الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا شرير إذا أنا موجود!

عمر دخان

2011 / 8 / 2
المجتمع المدني


سمعنا كثيرا عن حب عمل الخير، و عن أشخاص يقومون بالخير لا من أجل أهداف شخصيه أو سياسيه، و لكن لأنهم جبلوا على ذلك، و لأن فعل الخير هو شيء لا يناقض الفطرة البشرية، بل غالبا ما يكون مرادفا لها. أما الغريب و الشاذ فهو الأشخاص الذين يقومون بالشر لا لشيء سوى لعمل الشر، و الأدهى من ذلك عندما يكون الأمر ليس منتشرا في أشخاص معينين فحسب، و إنما في مجتمع بأكمله يمارس الشر كجزء من حياته اليومية، بل و يعتبره شطارة و أسلوب حياة يتباهى به و يتفاخر.

تعريفي هنا للشر هو كل ما يقوم به الإنسان عن قصد و يؤدي به إلى إلحاق الأذى بالآخرين، و المعنى طبعا لا ينحصر في هذا التعريف، و لكن هذا التعريف بالذات هو أساس موضوع اليوم، و هو إلحاق الضرر بالآخرين حتى لو لم تكن هناك فائدة مرجوة من وراء ذلك، و سلب الإنسان للآخرين حقوقا هو ليس في حاجه إليها أو ربما ليست من حقه إطلاقا، لمجرد أنه يستطيع، و لمجرد أنه يملك القوه و النفوذ للقيام بذلك، على الرغم من أن هذه التصرفات لا تنحصر في أصحاب النفوذ فحسب، فحتى الفقراء لا يرحمون بعضهم البعض.

انا هنا طبعا آخذ المجتمع الجزائري كمثال، و على الرغم من ذلك و من أجل أن لا تكون الصورة مظلمة تماما، يجب أن أنبه أنه ليس كل جزائري بهذه الصفات، و هناك الكثيرون ممن يحملون فطره سليمه، و لكنها غارقه في طوفان من الشر، و الذي أصبح مرتبطا بعبارة "العربي" في الجزائر، فالعربي الجزائري لا يجد غضاضة من انتقاد الشر في المجتمع بجعله شيئا من أفعال العرب أو الأعراب كما أُصبح يطلق عليهم، و هو ما يؤكد أن الجزائري العربي نفسه يؤمن أن مجرد كونه عربيا، يجعل منه شريرا بالفطرة، لأنه هو من يطلق على نفسه صفات الشر و الأذية، معتقدا أنها رجولة و فحوله، و أنه " إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب" و هي مقولة أسمعها كثيرا بروايات مختلفة و معنى واحد، و هي في جوهرها تكرس مفهوم الغابة التي نعيش فيها، و تجعل الشر أمرا فطريا لا مفر منه، فإما أن تكون شريرا و تتغدى بالناس، و إلا هم تعشوا بك.

الشر لا ينحصر فقط في الأذية المميتة أو المدمرة للأشخاص الآخرين و حياتهم، بل يمكن أن يكون في أمور يراها الغوغاء أمورا "تافهة" مثل إلقاء القمامة في الشارع و لو كانت علبه عصير فارغه أو أي شيء يستخدمه ثم يرميه في الطريق، فهو مثل الكلب الذي يسير و متى ما أتته حاجته قضاها، بل و الله أنه هناك من الكلاب المحترمة التي تدرك أنه ليس كل مكان يمكن رمي الفضلات فيه أو قضاء الحاجه. هناك أيضا من أشكال الشر عدم إفساح المجال للآخرين أثناء قيادة المركبات، حتى و إن كان صاحب تلك المركبة غير مستعجل على الإطلاق، و هو أمر شاهدته بعيني في سيارات كنت أنا على متنها، حيث لم يكن وراءنا شيء و كنا نتجول فقط، و لكن صاحب المركبة لم يكن يفتح المجال لأصحاب المركبات الأخرى و بشكل عنادي واضح، على الرغم من أنه يمكن أن يكون بين أصحاب المركبات الأخرى أناس مستعجلون فعلا، أو يحملون شخصا مريضا على سبيل المثال، و نحن في هذه المركبه ليس وراءنا شيء على الإطلاق، أي أننا كنا نتجول فقط (كروزينغ).

في نفس المحور، و فيما يتعلق بالطرقات و المرور أيضا، في دولة الإمارات العربية على سبيل المثال، يمكن أن يقف سيارات شارع بأكمله من أجل مرور عائلة أو إمراه مسنه مثلا تقطع الطريق، بينما في الجزائر نراهم لا يتركون المجال لأحد ولو كان معاقا، و ترى السيارات تتسابق من حوله كأنه في مدينة مسعورة، حيث لا احترام لحقوق المشاة و لا لحقوق المرأة و لا لحقوق البشر على ما يبدو، و هو أمر لم أفهمه فعلا أولى أيامي هنا، خاصه و أنني جئت من مكان لا يمكن لأحد أن لا يتوقف من أجل إفساح المجال لشخص عاجز أو عائله أو إمراه مسنه بالمرور، و شاهدت بأم عيني مرة شخصا إماراتيا يوقف سيارته و يوقف السيارات الأخرى من أجل إفساح المجال لسيدة مسنه بالعبور، و شاهدت أيضا بأم عيني في الجزائر شخصا كاد يدهم سيده عجوز، و اضطرها للرجوع من حيث بدأت على الرغم من أنه كان يسير بسرعه بطيئة جدا و لايبدو عليه الإستعجال إطلاقا، و الأدهى و الأمر من ذلك أنه توقف و أسمعها كلمات نابيه ثم واصل طريقه دون أن يتيح لها مجال العبور أيضا.

هناك أيضا حرمان الآخرين من أشياء هو ليس في حاجه إليها، فعلى سبيل المثال كان هناك عرض مغر من شركة اتصالات في الجزائر يعطيك مع كل شريحة تشتريها 200% رصيد إضافية، و هو مبلغ ليس بالبسيط، بالإضافة إلى أربع شرائح إضافية أخرى مجانا و جهاز محمول مجانا. إلى هنا يبدو الأمر عاديا لأننا نعيش في مجتمع يتغذى على الفراغ و إضاعة الأوقات و الثرثرة الهاتفية، و مثل هذه العروض أصبحت أمرا عاديا، و لكن الإشكال المقصود هنا يكمن في الأشخاص – وهم كثر – الذين لم يشتروا العرض مره فقط، بل اثنين و ثلاث و أكثر، و الكثير منهم لا يحتاج تلك الشرائح و لا حتى الرصيد الكبير فيها، و مع ذلك يواصل شراءها و رميها في البيت، لا لشيء سوى لحرمان الآخرين منها، و هم أشخاص ربما يحتاجونها فعلا، كشخص لديه أقارب خارج الجزائر مثلا و لا يجد وسيله معقولة الثمن للاتصال بهم، و لكن لا، الشر تمكن من قلوب أفراد المجتمع، فأصبح كل منهم لا يتمنى زوال النعمة عن الآخرين فحسب، بل يسابقهم إليها و يأخذها من بين أيديهم، و من ثم يرميها في بيته لأنه لم يكن في حاجه إليها أساسا، و من ثم نراه مساءا يتشدق : لم بلادنا تسير نحو الهاوية؟!

يمكننا أيضا أن نرى أنواعا من الشر في الأعراس أيضا، و التي أريد أن أكتب عنها مقالا في القريب لأنها ضررها أصبح أكثر من نفعها، هذا إن كان لها نفع أساسا سوى أطفال مشردون في الشوارع و ديون لا نهائية و عداوات أبديه. المهم أن الشر الذي نراه في الأعراس لا يعدو كونه امتدادا للشر الذي نراه في كل مكان في مجتمعنا، حيث يتم استغلال الأعراس لإيذاء الجيران بالأجهزة الصوتية إلى ساعات متأخرة من الليل، بالإضافة إلى التباهي بأموال لا يملكونها، و سيارات يتم كرائها فقط للفخره و الكبر، ناهيك عن إطلاق مخموريهم يجوبون الأحياء السكنية في أوقات متأخرة من الليل بعد انتهاء "العرس" ناشرين الفوضى و منتهكين حرمات البيوت بكلامهم النابي، طبعا لا أريد أن أذكر كافة أنواع "الشر العراسي" هنا لأن المجال لا يتسع، و لكنني سأخصص لها مقالا مفصلا قريبا.

ممارسه الشر في المجتمع الجزائري لا تنحصر في الكبار، بل تتعداها إلى الصغار، و الذين قد يفوق شرهم شر الكبار بمراحل نظرا لأنهم لازالوا صغارا و لا مسؤولية قانونيه عليهم، فنراهم يقضون حاجاتهم في مياه الشرب العامة، و يعذبون القطط و الكلاب أيما تعذيب، و لا ينجو مجنون و لا عابر سبيل من شرهم، سواء كان بإطلاق الشتائم عليهم أو مطاردته بالحجارة، و لا ينجو منهم ضوء في الشارع و لا برميل قمامه، فهدفهم في الحياة هو التدمير فقط، و لكم أن تتخيلوا كيف في مجتمع يعتبر الشر شطارة، كيف سينتهي المطاف بهؤلاء الأطفال عندما يصبحون كبارا.

مجتمع مخيف انقلبت فيه الموازين، ولم تعد الناس تحارب الشر بقدر محاربتها لمن يفضح هذا الشر، فهم يعتقدون أن عدم الحديث عنه سيجعل الأمور تحل نفسها بنفسها تلقائيا، و هو أمر غير منطقي على الإطلاق، لأن الطبيعة ليست هي من عقد الأمور، بل عقدها بنو الإنسان في مجتمعنا، و الذين عوض محاربة الشر و أسلوب الحياة البدائي هذا، ربطوه بالرجولة و الشهامة و ما إلى ذلك من الصفات التي انتهت صلاحيتها بالمفهوم القديم في العصر الحديث، حيث أصبحت الرجولة مرتبطة بعقل الإنسان وذكاءه و ليس بقوة ذراعه و نحافة خصره، و لكن أنى لأشخاص يعيشون في قلب الأدغال إدراك ذلك؟ فهم طردوا أبنائهم الذين حاولوا تغيير الواقع، و أطلقت عليهم التهم جزافا، من أجل الإبقاء فقط على النماذج الشريرة الواردة أعلاه، و التي نجحت في جعل المجتمع الجزائري مجتمعا ينتج الشر و يمجده، و لعله يكون صناعتنا الوحيدة في دولة يفتخر شعبها بأنهم "حيالون" و "واعرون" أي خطيرون، معتقدين أنه بتلك الصفات الذميمة سيجعلون الأمم التي تسير ببراءة أو "النية" كما نقول في الجزائر تخاف منهم و تخشاهم، ناسين أن مقياس القوه في العصر الحديث ليس في مقدار الشر الذي تملكه و القوة الجسدية التي تتباهى بها، بل هو مقدار العلم و الفهم الذي يملكه عقله، و أن أصحاب "النية" هم أيضا أصحاب القنبلة النووية و القادرة على إبادتكم و إبادة شركم للأبد، و حينها سنرى إن كانت الأغاني الوطنية و الشعارات الرمزية و الكلام الفارغ سيحميكم!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر


.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..




.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟


.. لغياب الأدلة.. الأمم المتحدة تغلق قضايا ضد موظفي أونروا




.. اعتقال حاخامات وناشطين في احتجاجات على حدود غزة