الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معنى الطبيعة

مونير كوبي

2011 / 8 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقول سليم دولة نقلا عن فيلسوف النقد كانط بأن الحيوانات منذ أن تمتلك القوة حتى تشرع في إستعمالها وبصورة منتظمة بشكل لا يجعلها تلحق الضرر بنفسها، حيث نشاهد مثلا صغار الخطاف تلقي بنفاياتها خارج العش وهي لازالت عمياء، خرجت لتوها من قشرة البيضة دون أن تكون قد تعلمت ذلك، وهذا يثبت بأن الحيوانات ليست في حاجة إلى رعاية أو عناية، فأكثر ما تحتاج إليه هو الغذاء والدفء وبعض الحماية.
إن معظم الحيوانات في حاجة إلى الغذاء ولكنها ليست في حاجة إلى الرعاية، ونعني بالرعاية الاحتياطات أو الإجراءات التي يتخذها الآباء حتى يحولوا بين أبنائهم وإستعمالهم لقواهم الخاصة، لألا يلحقوا الضرر بأنفسهم. فإذا ما صوت الحيوان، أو صغير الحيوان، عند الولادة كما يصرخ الأطفال الآدميون يصبح فريسة للذئاب ولسائر الحيوانات المتوحشة التي يكون قد نبهها صراخه .
نستشف من هذه الواقعة أن الدوافع الغريزية، كالجوع والجنس والخوف والأمومة عند الحيوان والإنسان، تتميز بخصائص عديدة منها أن السلوك الغريزي يسير على نحو نمطي ومتكرر لدى كل نوع، وأن السلوك الغريزي فطري ناتج عـن العوامل الوراثية، ومشكل من التجارب الفردية، لأنه يعبر عن التركيب العـضوي الموروث. كما تتميز بالثبات، بحيث يصعب تعديلها أو إستئصالها من نفس الفرد.
وهكذا، فالدوافع الأولية التي تكون طبيعة الحيوان وطبيعة الإنسان، هي إستعداد فطري يدفع هذه الكائنات إلى القيام بالسلوك الذي تتطلبه المواقف المختلفة، والتي تقتضي المحافظة على الذات أو الجنس.
فإذا لاحظنا سلوك الحيوانات في بناء أعشاشها نجدها لا تخرج عن دائرة الغريزة، حيث تبني الطيور أعشاشها في أماكن مختلفة، إما على الأشجار أو على الصخور أو في التربة، وتختلف مهارة الطيور في بناء أعشاشها باختلاف أنواعها، وهو سلوكٌ فطريّ تقوم به الطيور للقيام بعملية التكاثر والمحافظة على حياتها ونوعها، وتبذل بعض الطيور وقتًا طويلاً في بناء العش خاصة الطيور النسّاجة.
وعندما نتحدث عن مسكن النمل فإننا نتحدث عن هندسة معمارية راقية، وإذا حاولت مشاهدة النمل وهو يبنى مسكنه فإنك تعجب من قدرة هذه النملة الصغيرة في إنجاز هذا المسكن البديع، فهي تحفر أنفاقًا في التربة تقسمها إلى غرف تستعمل بعضها لخزن الغذاء الذي تجمعه باستمرار وتستعمل بعضه الآخر للسكن.
وللبحث عن الغذاء وتناوله هناك طرق مختلفة عند الحيوانات، منها، حيث تقوم بعض الطيور الجارحة الكبيرة بالتغذي على بيض الطيور الأخرى كالنعام، وعندما تجد هذه الطيور الجارحة البيض فإنها تحمل في منقارها حجرًا متوسط الحجم وترمي به على البيضة وتكرر ذلك مرارا حتى تكسرها وتتغذى على ما بداخلها. وتقوم نملة الغابة التي تتغذى على الحشرات بإفراز حمض النمليك إلى مسافات تزيد على عشرة سنتيمترات، الذي يشلّ حركة الحشرات التي يقع عليها، ثم تقوم النملة بحمل الحشرة بواسطة فكيها إلى مسكنها.
ويقول سليم دولة مفسرا ذلك:"إذا فسر كانط السلوك الحيواني بإرجاعه إلى الغريزة فإن وراء الغريزة ما يطلق عليه علة خارجية أو سببا خارجيا ويمكن أن تكون هذه العلة هي الله أو الطبيعة، المهم في هذا المجال، رغم أن هذه الفكرة بقيت زئبقية غائمة، أن كانط التجأ إليها ليؤكد في المقابل على الخاصية الأساسية للسلوك البشري" ، والتي تتسم بالإبداع والإبتكار والتجديد والتغيير والتنوع والإختلاف.
ولتوضيح ما نعينه بالطبيعة، جاء في معجم لالاند أن الطبيعة قد تعني مبدأ يعد منتجا لتطور كائن، ومحققا فيه لنموذج معين، وقد يعني جوهر نوع أي مجموعة خصائص تحدده: مزايا أساسية لعلم أو لمسألة أو لفكرة أو لمؤسسة وقد كان باكون وديكارت يطلقان ، بمعنى قريب جدا، إسم طبيعة على الخواص المكونة لجسم ما، ويطلقان إسم طبائع بسيطة على الأوصاف التي تقبل التفكيك والتي يعتبران أن كل الأشياء الأخرى تتكون بواسطتها، وقد يعني كل ما هو فطري وغريزي وعفوي في جنس كياني ولاسيما في البشرية، وهو ما يتعارض مع ما جرى اكتسابه بالخبرة الفردية أوالاجتماعية. وقد تعني كذلك علامات فارقة تميز فردا أي هو طبع أو فرادة، بقدر ما تعتبر هذه العلامات طبائع فطرية وتحدث أفعالا شبه غريزية.
وبمعنى عام الطبيعة هي جملة الأشياء المتسمة بنظام، المحققة لنماذج أو المتحققة وفقا لقوانين، ومن ثم المبدأ الفعال والحي، الإرادة التنظيمية التي تتجلى بهذا الانتظام. ويمكن أن تفيد مجمل ما خلقه الله، أو ما يحدث في العالم أو في الإنسان بلا حساب أو روية، أي مجموع الكائنات غير الإنسان باعتبار فاعل الحياة الواعية والإرادية. ويمكن أن تفيد مجموع الكائنات أو مزايا الكائنات التي لا تنزع إلى غاية، لكنها تتحرك كلها بعلية شبه آلية، وبهذا المعنى تتعارض الطبيعة مع الروح، ومع الحرية، ومع الشخصية. وتفيد كذلك العالم المرئي، أو ما نحن معتادون عليه، الأشياء والأحداث كما تتراءى لنا عادة، وبهذا المعنى تعارض الطبيعة مع ما هو فوق طبيعي، وهي كذلك مبدأ أساسي لكل حكم معياري .
من خلال التحديدات السابقة نستخلص أن مفهوم الطبيعة لا يسقط فقط على الطبيعة بما هي مجموع الأشياء الخارجية التي تحيط بالإنسان والتي لم يتدخل في صنعها، من مياه وجبال وبحار وحيوانات، كما لا يسقط حصريا على الطبيعة بما هي شيء خالص و غير مصنع، مثل عصير البرتقال حين لا تضاف إليه مواد حافظة أو ملونة. إن الطبيعة هي كذلك تلك الخصائص الثابتة التي تحدد هوية كائن ما، بحيث لا يمكن تصوره بدونها، فنقول مثلا إن النار تحرق أي أن طبيعتها حارقة، أو أن الثعلب ماكر أي أن طبعه يتسم بالمكر. فالطبيعة هي مجموع الخصائص الفطرية و الغريزية التي تولد مع الإنسان كالأكل و النوم وغيرهما. و بهذا المعنى فالطبيعة هي عكس ما هو مكتسب وثقافي. لذلك يمكن أن نختزل دلالة الطبيعة في كونها مجموع القوانين التي تخضع لها الأشياء الموجودة في الكون.
قد تبدو هذه التحديدات كافية لتمييز الطبيعة عن الثقافة ووضع حدود فاصلة بينهما، وتجعلنا نطمئن إلى هذه الحدود دون أن تثير فينا أي إشكال. لكن هناك أسئلة تنتظر أن يصلها محك التفكير من قبيل: لماذا لا نأكل بنفس الكيفية ووفقا لقواعد محددة؟ أليس ما يصنعه الإنسان آت من الطبيعة ومن موادها؟ وحين نمارس العنف في الملاعب أو في المدارس، هل الطبيعة هي التي تتكلم فينا؟ فأين ينتهي ما هو جبلي ليبدأ ما هو ثقافي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي باشتباكات في جباليا | #


.. خيارات أميركا بعد حرب غزة.. قوة متعددة الجنسيات أو فريق حفظ




.. محاكمة ترامب تدخل مرحلةً جديدة.. هل تؤثر هذه المحاكمة على حم


.. إسرائيل تدرس مقترحا أميركيا بنقل السلطة في غزة من حماس |#غر




.. لحظة قصف إسرائيلي استهدف مخيم جنين