الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لأنهم كفروا بالإنسانية..

آيا الجوهري

2011 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


النزعة الإنسانية التي ظهرت في عصر النهضة التي أعلت من مكانة الإنسان وحريته وعملت على المساواة
والإخاء والسلام وإحترام كرامة وحقوق الإنسان وحرية الفكر والإعتقاد بحيث بحيث تكون التعددية الفكرية أكبر دليل على حرية الفكر
صدقوا السوفسطائيين عندما قالوا بأن الإنسان "مقياس كل شئ" وقالها أيضاً سقراط عندما تصدى لهم وبصرف النظر عن الإختلاف بين
السوفسطائيين وسقراط فالإنسان هو الذي يحدد المعايير والقيم الأخلاقية وفقاُ للقيم الإنسانية التي يحددها العقل الإنساني

فالذي يحرك الإنسان نحو الفعل الفاضل ليس أوامر ونواهي وثواب وعقاب فالإنسان الحر تحركه حريته والغير حر هو من يريد عقاب رادع
ليجبره على الفعل الفاضل ولايوجد رذائل أكبر من أذى الأخرين ولايوجد فضائل أعلى من إحترام الآخر
فمثلا الإنسان يستلزم عليه أن يحترم حرية الأخرين وفكرهم لأنه يريد منهم إحترام حريته وفكره فبالعقل يستطيع أن يحدد الإنسان القيم الإنسانية
لأن العقل واحد لا يتجزأ ولايتغير فهو ثابت -وأقصد العقل الموضوعي الغير متحيز لشئ ضد شئ في اطلاق احكامه- فالعقل ثابت إذاً القيم الإنسانية
ثابتة لاتحتاج لمن يفسرها أو يوضحها للأخرين.

اهم الحريات الإنسانية حرية الفكر والإبداع
حرية الفكر هي حرية الإعلان والتصريح بهذا الفكر وليس من حق أحد أن يأتي ويقول أن حرية الفكر هذه تتنافى مع عقيدته الفكرية
لأن الآخرين تركوا لك الحرية في أن تؤمن بعقيدة فكرية تعمل على إقصاء الآخر فعليك أنت أيضاً أن تترك للآخرين الحرية
فكيف تريد أن تكون حراً والآخرين ليسوا أحرار؟! هل هذا من المنطق أو العقل؟ بالطبع هو يتنافى مع العقل وبالتالي هو ضد الإنسانية.

حرية الإبداع فليس من حق فرد أن يحجر على حرية إبداع فرد لمجرد أن حريته الإبداعية هذه تتنافى مع عقيدته الفكرية فمن الهراء أن يرفض أحد
حرية إبداعية لفرد لأنها منافية لمبادئه إذا أنت ليس حراً عندما تريد أن تحجر على حرية الآخرين وتحجر على أهم ملكات الإنسان وهي قدرته
الإبداعية على خلق عمل إبداعي؛ فإذا كنت ترفض اعماله فلا تقرأ له إن كان أديب ولا تذهب لمعارضه إن كان فنان..
فالعمل الفني قدرة إبداعية لدى الإنسان ليس لها حدود فالطبيعة ذاتها عمل فني والإنسان يصل بقدراته الإبداعية لما هو أبعد من الطبيعة
فيظهر ذلك في الموسيقى والرسم والتمثيل والنحت والتأليف....إلخ هذا بجانب قدراته العقلية التي جلعته يصل إلى التطور التكنولوجي المعاصر
فلا حدود للقدرات البشرية وليس من حق أحد أن يضع حدود أو قيود لها بل يجب العمل على تنمية هذه القدرات.

تقوم النزعة الإنسانية على مبادئ السلام والمساواة وحقوق الإنسان والحرية الفردية وإحترام الآخر وإحترام التعددية الفكرية
وحقوق الحيوان أيضاً بل والأهم هو حقوق الطبيعة أو واجب الإنسان نحو الطبيعة
وبعض العقائد الدينية والفكرية بإختلافها أتت لتوطيد هذه المبادئ مع إختلاف أساليبهم وليس لمحاربة هذه المبادئ
ولكن من الغريب أن نجد هناك من يتصدى لهذه المبادئ ويريد أن يفرض عقيدته الفكرية أو الدينية على الآخرين وهذا يدفعني للسؤال:

هل فرض عقيدتك على الآخر بالقوة سوف تثبت أنك على صواب والآخرين مخطئين؟!
ما طعم الحياة إن لم يكن هناك تعددية فكرية وتعدد آراء ووجهات نظر؟!
وما فائد العقل إن كان الحل هو فرض أفكار جامدة غير قابلة للتفكيك وللفهم وللتفكير والنقد؟!
وكيف تتقدم المجتمعات الإنسانية إن كان الحل تحويل العقل لآلة تتلقى أفكار جامدة دون أن تفهمها أو تفككها؟!
وما الدليل على أن هُناك فكر صحيح وآخر مُخطئ؟! الدليل الوحيد هو العقل والصحيح هو ما لا يتنافى مع العقل والمنطق
فالعقل أهم ميزات الإنسان فهو يشكل إنسانية الإنسان فلولا العقل لما وصل الإنسان لكل هذا التقدم.

لستُ بصدد هجوم على عقيدة فكرية او دينية ولكن هجوم على التطرف في العقيدة الفكرية مما يدفع إلى إقصاء الآخر وعدم إحترام فكره ووجهة نظره
إن كل البشر بإختلاف أجناسهم وأعراقهم وعقائدهم دينية كانت أو فكرية فالجميع في النهاية ينتمي للإنسانية كوطن وعقيدة
لذلك من يخالف المبادئ الإنسانية هو كافر بالإنسانية
المبادئ الإنسانية التي لا أظن أنها تختلف عن مبادئ العقائد المختلفة
فالنزعة الإنسانية هي الحل لكل الصراعات بين البشر.

فعندما كفروا بالإنسانية إتجهوا إلى صراع بعضهم البعض
صراع من أجل إقصاء فكر الآخر، صراع من أجل فرض فكر على الآخر، صراع من أجل إضطهاد جنس لآخر أو عرق
لآخر أو عقيدة لآخرى، صراع من أجل السيطرة والهيمنة، صراع بدافع الأنانية وحب الذات، صراع من أجل المادة، صراع من أجل وطن
أو أرض......إلخ ولكن لماذا الصراع؟!
لأنهم كفروا بالإنسانية فدفعهم كفرهم بها أن ينسوا أن هذه الأرض ليس ملكاً لأحد دون آخر ولا حتى ملكاً للإنسان
هي للطبيعة كلها بكل مافيها من كائنات حية والإنسان مجرد عضو من أعضاء هذه الطبيعة
وضع الإنسان قوانين ليوفر لنفسه الحماية والأمن ولكنه لايزال يريد أن يصارع الآخر ليسيطر هو لا أن يعيش هو والآخر
يريد دائماً أن يدخل في صدام مع الآخر على أمل أن ينتصر هو وينتهي الأمر إما بإنتصار طرف وإما بإستمرار الصراع
بدون حسم للنتيجة ودائماً يغيب العقل في هذه الصراعات لأن لو العقل تدخل لما قام صراع مع الآخر.

فالإنسان ليس في حالة حرب مع الفكر المغاير له بل من الواجب أن يكون هناك فكر مغاير له ومن الواجب أن يحترم كلاً منهم الآخر
ولكن لأنه كفر بالإنسانية فقد عمل على إقصاء الآخر بدلاً من إحترام الآخر وإحترام حريته.

لأنهم كفروا بالإنسانية سوف يظل الصراع قائم بينهم
سوف يظل هُناك أزمة في قبول الآخر
لا لأن كل طرف كفر بعقيدة الآخر
بل لأن كل الأطراف كفروا بالإنسانية..

:)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أبدعت
حعدلي جندي ( 2011 / 7 / 30 - 10:08 )
فكر راق ومبدع ولا يسعني إلا مطالبتك بالمزيد ودمت نصير عمل العقل المتحرر والملتزم والذي بوجهة نظري المتواضعة هو الحل


2 - ما بين سقراط وبروتاغوراس
نعيم إيليا ( 2011 / 7 / 30 - 20:20 )
تحية للكاتبة على جهدها الذي لم يخل من ومضات عقلية ممتعة.
ولكن يؤخذ عليها أنها جمعت بين سقراط وبروتاغوراس السفسطائي صاحب مقولة (الإنسان مقياس الأشياء جميعاً) وهما لم يجتمعا قط على هذا المبدأ. لقد كان سقراط الذي استوحت الكاتبة منه أفكارها، نقيضاً للسفسطائيين في مذهبه الفلسفي الأخلاقي.
وإذا كان مثلهم اتجه للبحث عن المعرفة في الإنسان لا في الطبيعة كما فعل الماديون الأوائل، فإن هذا لا يعني أن سقراط أيد أو صادق على مقولة بروتاغوراس كما تزعم الكاتبة. إن مضمون هذه العبارة أبعد ما يكون عن فكر سقراط.
ولا أدري لماذا اعتبرتها الكاتبة صادقة، مع أنها تهدم جوهر فكرتها العامة المستندة إلى العقل!؟
هذه العبارة تنفي أن تكون ثمة حقيقة واحدة في حياة الإنسان يمكن أن تكون مقياساًً للمعرفة: فما هو مثلاً خير بالإضافة إلي قد يكون شراً بالإضافة إلى الكاتبة. وهذا يخالف رأي سقراط الذي كان يعتقد أن العقل مقياس صحيح لمعرفة الحقيقة العامة.


3 - تحياتي للجميع
آيا الجوهري ( 2011 / 7 / 30 - 22:23 )
تحياتي لك استاذ حعدلي جندي
تحياتي استاذ نعيم إيليا
انا قلت بصرف النظر عن الإختلاف بين السوفسطائيين
وسقراط
أنا إقتبست الجملة على إعتبار أن الإنسان فعلا هو مقياس كل شئ
وهو الذي يحدد القيم والمبادئ وهو الذي يصل للمعرفة
وقلت أن أهم ميزة للإنسان هي عقله وبدون العقل لا يصبح الإنسان إنسان
وبدون العقل لما وصل الإنسان للتقدم التكنولوجي والإبداعي أيضاً أنا لم أعلن تحيزي
لرأي أحد ولكني أعلنت أن الجملة التي وضعوها أساس لبحثهم هي في مضمونها صادقة ولم يعنيني الجدل بين سقراط والسوفسطائيين
عندما ذهب بروتاجوراس إلى أن الحواس وسيلة للمعرفة فإني أرى ان الحواس لاتعمل بدون أن يرسل العقل لها إشارات لكي تدرك ما حولها كالعين عندما ترى واليد عندما تلمس إذا فالنهاية العقل هو الأساس
وأنا لم أتحدث في المقالة عن الإختلاف بين بروتاجوراس وسقراط ولكني أخذت جملة الإنسان مقياس لكل شئ كتعبير عن النزعة الإنسانية والتي أهم مايميزها العقل
تخيل إنسان بدون عقل مفكر؟! فإنه لن يصبح إنسان بل سيعود إلى حياة الغابة
مقالتي عن ميزة الإنسان كعقل مفكر يصل إلى تقدم علمي وتقدم إبداعي أيضاً وهذا بالعقل والحواس معا
وشكرا لمرورك :))


4 - تبرير الخطأ خطأ أدهى من الخطأ
نعيم إيليا ( 2011 / 7 / 31 - 00:53 )
سيدتي، ذكرت أن سقراط قال عين ما قاله بروتاغوراس: ((صدقوا السوفسطائيين عندما قالوا بأن الإنسان -مقياس كل شئ- وقالها أيضاً سقراط...)) وهذا يعني أنك جمعت بين رأيي الاثنين كما جمع الفارابي بين رأيي الحكيمين. وكان الجمع الخطأ الأول.
ملاك مقالتك هو العقل، ومضمون مقولة بروتاغوراس لا شأن له بالعقل بل هو نقيض العقل، وهذا يعني أنك جمعت بين نقيضين وهو خطأ ثان.
بروتاغوراس لم يكن يعلم أن ثمة ارتباطاً بين العقل والإحساس كما نعلم نحن اليوم، فكيف جاز لك أن تفسري مقولته خارج حقيقتها التاريخية: ((فإني أرى ان الحواس لاتعمل بدون أن يرسل العقل لها إشارات لكي تدرك ما حولها)) ؟ فما ترينه أنت، ليس ما كان بروتاغوراس يراه. وهذا الخطأ الثالث.
والآن اسمحي لي بتطبيق مبدأ بروتاغوراس هذا على فكرة من أفكارك، تقولين: (( فليس من حق فرد أن يحجر على حرية إبداع فرد))
ولكن بحسب مضمون العبارة، من حق الفرد أن يمنع حرية الإبداع؛ لأنها تؤذيه. أليس الفرد هو المقياس بحسب بروتاغوراس؟
فكيف إذن يصح أن تصفي العبارة بالصدق وهي تكذِّب رأيك!؟
وهذا الخطأ الرابع
ومع ذلك تظل مقالتك جميلة مفيدة، ويعطيك العافية!



5 - الموضوع لا علاقة له بأراء بروتاجوراس
آيا الجوهري ( 2011 / 7 / 31 - 01:22 )
عزيزي استاذ نعيم
اولاً انا أقصد الجملة فقط بصرف النظر عن تفسير بروتاجوراس لها أو حتى تفسير سقراط فلم أتطرق لوجهة نظرهم في المقالة ولكني إقتبست العبارة منهم فصدقوا السوفساطئيين في قولهم لهذه العبارة ولم أقول في تفسيرهم لها ولا حتى تطرقت لتفسير سقراط لها بل أنني لم أتطرق لرأي أحد فيهم أو للجدل القائم بينهم
مجرد انني وجدت في هذه العبارة ما يناسب موضوعي

ثانياً لا يعنيني مضمون المقولة لدى بروتاجوراس او لدى سقراط بينما ما يعنيني هذه الجملة التي تعلي من شأن الإنسان -الإنسان ذو العقل المفكر لأن الذي لايملك عقل مفكر فهو لم يرتقي ليصبح إنسان-

ثالثاً بالنسبة إلى أن بروتاجوراس لم يكن يعلم أن هناك ارتباط بين العقل والحواس فهذه القضية لا تعنيني لأنني كما قلت لك استاذي لم أحلل رأي بروتاجوراس ورأي سقراط في مقولة -الإنسان مقياس كل شئ- ولكني إقتبست الجملة فقط ولم أقتبس تفسير أحد منهم

رابعاً أو -الخطأ الرابع- بالنسبة لتطبيقك لرأي بروتاجوراس على فكرة في المقالة فأقول لك استاذي أن لم أتبنى آراء بروتاجوراس في بناء موضوعي ولكني تبنيت الجملة بصرف النظر عن تفسير بروتاجوراس لها

خالص تحياتي لك :)

اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah