكم الذي أسسه عمر إبان خلافته فقد عرف الإسلام أسلوبا جديدا من أساليب الحكم الشوروي وقد أكمل عمر ما ابتدأه سلفه من فتوحات, وتوسعت الدولة الإسلامية في حينها ودخلت كل من بلاد الشام والعراق ضمن حدودها ورقعتها وقد عظمت مواردها وتنوع سكانها.

وقد تبنى عمر بدولته النظم الفارسية بعد انضمام بلاد فارس له فأنشى الداويين فجعل ديوانا لبيت المال لإحصاء أموال الفيء والجزية والخراج والزكاة والخمس والصدقات, وجعل ديوانا للجند لإحصاء عددهم ومعرفة أسمائهم وديوان للمحاسبة وديوانا للبريد والاتصال وديوانا للقضاء(1)

كما إن نظام الحكم في عهد عمر نجده من حيث المبدأ كان استمرارا لــ( الثيوقراطية)(2) التي سادت في العصر الإسلامي الأول ( النبوي ) أي إن الخليفة جمع في يده السلطة المطلقة دون إن يكون لأي جهة أخرى دور في قراره وإحكامه .

ثمة هنالك تناقض بسيط ظهر جليا في بعض قرارات عمر العسكرية والسياسية حيث قام بعزل اكبرا قائدين عسكريين عن قيادة الجيش , الأول في الشام كان هو خالد بن الوليد والثاني في العراق هو سعد بن أبي وقاص لأسباب مختلفة فالأول في إفراطه في القتل وتجاوزه للحدود في حروب الردة والثاني بأستغلال منصبه وتجاوزه مهام عمله وهذين القرارين دليلين على سيطرة عمر القوية على الدولة بكل مفاصلها العسكرية والسياسية ,فكانا هذين القائدين البارزين عسكريا قد خدما الدولة الإسلامية من حيث النجاح الذي تكلل على أيديهم, الأول في القضاء على جيوب التمرد وفتح محور الشام وانتصاراته المبهرة على الدولة البيزنطية والثاني في فتح محور العراق وبلاد فارس فلم يعفهما تأريخهم العسكري المشرف من قرارات الخليفة القاسية بعزلهم من منصبيهما واستبدالهم بقادة مغمورين على الصعيد العسكري.

بينما ابقي على معاوية بن ابي سفيان في منصبه واليا على الشام على رغم من اختلاف النهج ما بينه وبين الخلافة وكذلك استبدال والي الكوفة الصحابي عمار بن ياسر بالمغيرة بن شعبة رغم أيضا اختلاف النهج السياسي بينهما معللا هذا الإجراء بمقتضيات المصلحة الإسلامية العامة , فالمصلحة اقتضت بعزل خالد الذي لولاه لم وصلت الدولة الإسلامية لقوتها العسكرية تلك وإبقاء معاوية بمنصبه الذي كان يعمد الى تأسيس دولة مستقلة له ولعائلته وقد أعلن تمرده على الدولة حالما سنحت له الفرصة في ذلك .. ؟؟؟

للحديث بقية في الجزء السادس







الاحالات
1.د.مهدي فضل الله في كتاب الخطاب الإسلامي
2.الدكتور ابراهيم بيضون في كتاب الحجاز والدولة الاسلامية ص146










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و


.. 61-An-Nisa




.. 62-An-Nisa


.. 63-An-Nisa




.. 64-An-Nisa