الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيوش الصائمين وكتيبة المفطرين

علال البسيط

2011 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد تناول الناس منذ حين مسألة الافطار في رمضان عمدا، واشتد فيها اللجاج بينهم، ودارت المعركة بين جيوش من الصائمين وسرية من المفطرين، وخيل إلى بعضهم أن ترك الناس أحرارا إن شاءوا صاموا وإن شاءوا أفطروا سيفضي بالمغاربة الى ردة جماعية تنتهي بهم إلى الإنكار والجحود.
يقع القوم من الاسلاميين ومؤيديهم من المسلمين التقليديين- الذين مردوا على مصادرة الآراء المخالفة للثقافة السائدة والإجهاز على أصوات المستنيرين من أبناء وطنهم- في العديد من التناقضات الدينية والاجتماعية والحقوقية، فهم يلعنون المفطرين ويكفرونهم بما اعينوا من الصفاقة والدعوى ولؤم الأدب والعجب، ويتجاهلون ما تنص عليه ادلوجتهم العقدية أن المرء لا يكفر اذا ترك الصيام معتقدا بوجوبه، لكنه يكفر اذا ترك الصلاة وإن كان معتقدا وجوبها!!.علما بأن الصلاة من أركان الإسلام ومن شعائره الأساسية، فلماذا يغضون الطرف عن تارك الصلاة ويكادون يزلقون المفطرين بألسنة حداد.. ؟!
ألا ينادى للصلاة في بلادنا ومع ذلك ترى الناس لا يبرحون كراسيهم في المقاهي والبارات.. أم أن الناس مخيرون في الصلاة مجبورون على الصيام!! مالكم كيف تحكمون؟ إن للمرء الحق في الاختلاف عن الآخرين في عاداته وعقائده وطريقة عيشه، وليس من خير في بيئة تنتج لنا عقولا متطابقة نسخة من نسخة، ومواطنين متشبعين بذات المناهج والوسائل والتصورات لا يحيدون عنها ولا يجيدون غيرها، كمعلبات السردين تتشابه لونا وشكلا ورائحة..!!
لقد كنا نظن أننا في دور انتقال وتحول جمعي نحو الديموقراطية وبناء الدولة المدنية على أساس الاندماج والتسامح وحرية الأفراد التامة في التفكير والبحث، والإعلان عما انتهوا إليه من آراء بعد البحث والتفكير الذي قد ينتهي بهم إلى الشك فيما كان الناس يرونه يقينا، أوجحود ما أجمع الناس على أنه حق لا شك فيه.
لكن يتبدى جليا أن كثيرا من أبناء الوطن الذين ينادون بالتغيير والديموقراطية والدولة الحديثة لا يفقهون من ذلك إلا ما يفقهه برابرة المعاني القادمون من القرون الوسطى. فالديموقراطية عندهم هي السفينة التي توصلهم إلى سدة الحكم فحسب وبعد ذلك يحرقونها.. والتغيير عندهم هو ما كان لصالحهم دون غيرهم. أنا لم أر قط قوما أشد تقلبا وتناقضا من هؤلاء.. سفهاء مكرمون بحكم الدين، كالحكام سفهاء مكرمون بحكم السلطة والسياسة.
أفحسب الاسلاميون وأنصارهم أن المغرب- الذي هو وطن لجميع المغاربة متدينين ولادينيين- جنتهم ومن خالف عن أمرهم فهم أبالسة يقال لهم ما قيل لإبليس : اخرج منها..
إن شعوب العالم اليوم تسابق بعضها نحو الحداثة والعلم وانسنة القيم والقوانين، بينما نحن نجاهد أنفسنا للبقاء على نفس النسق المتخلف الذي اعتدناه منذ آلاف السنين.. لماذا ترتعد فرائص الاسلاميين لمجرد سماعهم عن التسامح و التحديث والعقلانية، بينما يتراقصون طربا عند الخوض في التكفير والقصاص وإقامة الحدود والانتقام والجلد والتعزير..يكرهون الوجود من أجل أنفسهم ويكرهون أنفسهم من أجل الوجود..!!
فبدلا أن نشيع في الناس جوا من الثقافة المتسامحة، ومنظومة من القيم الأخلاقية والعلمية التي تشجع الإبداع والتجديد، وتستجيب لمتطلبات الحقبة الراهنة، وتتبني المناهج الفلسفية الحديثة في البحث عن حقائق الأشياء، متجردين في سبيل ذلك من كل ما نعلمه من قبل، متخلصين من كل هذه الأغلال الثقيلة التي تأخذ بأيدينا وأرجلنا وعقولنا وتحول بيننا وبين الحركة العقلية الحرة والمستقلة- بدلا من ذلك فإننا نروج لثقافة أحادية عقيمة راكدة، تجتر ولا تنتج، تجرم ولا تناقش، تحفظ ولا تعي، تستوعب ولا تحلل..
وأنت لو صرفت دهرا في مطالعة مقالات الاسلاميين المعاصرين ومؤلفاتهم فلن تجد فيها تجديدا يسترعي النظر، أو براعة تستدعي التأمل، لكنهم في جملتهم يتهالكون على مؤلفات القدماء وأقوالهم فيلخصونها تلخيصا، ويعرضونها لك بعبارة عصرية ثم يحيطونها بهالة من القداسة الدينية.
تراهم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، فهم في الجمع اسلاميون لكن إذا خلا بعضهم إلى بعض اخذوا يصنفون ويقصبون!! فالسلفيون الذين كانوا يعرفون قديما بأصحاب الحديث والفرقة الناجية يكفرون الصوفية من أتباع ابن عربي صاحب الفصوص والحلاج وابن سبعين القائلين بوحدة الوجود..والصوفية يكفرون ابن تيمية مرجع السلفيين زاعمين أنه مجسم ويعتقد أن النبي رأى الله في صورة شاب أمرد..وقل نفس الشيء في باقي الفرق الاسلامية الثلاث والسبعين التي كلها في النار إلا واحدة!!..فابحث أنت أيها القارئ بعد عن الفرقة الناجية في هذا الخضم المتلاطم.
ولا يفهمن أحد أنني أزدري الثقافة الاسلامية أو أزور عنها ازورارا، فإن فيها عيونا خصيبة من الأفكار، وأقطابا تتلألأ في أفق الحضارة والفلسفة الانسانية كابن رشد وابن سينا وابن طفيل والمعري... حتى ابن تيمية صاحب درء تعارض العقل والنقل وهو كتاب ناطق بما لصاحبه من اطلاع على أساسات المنطق وتمرس في الحجاج.. لكن إخواننا الاسلاميين لا يأخذون من القدماء إلا الحشو والتخليط، ويزيدون عليه بما يتحلون به من سوء الفهم و لؤم الغريزة أضعافا من الحشو والتخليط..فتكون النتيجة بين يديك في ما يسودونه ويطبعونه.

إن أهم ما نحتاجه في مجتمعاتنا العربية هو النقد والتقييم الذاتي، أن نطالع أنفسنا في مرآة الواقع لنرى الترهل الفكري والثقافي الذي نكابده، ونعي الوهم الكبير الذي نعيشه من أننا خير الشعوب والأمم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الواقع المر
كامل سالم ( 2011 / 7 / 31 - 09:17 )
تحيه وتقدير شكرا عاى هذا العرض الذي يمثل الحقيقه الناصعه ودمتم للمزيد


2 - الإفطار العلني لرمضان
جيفري عبدو ( 2011 / 7 / 31 - 14:24 )
القانون ينص صراحةعلى معاقبة من أفطر علنا و يدينه بمدة معينة لسجنه في حين لا ينبس ببنت شفة على تارك الصلاة وهذا كما أسلفت في حد ذاته تناقض
ربما لأن رمضان شهر من اثني عشر شهرا لذلك فهو ذو قيمة وافطاره علنا سيضر بالقيم الاجتماعية و يكون وسيلة للتحريض و التطاول على المبادئ الاسلامية في حين الصلاة مفروضة خمس مرات في اليوم وان طال العمر( أرا ما تصلي آولد بلادي)
زد على هذا فهناك حديث قدسي يقول كل عمل بن آدم له الا الصوم فانه لي وأنا أجزي به
من هنا كانت هذه القدسية للصيام و لشهر رمضان الأمر الذي جعل افطاره كعصيان معلن
وتقبل سلام بن البلد و تحياتي لجميع الاخوة المعلقين ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah