الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


?هل هنا ك شعب كر د ي في سو ر يا

محمد سيد رصاص

2004 / 11 / 24
القضية الكردية


من يقرأ مذكرات بعض المشتركين في محادثات كامب دافيد (عيزراوايزمان، محمد ابراهيم كامل ) التي سبقت اتفاقيات أيلول 1978، يلاحظ تركيز رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وبوصفه سياسياً محنكاً، على مسألة تثبيت المصطلحات الخاصة بالجانب الإسرائيلي وتغليبها على مصطلحات الطرف الآخر، باعتبار ذلك عاملاً أساسياً في العملية التفاوضية السياسية، لا يقل أهمية عن عامل التوازن على الأرض الذي تأتي المفاوضات عاكساً له، إن لم يكن الأول مكملاً للثاني.
في الأشهر الأخيرة التي أعقبت أحداث القامشلي (آذار 2004)، يلاحظ دخول مصطلحات جديدة على بعض صحف المعارضة السورية، وعلى كتابات بعض المعارضين السوريين: "الحقوق الثقافية" للأكراد، "المسألة الكردية" في سوريا، وصولاً إلى مصطلح "الشعب الكردي" في سوريا.
في السابق، كانت الأحزاب الكردية السورية في صف بعيد عن المعارضة، بحكم تبعيتها الفكرية-السياسية لثالوث (البرزاني- الطالباني- أوجلان) الذين كانوا متحالفين مع دمشق، وعندما فوتح أحد القياديين الأكراد حول مسألة الديموقراطية، في سجن عدرا أواخر العام 1992 عندما اعتقل مع مجموعة من أعضاء الأحزاب الكردية بسبب بيان أصدروه بمنسبة الذكرى الثلاثين لإحصاء 1962، قال بأن "مطالبنا ذات طابع فئوي خاص بالأكراد" وليست "عامة أو شاملة".
تغيّر جو الأحزاب الكردية السورية بعد أن وضع الثنائي (الطالباني- البرزاني) بيضهما كله في السلة الأميركية عشية غزو العراق، وعقب أن تخلت دمشق عن أوجلان: على خلفية ذلك، بدأت الأحزاب الكردية السورية، في السنتين الأخيرتين، بالاقتراب من المعارضين السوريين.
إذا كان الأمر لم يؤد إلى نتائج في المصطلحات والسياسات قبل 12 آذار 2004، بل انحصر في لقاءات وتنسيقات وحوارات، فإن الأمر بعد ذلك لم يقتصر، عند البعض من المعارضين، على تناسي الماضي، وصمّ العقل والأذن عن خلفية اقتراب تلك الأحزاب من المعارضين السوريين بعد أن كانت لعقود في الضفة الأخرى، وإنما يبدو أنه قد وصل إلى حدود تبني "مصطلحات" الوافد الجديد إلى المعارضة، وهو أمر غير مستغرب عند "سياسيين" يتولون قيادة أحزاب سورية معارضة، ومن يردفهم من كتّاب، مادامت التجربة العملية قد أثبتت افتقاد هؤلاء للحنكة السياسية والمتطلبات الأولى للعمل السياسي، ووجود فقر ثقافي وفكري مدقع عند أولئك "المثقفين" و"المفكرين".
من يتابع مواقف المعارضين السوريين، ويقارنها بالماضي القريب والبعيد، يلاحظ عدم توازنها في موضوع الأكراد: الانتقال بين رقمين، الصفر والمائة، من دون الوقوف عند ما بينهما، وهو شيء لا نجده عند المعارضة العراقية، رغم كل عيوبها، التي كان لها موقف متسق على الأقل عند قسمها اليساري منذ أوائل السبعينيات، فيما كان موقف أطيافها المختلفة، من ليبرالية وشيعية ويسارية، موحداً وعلى إيقاع محدد منذ عام 1991، رغم ارتفاع وزن الأكراد العراقيين المطّرد في الحسابات الأميركية عقب حرب الخليج الثانية، وكان اصطدام الطالباني والبرزاني بحائط تلك القوى، في مؤتمر لندن (ك1 2002)، هو السبب في تكسر طروحات الأكراد حول الفيدرالية ليبلغ ذلك ذروته في "قانون إدارة الدولة العراقية"، عندما ترك الموضوع عائماً وغير محدد بعيداً عن "الفيدرالية العرقية"، وهو ما عبّر عن نزول وزن الأكراد عند واشنطن بعد إسقاط صدام حسين.
لا يُعتقد بأن تلك "المقولات" الصادرة عن معارضين سوريين قد جاءت نتيجة لقناعات جديدة تجاه الأكراد، وإنما عن حسابات قصيرة النظر بأنه يمكن إضافة "ماء الأكراد" إلى "طاحونة المعارضة"، غير بعيد عن ذلك المبدأ الذي يجعل النظام أميناً عاماً للمعارضة عبر رسم خطواتها من خلال التعاكس معه في كل شيء.
من جهة أخرى، فمن المرجح أن لا يكون هؤلاء عارفين إلى أين تؤدي "مقولاتهم": هل يعرف هؤلاء بأن كلمة "شعب كردي" في سوريا، التي تضم طوائف أكثر من لبنان وأفراد ينحدرون من قوميات هي أكثر من قوميات العراق وإيران وأفغانستان، ستقود إلى أنه لا يوجد شعب سوري في سوريا، وإنما هناك شعوب تعيش فيها؟.. هذا يعني بأن الأرمني الذي يعيش في حي العزيزية بحلب، وهو الذي ينحدر من شعب يعيش في جمهورية أرمينيا [وهذا لا ينطبق على الجماعات الكردية في الدول الأربع] هو ليس سوري أرمني، بل جزء من "شعب أرمني" في سوريا، وهو ما يمكن أن ينطبق على باقي السوريين المنحدرين من قوميات أخرى، إذا لم يكن ذلك منطبقاً على طوائف ربما تختار فيما بعد أن تعتبر نفسها قومية او جماعة مستقلة، مثل الهزارة الشيعة في أفغانستان؟ … ألن يقود ذلك إلى نزع الطابع العربي عن اسم سوريا، كما طالب القيادي الكردي المشار إليه في حديث مع كاتب هذه السطور، انطلاقاً من أن "سوريا بلد متعدد القوميات"؟ ثم : ألا يعني ذلك طريقاً إلى "الفيدرالية"، وربما إلى "حق تقرير المصير"، وفي أهون الأحوال إلى تقاسم الحصص بين الطوائف والعرقيات عبر كوتا محددة، كما هو الأمر في لبنان و"العراق الجديد"؟…
على صعيد ثانٍ، إذا أتينا إلى مسألة "الحقوق"، فهل السياسة تتحدد عبر "الحقائق" أم عبر الوقائع التي تفرضها القوة والمصلحة، لتتحول إلى حقائق تؤسطر (فيما الحقوق والأفكار تؤدلجان) عبر أساطير تُصاغ (مثل الأفكار والحقوق) وفقاً للمصالح، وليس وفقاً لمنطق الحقائق المجردة و "العلمية"، ولنا في تيودور هيرتزل مثالاً كبيراً على ذلك، والذي ينسج الكثير من الأكراد على منواله سواء من خلال أسطرة التاريخ لخدمة أهداف سياسية راهنة، أو من خلال اعتبار كل أرض يطأها الكردي "أرضاً كردية" ؟…
عبر ذلك لا يمكننا الحديث عن حقوق سياسية تعود إلى "حقوق تاريخية"، ولا عن "حقوق ثقافية" تستند إلى الأخيرة، بل يجب دراسة المصلحة في ذلك، من حيث أن المسألة ليست حقوقية، تعالج كأنها في المحاكم أو في كليات الحقوق، بل سياسية: لذلك، فإن المسألة، المتعلقة بـ "الحقوق"، إما أن تترك للقوة والتوازنات، وهما ليسا في صالح الأكراد، أو للمصلحة وهي ليست متعلقة بمصلحة العرب، أو إلى أن تربط بمبدأ المواطنة من حيث أن الأخير يشترط "الحقوق الثقافية" للجماعات القاطنة في الوطن بتخليها عن كل مشروع سياسي خاص بها يمس الجغرافية والأرض، ويربط مساواتها وتمتعها بكافة حقوق وواجبات الآخرين باعتبارها البلد المقيمة فيه وطناً نهائياً لها، واعترافها بذلك عبر أدبيات الأحزاب والمنظمات الممثلة لها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد أوضاع النازحين شمالي قطاع غزة بعد أن تقطعت بهم


.. بريطانيا تنشئ وحدة جديدة لأمن الحدود وتنهي -خطة رواندا- لترح




.. سكان برشلونة يتظاهرون ضد تدفق السياح


.. الحرب في السودان: ما أهمية ولاية سنار و ما أوضاع النازحين إل




.. حكم نهائي بإعدام القاضي المصري قاتل زوجته المذيعة شيماء جمال