الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وماذا بعد سقوط حسني مبارك ومحاكمته؟

نهرو عبد الصبور طنطاوي

2011 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشعب المصري يخدع نفسه ويوهمها بأن الفساد قد سقط وأن الظلم قد سقط وأن الاستبداد قد سقط بسقوط الطاغية الأثيم "حسني مبارك" وعصابته المجرمة في 11 فبراير 2011م، والحقيقة المرة التي يتوارى منها المصريون وتلاحقهم أينما وجدوا أن "حسني مبارك" لم يسقط، إن "حسني مبارك" ليس مجرد حاكم عابر سبيل مر على دولة وهي خاوية على عروشها فحكمها حيناً من الدهر ثم تركها وانصرف، إن حسني مبارك هو منظومة فكرية وسياسية وعقدية وثقافية وأخلاقية منحطة فاسدة متأصلة ومتجذرة في نفوس المصريين وبادية في سلوكياتهم وفي تعاطيهم مع الواقع ومع الأشياء، حسني مبارك ليس هو ذلك الشخص المواطن المصري الذي ننظر إليه على أنه كان مجرد حاكم مستبد عابر حكم مصر لمدة ثلاثين عاما من عام 1981م إلى عام 2011م ثم سقط وراح وراح زمانه بلا رجعة، كلا، حسني مبارك ما هو إلا أحد ذراريكم، جزء منكم، قصاصة من ثوبكم، بعض دمكم، أقصوصة لكم، وإحدى أحجياتكم، حسني مبارك هو آية عليكم، وسلف لكم، حسني مبارك هو أنتم، وأنتم هو حسني مبارك.

إن ثورة 25 يناير قد أسقطت الصنم الأكبر حسني مبارك المتمثل في شخص رئيس المصريين، لكن الثورة لم ولن تسقط حسني مبارك داخل نفوس المصريين، ففي داخل كل مصري حسني مبارك، إن مثل حسني مبارك في فكره وفي تعاليمه وقيمه وسلوكياته وأخلاقياته كمثل فرعون موسى، وفرعون موسى لم يكن ذلك المواطن المصري الذي كان يحكم مصر في عهد موسى عليه السلام إنما هو أمثولة فكرية ونموذج لعقيدة سياسية ودليل على تعاليم موبوءة وثقافة منحطة ونشأة مزرية وتربة غير طيبة أنبتت نبتة غير صالحة، يخطئ من ظن أن حسني مبارك قد سقط، ويخطئ من ظن أن حسني مبارك هو ذلك الشخص المواطن المصري الذي حكم مصر حيناً من الدهر، حسني مبارك هو أنا وأنت وأنتما وأنتن وأنتم، حسني مبارك هو هذا وهذه وهاتان وهذان وهؤلاء وأولئك، حسني مبارك مازال متربعا على عرشه داخل رأس وقلب وفكر وثقافة وسلوك وأقوال وأفعال كل مواطن مصري.

إني لأعجب من الشعب المصري وخاصة من هذه الأصوات المرتفعة التي تعالت حناجرها الآن فجأة بعد سقوط مبارك، وأخذت تنهال على مبارك سبا وشتما وتشفيا وشماتة وسخرية واستهزاء، أين كانت هذه الأصوات طيلة ثلاثين عاما؟؟ وأين كانت انتقاداتهم ومعارضتهم لمبارك شخصيا حين كان في الحكم؟؟ هل كان واحدا منهم في أي حزب أو منظمة سياسية أو جريدة أو تنظيم أو جماعة دينية أو قناة تليفزيونية أو حتى من يجلس في بيته بين أسرته أن يجرؤ على التفوه بكلمة ضد مبارك حين كان رئيسا؟؟، وأين كانت عنترياتهم وبطولاتهم وثورتهم المتفجرة هذه قبل ثلاثين عاما؟؟، فعلى خلفية أني تم اعتقالي لثلاث سنوات من قبل أمن الدولة وكنت مسجل لديهم أنني مطلوب أمنيا وموضوع تحت المراقبة منذ عام 1990م وحتى قيام ثورة 25 يناير كنت أرى في كل تلك الفترة كثيرا من هؤلاء وأنا أعرفهم جيدا ويعرفونني جيدا من الإعلاميين والكتاب والصحفيين والسياسيين وكثير من الشباب أبطال السياسة الجدد والثوار الجدد كانوا قبل 25 يناير حين يقابلونني في إحدى المناسبات أو حين ألتقي أحدهم صدفة في إحدى الأماكن أو الطرقات كان الواحد منهم يخشى الوقوف معي أكثر من دقيقتين للسلام علي ثم ينصرفون على الفور خشية أن يلمحهم أحد مخبري أمن الدولة فيوشي بهم لدى الأمن أنه كان يقف مع نهرو طنطاوي، وبعضهم كان يصرح لي بذلك وكان يقول لي صراحة: (يا عم نهرو إنت الوقفة معاك تودي في داهية)، الآن وبعد سقوط مبارك وسقوط نظامه أصبح الشعب المصري كله برجاله ونسائه وشبابه وشاباته حتى وأطفاله أصبحوا جميعا قادة سياسيين وثوارا ومقاتلين ومعارضين لمبارك وعصابته، كيف؟ لا أدري. أم هي انتهازية: (لما تقع البقرة).

أما جميع أفراد من يسمون بالنخب المصرية من أدعياء المعارضة الحنجورية في عهد مبارك على اختلاف انتماءاتهم والذين يصدعون رؤوسنا الآن في الإعلام وعلى صفحات الجرائد وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية بصياحهم وهتافهم ورفعهم لشعارات الديمقراطية والحرية والعدالة هم في الأصل صناعة فاسدة منتهية الصلاحية وغير صالحة للتواجد الآدمي في المشهد السياسي المصري، بل هم نسخ كربونية من حسني مبارك وحبيب العادلي وأحمد عز وجمال وعلاء مبارك وضباط مباحث أمن الدولة ورؤساء تحرير الصحف القومية الذين كانوا تابعين للجنة السياسات، بل سيكون هؤلاء أكثر طغيانا وفسادا في الأرض من مبارك وعصابته إذا وصلوا إلى السلطة، وليس من دلالة يقينية على ذلك أوضح من تجوال المرء بين مقالات الصحف المصرية القومية والخاصة وبين برامج التوك شو وبين المواقع والمنتديات والجروبات التابعة لمختلف التيارات الفكرية المصرية على الإنترنت، ثم لينظر كيف يختلفون بين بعضهم بعضا وبينهم وبين غيرهم؟ وبأي لغة يتحاورون؟ وإلى أي درك أخلاقي وسلوكي ولفظي انحط هؤلاء؟.

إن الشعوب التي تتعامل مع من يختلف معها في وجهة النظر وفي الرأي والفكر بهذه الطريقة الفجة اللاأخلاقية التي تنضح بها الصحف والإعلام والمواقع الإلكترونية لهي شعوب تعاني خللا كبيرا وفادحا في هويتها وشخصيتها وقيمها وأخلاقها، ولا يمكن أن ينتظر المرء منها خيرا على الإطلاق، حتى ولو ثارت الشعوب العربية مجتمعة اليوم وأسقطت كل الأنظمة العربية، فماذا لدى الشعوب العربية، وماذا لدى المعارضات العربية، وماذا لدى النخب العربية المثقفة، وماذا لدى التيارات الدينية وماذا لدى الشباب المصري الثائر من رصيد فكري أو رؤى علمية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو قانونية أو ثقافية أو تعليمية للنهوض بالأوطان العربية، وماذا لديهم من قيم إنسانية وأخلاقية أو برامج عملية أو بدائل حقيقية واقعية تملأ بها فراغ الأنظمة المستبدة الساقطة؟، لا شيء، والبعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير.

إن ما حدث ويحدث في مصر وفي بعض الدول العربية الآن هو بالفعل خطوات نحو التغيير، لكن، هل للأفضل أم للأسوأ؟، وبنظرة موضوعية فاحصة على حال الشعوب العربية وعلى رأسها وفي مقدمتها مصر، نرى أنها شعوب منقسمة مفتتة طائفية عنصرية ذليلة خانعة جاهلة متخلفة لا تعرف للأخلاق ولا للقيم معنى، ومعارضاتها كانت معارضة فاسدة مدجنة تتواطأ مع الأنظمة ضد الشعوب في مقابل بعض الامتيازات هنا أو هناك، ونخبها المثقفة كانت نخبا مرتزقة أنذال قليلة الوعي ضحلة الفكر وعديمة القيمة أو التأثير، منهم من كان يقتات على فضلات موائد الأنظمة الطاغية المستبدة، ومنهم الهاربون من أوطانهم يتحينون الفرصة لجني ما لم تزرعه أيديهم، ومنهم التيارات الدينية المغلقة والمنغلقة على ماض وفقه وفكر قد تولى لا تقوى على الفكاك منه، فيا ترى مَن مِن هؤلاء يصلح أن يقود المرحلة القادمة؟.

الشعوب العربية لا تدرك ولن تدرك ولا تريد أن تدرك أن الدول الغربية قبل أن تقيم الديمقراطية كنظام سياسي وقبل أن تكون الديمقراطية لديهم انتخابات حرة ونزيهة وقبل أن تكون تبادل سلطة أو استبدال أنظمة بأنظمة أو وجوه بوجوه أو أشخاص بآخرين قاموا أولا ببناء هذا النظام الديمقراطي على القيم الإنسانية والأخلاقية والحضارية الراقية.
والأيام بيننا
وسنرى هل ستخرج لنا الشعوب العربية بعد ثوراتها المشمش من أقفاص أورانجها؟؟؟؟.

نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
إيميل: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فرعون موسى أم موسى الفرعون
عادل الليثى ( 2011 / 8 / 4 - 15:22 )
{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}

( فوجد فيها رجلين يقتتلان ) أي : يتضاربان ويتنازعان ، ( هذا من شيعته ) أي : من بني إسرائيل ، ( وهذا من عدوه ) أي : قبطي ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق . فاستغاث الإسرائيلي بموسى ، عليه السلام ، ووجد موسى فرصة ، وهي غفلة الناس ، فعمد إلى القبطي ( فوكزه موسى فقضى عليه ) .

موسى عليه السلام ... أيضاً قاتل وسفاح ... فهل شعب مصر قتلة وسفاحين ؟

تشبيه لا يمت للحقيقة بصلة ... فقد أساءت لمصر وللمصريين ولفرعون


2 - انا متفق معك
كامل حرب ( 2011 / 8 / 4 - 19:06 )
استاذ نهرو انا متفق معك تماما فى طرحك ,للاسف منظومه مبارك المجرم الخسيس قد تاصلت تماما بين افراد الشعب البائس التعيس ويجب وضع برامج طويله المدى لعلاج الشعب من هذا المرض السرطانى الخبيث ,يجب ان انوه الى تمثيليه محاكمه مبارك العبثيه والمضحكه فى نفس الوقت وذلك لدغدغه مشاعر البسطاء والسذج ,المجرم سوف لن ياخذ اى حكم لاانه فى ايد امينه الا وهو المجلس العسكرى الفاسد والذى سرق وهبر وعربد مع المجرم الزنيم ,لقد اكلوا عيش وملح مع بعض ,انهم فاسدين اكبر من شيخ المنصر نفسه ,لقد حقنهم باكسير الفساد والعفن ,كل رجال المجرم سوف لن ياخذوا اى احكام وعصابه مزرعه طره على علاقه وثيقه بالمجلس العسكرى الخائن ,عصام شرف الصعلوك كان فى لجنه السياسات فى الحزب الوطنى ,انه مجرد توزيع ادوار لهذه العصابه الاثمه وياله حظ اسود ومهبب لاافراد اذا الشعب المنحوس


3 - الحكام من جنس الشعوب
نور الحرية ( 2011 / 8 / 4 - 19:14 )
من اكثر المقالات عقلانية واتزانا نعم مبارك وغيره من زعمائنا هم من جنسنا من ثقافتنا فان دهب مبارك او غيره فمليون مبارك ر مستعدين للانقظاظ علىالسلطة وعدم اخد العبرة والدليل ما يحصل في سوريا


4 - جبتك ياعبد الصبور
Hany Shaker ( 2011 / 8 / 5 - 05:43 )

اوكى دكتور .... فيرى نايس

قل لى بالله عليك يا دكتور مالذى اوصلنا الى هذا الحضيض و ما العمل و اين المخرج ؟...

و بالاخص انظر حضرتك تحت رجليك ... و حاول الرد على التهم الموجهة الى الصرح العظيم الذى تعمل به الان ... ازهر التنوير و الثورة .... ازهر الطهطاوى و محمد عبده و سعد زغلول ... هو الان مؤسسه مترهله يسرى فيها فساد يعادل فساد مبارك ... و احياناً تهريج يفوق الوصف ... ما رايكم فضيلة الدكتور فى العراك و الجرسة و الرفت و الاعادة للشيخ الفضيل صاحب قضية رضاع الكبير؟

مصر ليست بحاجه الان لملائكه ليصلحوها بل لمديرين اكفاء للعمل الجاد و الشاق ليصلحوا ما أفسده المهرجون


5 - الشعب المصرى كله بطل
دكتور احمد علام ( 2012 / 1 / 8 - 00:25 )
انا اريد التنويه على هجوم الكاتب على من يهاجم مبارك دلوقت وكان قبل كده مفيش ، بص ياستاذ نهرو ، انا معاك بان التلون عفن لكن كان هناك شعب مصر كله خلق ثقافة وجود فساد داخل السلطة عبر حقبة سياسية كان لايمكن اكتشاف حقيقتها الا من خلال نشر هذه الثقافة الثقافة ال خلت بياع الفجل الغلبان يعرف ان فيه فساد فى السلطة ال عرف فيها الجعان انه جعان لان فيه سرقة ، ال خلت الشاب الغلبان ال اتخرج من الجامعة من عشرين سنة انه
قاعد كده علشان فيه حاجه غلط فى السلطة يعنى مكنش الحل ان شعب مصر كله يخش السجن علشان يبقى بطل لكن السمفونية ال عزفها الفكر كانت اقوى علشان كده لما اراد الله التغيير كان الشعب الصامت مكنش صامت علشان جبان لكن كان صامت لانه كانواثق من ان الله هو الفاعل والفعال لما يريد لكن مع وجود الثقافة العامة لدى عامة الشعب خرج الشعب كله وخلع السلطة يعنى مكنش يمكن ده يحدث لمجرد وجود مجموعة كبيرة فى السجون لو مكنش انتشرت ثقافة الشعب الغلبان بان هناك فساد حقيقى فالتغيير لن يأتى الا من خلال وجود ثقافة
عامة عن وجود بديل للوضع القائم وان يكون هذا البديل اكثر قوة وكان هذا البديل هو ثقافة شعب طال انتظاره

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah