الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهر الفضيل و هستيريا رمضان

جريس سالم بقاعين

2011 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما ترى قبل غروب الشمس وجوهاً صفراء كالحة مكفهرة و ازمة سير خانقة و صيحة سب من هنا و تأففاً هناك و فوضى عارمة في الشارع ... فاعلم أنك في شهر رمضان؟
نعم هذا ما يميز رمضان في بلاد العالم العربي الإسلامي عن غيره من الشهور، إنه شهر الخير و العطاء و الإحسان كما يصفه رجال الدين و أتباعهم الكثر ، فهل هو كذلك؟؟
فدعونا نبحث بكل حياد و موضوعية في شهر رمضان و آثاره على أرض الواقع بعيداً عن الكتب الصفراء و الخطب الرنانة و تجليات الوعاظ و رياء الناس .
سيكون بحثنا في عدة محاور اساسية تشمل :الحالة الإقتصادية ،الإجتماعية ، الصحية ، الثقافية ،و مناسبات مميزة .
أولاً- الحالة الإقتصادية- و سنبحث فيها : البضائع و السلع ، ساعات العمل و الإيجاز ، أموال الصدقات .
ا – البضائع و السلع :

يمكننا أن نعتبر شهر رمضان شهر الطعام من الدرجة الأولى على العكس تماماً مما يصوره الدعاة و رجال الدين على انه شهر الإمساك و التقشف و إقلال الطعام و الشراب . ففي رمضان تنشط المطاعم و ترتفع نسبة مبيع الأطعمة بمختلف انواعها و أصنافها لتتجاوز في العالم العربي و الإسلامي نظائرها في العالم الغربي في مناسبات الأعياد و رأس السنة ، و بشكل كبير ، حسب إحصاء بعض المؤسسات الخاصة العاملة في ذلك المجال ، و لا غرابة في ذلك فإن فترة رمضان تمتد لأكثر من شهر من الزمن إذا ما أضيفت لها فترة عيد القطر السعيد .

و مع إزدياد الطلب على الطعام و الشراب ترتفع الأسعار بشكل عام بما فيها المأكولات الشعبية البسيطة التي يفترض فيها ان تكون رخيصة في متناول اليد ، و يزداد الضغط على الفقير الذي يعاني كثيراً في شهر رمضان ، فهو في نهاره ترى عيناه ما لذ و طاب من الماكولات و الحلويات و الفواكة و المكسرات التي يفتقدها عند تناول إفطاره ليتابع النظر إليها غبر شاشات التلفزة التي لا تتوقف عن عرض مأكولات و حلويات شهر الصيام .

اما المطاعم فهي دون أدنى شك من نصيب الأغنياء ، خاصة ما يصنف منها بالنجوم الخمس ، و قد يتجرأ أصحاب الدخل المحدود على تناول و جبة إفطار واحدة في بعض المطاعم العادية و يدفعون ثمن ذلك تقشفاً قاسياً لبقية شهر رمضان الكريم لا يعادل الحساء البارد او الطعام الفقير او الخدمة الناقصة التي قثدمت لهم ، على عكس الموائد المفتوحة في المطاعم الفاخرة حيث يخدع الصوم فيها الأغنياء فيملأون أطباقهم بما يزيد عن حاجتهم و قدرتهم ، لتذهب ألذ الأطعمة و افخرها الى الهدر و الضياع و الرمي في القمامة ! و هكذا فإن الغني يزداد يزداد شعوراً و تفكيراً و تضامناً مع اخيه الفقير في رمضان كما يراه رجال الدين و الدعاة !.

و ما دمنا نتحدث عن الطعام و بقاياه فإنه لا بد لي هنا من ذكر قضية ينفرد بها المسلمون بشكل عام عن غيرهم ، و هي مفهوم النعمة و الحفاظ على النعمة كي لا يحرم الله عِباده منها .... فكسرة الخبز تترأس النعمة في عالمنا العربي الإسلامي التي لا تلبث أن ترى كثيراً من المارين و العابرين من الناس و قد رفعوها فوق رؤوسهم بعد تقبيلها ثم وضعوها في مكان يرتفع عن سطح الأرض تكريماً لها و ليتسنى لمختلف انواع الحشرات الوصول إليها بسهولة.

و الحقيقةأن مفهوم الحفاظ على أنواع الأطعمة و ترشيد استهلاكها يدخل ضمن الأمور الإقتصادية العائدة لكل فرد و كل أسرة في المجتمع و لا علاقة للنعمة في الحلال و الحرام او تدخل السماء فيها .

إلا أن المحاكمات التقليدية الضيقة في رؤيتها و افقها و المعتمدة على معارف القرون الغابرة جعلتنا نرى في كسرة الخبز او بقايا الأرز – قياساً عليها – أو بقايا الطعام عامة نعمة يجب الحفاظ عليها كي لا يحرمنا الله إياها ، و لم يخطر ببال أولئك الذين يحاكمون بتلك الطريقة أن قشر البيض مثلاً الذي نقذفه في سلة المهملات يمكن أن نحصل منه بعد سحقه و معالجته على عناصر من الفيتامينات الهامة ، كالكالسيوم ، اللازمة للجسم ، و كذلك حال أوراق الفجل التي تزيد فوائدها و أهميتها أضعاف فائدة ثمرة الفجل ذاتها ، و في قشور البطاطا و الخيار و البرتقال و الليمون التي يكون مأواها أكياس القمامة و التي يمكن أن يستفاد منها و في البيت مباشرة في إعداد مستحضرات تصلح للتجميل و العناية للبشرة لا تقارن أهميتها و قيمتها و أسعارها برغيف الخبز الذي إعتاد أجدادنا على الركض خلفه لعدم قدرتهم على إنتاجه و معرفة غيره .

و هنا نتساءل أين الحفاظ على النعمة في حالتنا هذه و في تعاملنا مع غذائنا اليومي ؟!

ب – ساعات العمل و الإنجاز:

تنخفض ساعات العمل في شهر رمضان في الدول العربية و الإسلامية لتصل الى حدها الأدنى عند بدء زمن الإفطار مع ما يتبعه من صلاة التراويح و أذكارها في كل يوم على مر اكثر من شهر ، و بعض البلدان كدول الخليج مثلاً التي يسود فيها الطقس الحار ينقلب نظام عملها ليصبح نهارها لباساً و ليلها معاشاً .
و تظهر علائم الخمول و الملل على معظم القائمين في الأعمال المكتبية بينما بينما تقل ساعات العمل عند أصحاب المهن التي تتطلب مجهوداً عضلياً و العمال بشكل عام ، و قد تصل الى أدنى مستوياتها في بعض المجالات و الأحوال كالعمل في أعمال البناء ظهراً تحت أشعة الشمس الحارة أثناء الصيام .

و الحقيقة أنه لا يوجد في البلاد العربية و الإسلامية مركز بحث أو مؤسسة إحصائية تتجرأ و تقوم بحساب و إحصاء و تقدير للتأثيرات الإقتصادية التي يمكن أن تنشأ من إنخفاض ساعات العمل على مر أكثر من شهر من الزمن ، و ذلك بغية تقييم الحالة الإقتصادية بموضوعية و علمية و حيادية في شهر رمضان .

و هنا يتبادر الى الذهن تساؤل مشروع مفاده :

ما حال أصحاب رؤوس الأموال و الشركات و رجال الأعمال من غير المسلمين الذين يملكون أو يستثمرون أعمالاً في البلاد العربية الإسلامية عندما يخسرون من ساعات العمل لديهم و مردودها و من يعوض عنهم ذلك ؟! و إذا كان المسلم يحصل على أجر و مغفرة و ثواب و عطاء في الدار الآخرة و على تسهيل و تخفيف من طبيعة عمله في الدنيا لقاء صيامه ، فما الذي يحصل عليه أولئك الناس من صيام المسلمين في الدنيا أو الآخرة؟ّ – الحل هو إعتناق الإسلام!!!!! –

و ما دمنا نتحدث في العمل و الإقتصاد فإنه لا بد لنا من التطرق الى بعض الدول العربية الإسلامية التي يشكل العمل السياحي فيها مصدر دخل رئيسي في عائداتها المالية ، و التي ستتأثر مع قدوم شهر رمضان في ايام الصيف الحار و هو ما يحدث الآن ، ذلك أن معضم السياح الأجانب الذين يأتون صيفاً للإستمتاع بأشعة الشمس صيفاً مع ما يتبعها من إستجمام و سباحة و لباس خليع و شراب ممقوت يُخسر الصائم صيامه فما أكثر مفسدات الصيام في الإسلام ، و ما أسرع المسلم الصائم الغيور على دينه في أستفتاء رجال الدين لحماية دينه و صيامه الذين يدعمونه بضرورة إيقاف عمله في ذلك الشهر في سبيل تحقيق اوامر الله و طاعته ، و لا ندري فقد تصل مجالس رجال الدين الى ضرورة إلغاء السياحة أو وضع شروط قاسية محددة لها في شهر رمضان المبارك لحماية الدين و حماة الدين و اتباع الدين من إغواء الشيطان الرجيم؟! أخيراً فإن شهر رمضان المبارك يمكنه أن يكون شهر العبادة و الطاعة لكنه دون أدنى شك لا يمكنه أن يكون شهر العمل و الإنتاج و السياحة .

ج – أموال الصدقات:

يقوم كثير من مسلمي اليوم بإخراج زكاة المال المفروضة في شهر رمضان لإعانة الفقير و زيادة الأجر ، و على الرغم من دفع الكثير منهم للأموال المستحقة فعلاً في الزكاة فإن كمية تلك الأموال المقدمة تبقى هزيلة و لا تكاد تسد رمق الفقير في غلاء الشهر الفضيل ، و نظراً لإزدياد عدد الفقراء و العاطلين عن العمل في معظم الدول العربية و الإسلامية فإننا نقترح رأياً : إعتماداً على الآية ( و على الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له ) كيف يمكن المسلم المعافى أن يدفع فدية مقدارها إطعام مسكين – أو أكثر لمن أراد – لقاء عدم صيامه لذلك اليوم ، فإذا ما اعتبرنا أن عدد المسلمين في العالم مليار نسمة و أن عدد المكلفين بالصيام هو نصف ذلك العدد ( نصف مليار نسمة ) و ان عدد القادرين على دفع فدية هو نصف العدد( ربع مليار نسمة ) و هو تقدير مقبول نسبياً لأن معظم المكلفين بالصيام و الذين يقيمون في دول الغرب يحصلون على دخل مادي مقبول و يمكنهم من خلاله دفع الفدية و متابعة حياتهم اليومية في تلك البلاد.

و بفرض ان معدل اطعام ملائم لمسكين واحد في اليوم هو ما يقارب ( 4 دولارات) عندها يمكننا أن نحصل يومياً على مبلغ مقداره (4-1 مليار مضروباً بِ 4 )=مليار دولار يومياً .

و هو رقم يمكن من خلاله و على مر شهر من الوقت إقامة مشاريع إنمائية في العالم العربي الإسلامي تحسن من أحوال المسلمين و تجعلهم قادرين على تحصيل ثمن طعامهم و شرابهم بأنفسهم و بجهودهم و بذلك يصبح شهر رمضان شهر إحسان و عطاء فعلاً لا شهر إيقاف لجوع الفقير عبر طعام مؤقت لا يقدم حلاً جذرياً لتحسين حاله و أموره .

أخيراً لا بد لنا هنا من استعراض ظاهرة بدات تظهر في شهر رمضان وهي قيام الأغنياء بتحويل أموال زكاتهم الى إعانات غذائية تشمل أطعمة أساسية كالأرز و السكر و الزيت و السمن و التي غالباً ما تكون من أسوأ الانواع و أرخصها ، و أننا نرى أن ذلك قد نجم عن أسباب تجارية نفعية بحتة حيث أن التجار و منهم الأغنياء يجدون في شهر رمضان موسماً خصباً للتخلص من منتجاتهم الغذائية الكاسدة و الحصول على ربح من خلالها و رضا و أجر من رب العباد لدفعهم حق العباد في مال الله!!!

و مهما يكن في الأمر فأن أدب العطاء بشكل عام يتطلب إعطاء الفقير المال مع حرية القرار المطلقة في تقديره لما يحتاج له أو يريده بنفسه .

كذلك نذكر ظاهرة اخرى تسمى اليوم ( موائد الرحمن ) و هي عبارة عن طعام و شراب يقدمه بعض المقتدرين او الأغنياء من المسلمين لإفطار الصائمين الفقراء في شهر رمضان ، و قد إنتشرت تلك الظاهرة في كثير من البلاد العربية الإسلامية ، و مهما يكن من الأمر فإنك إذا دعوت سائحاً غريباً الى تلك الموائد فإنه سيرفض أكلها و شرابها حتماً و سيسأل نفسه عما إذا كانت موائد المسلمين في الجنة في الآخرة مشابهة لها في الدنيا .

و الحقيقة إن ما رأته عيناي من أغلب تلك الموائد لا يسر القلب أو النظر ، فالمناضد منتشرة في الشوارع وهي عبارة عن تروس خشبية وسخة و فوقها غطاء بلاستيكي يفوفها قذارة و الذباب يولم على أرغفة الخبز أو على أطباق المخلل أو الحساء البارد التي تُحضّر قبل موعد الإفطار ، و لا ضرر بذلك فوجود الذباب في الطعام مألوف في الحديث النيوي المشهور( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في احد جناحيه شفاء و في الآخر دواء ) بل على العكس يجب غمسه في الطعام لأن في طرفه الآخر شفاء من البلاء! أما المدعون الى موائد الرحمن فسبحان الذي خلق الجمال فحدّث بلا حرج عن هيئتهم و أشكالهم و مظهرهم و ثيابهم ، أو على منظرهم بعد أن ينتهوا من تناول الطعام و هم يلعقون أصابعهم لعقاً إقتداءً برسولهم إعتماداعلى الحديث ( قال محمد: إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليُمِطْ ما كان بها من أذى و ليأكلها و لا يدعها للشيطان و لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أيّ طعامه البركة ) .

و هنا يتبادر الى ذهني الإعلانات الدينية على القنوات الفضائية و التي تبين لنا رجلاّ جليلاّ وقوراّ يدعو فتى أنيقاّ نظيفاّ مبتهجاّ الى متابعة ذلك البرنامج الهام و قد ارتدى ثياباً بيضاء ناصعة تفوق بياض الثلج و جلس في غرفة محاطة بكل مظاهر الرخاء و الرفاهية الحديثة التي وفرها الغرب المسيحي الكافر و على راسها الأثاث الخشبي الثمين و شاشة التلفاز الفاخرة الكبيرة مما يجعلني اتساءل هل ينقل الإعلام العربي الإسلامي بأمانة و حياد واقع تفاصيل حياة المسلم الإجتماعية ؟ ام تراه يبث برامجه من المريخ و المسلمون يعانون في كوكب الأرض؟؟؟

و الى اللقاء القادم في البحث في الحالة الإجتماعية في رمضان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقائق مؤلمة
نور الحرية ( 2011 / 8 / 3 - 10:48 )
مقال واقتراح جدير حقا بالاهتمام وانا اكتب هدا التعليق للتو ارى ان غالبية الدكاكين في حينا مازالت لم تفتح بعد رغم اننا قاربنا منتصف اليوم فاي شهر عمل وعبادة هدا الدي يتحدثون عنه

اخر الافلام

.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي


.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن




.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر