الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاسبوا الله على سوء توزيع الأرزاق

علال البسيط

2011 / 8 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على مسرح الخلق صورة صبي صغير يتهدم جوعا، ويتمزع هزالا على رمال الصومال، وللمرء أن يسأل سؤالا يتردد بين نفسه والسماء، أليس من صفات الله وأسمائه العاطي الرزاق.. فاللهم هذا الجوع فأين الرزق..؟!!

ألم يبق من الانسانية وترفها الباذخ إلا حشاشة مساعدات ومؤن ترسل من هنا وهناك، لا تمسك منهم الرمق، ولا تقيم بابا يمنع الجوع أن يدخل إليهم الموت ويخرج منهم الروح. من هو هذا الحي الذي يموت أربعة آلاف ميتة قبل أن يموت، وكأن يد القسوة ألقت به من قبة الفلك ليهوى الى الأرض عاريا منبوذا تحرقه الرمال، ويأكله الموت، وتتربص به صقور البراري وديدان القبور، حتى يستنفد أيامه المنكوبة، ويستوفي أنفاسه المقدرة، فتتناهبه نهبا، ويغدو كلُّه الصغيرُ مُضغة في شدق غراب!!
من هو هذا الحي الذي تنكرت له الدنيا حتى أصبح فيها كأنه نوع شاذ في الخلق..أي شح بلغه عطاء ربك فيجني على صغير بالتصاق المعدة منه على الأمعاء..وأي حكم يصدره الحكيم فيشنق هؤلاء المساكين بمشنقة القدر ويشدخهم بمطرقة القضاء..

يغادر الدنيا كل يوم أشباح منهم في صمت رهيب، إذ جاءوا الدنيا من باب بؤسها وشقائها، فرحلوا عنها لا يشدهم إليها حنين ولا حب ولا رجاء ولا لذة...ولا كسرة خبز!! ضاق بهم الكون الرحيب فانكمشت أرواحهم على جلود مهترئة، وعظام كأنها من وهنها حبال مفلولة لا تقوى على الشد..يبيتون على الطوى والهم، ليصبحوا وما في الدنيا جديد إلا مزيد من الطوى والهم..أليس الله مع المنكسرة قلوبهم..!!

واها يا أخي! إني لا أكاد أغمس اللقمة حتى أرى جوعك وهزالك يلفها بطعم الموت، ولا يستقر الرغيف في معدتي حتى اشمئز من شبعتي.. فلا شبعتُ ولا شبعت الانسانية إذا قضيت بيننا جوعا وفي أرض العرب على مرمى حجر منك قوافل الابل والأنعام تشوى على نار بؤسك، وخواء بطنك..

ذلك هو البائس المدرج في أكفان النسيان... الضائع بين وحوش من البشر فلا يعرف له محل..المنفرد على بسيط من الأرض فلا يرى له تحت شمسها ظل..اصطلح على جسمه النحيل هم الليل والنهار، واجتمعت إليه علل الشيخوخة كلها تهنئه بالمصير المحتوم، وتستحث طفولته اليانعة إلى يوم الوداع.. قلب يسكن من ضلوعه الخربة في شقوق، وظهر منكفأ كالقوس، وعيناه الغائرتان تدوران في رأسه، لا يدري من حيث ابتدأ إلى حيث ينتهي في وجه دنياه الحالك.. ترى الواحد منهم وله شكل الطفل وحجمه، وليس له وجوده وعنفوانه وعالمه..

ترى أين تكون شرائع الرحمة في الدين وذي آثارها.. فانظر الى آثار رحمة الله كيف تتداعى بشائرها على الجماجم والحطام..فهل بعد أن رأينا نتائج أعمالك وتناقض أقدارك، لا نحسبك إلا صنما من أصنام الحياة، ويحسبك الجاهلون للعبادة والصلوات..

وفي وجه الدنيا الآخر يقف قوم عندنا، من جفاة الأغنياء، جفاة القلوب غلاظ الأكباد كالابل التي يمتطونها..أعظمهم اسما، وأفخهم زيا وجسما، لن يستطيع بكل ملكه أن يشتري الطريقة الهنية التي ينبض بها قلب ذلك الجائع المُدنف.. فإن لهم في صدورهم حجارة تتصدع لقسوتها الجبال، ويلين لهولها الحديد، وفي نفوسهم قدرة خارقة على التلون والتكذب، وتغيير الحقائق وتبديلها، وكلما ازدادو غنى ازدادوا حرصا وبخلا..

فيما طالعتنا به هذا الأسبوع صحيفة فاينانشيال تايمز ، تقرير يرن رنين الدراهم الغراء، في سيرة مالية هائلة لثلاثة من أكبر أثرياء العرب من الأمراء والشيوخ، يتهادى التقرير بأرقام ثقيلة على السمع، ثقيلة على القلب، بين ١٩,٦ مليار دولار و١٥٠ مليار دولار !!..ويأتي التقرير على ذكر دور هؤلاء المترفين جدا، في ضخ أموال هائلة في البنوك الأوربية ابان الأزمة الاقتصادية، خاصة بنك باركلايز الذي واجه فترة حرجة لولا صدقات أحد الشيوخ البررة في تطويق البنك وتحصينه بترسانته المالية التي ليست إلا ثروة وضع عليها الشيخ يده منذ عهد القبيلة في غرة من التاريخ، فصارت في حكم ملك اليمين والشمال يصرفها كيف يشاء..أليس الله مع المنكسرة قلوبهم..!!

ويشهد الواقع والتاريخ أن ما من مفسدة للشعوب، ومهلكة للأمم، إلا كان المتطاولون في البنيان وراءها، حتى روبرت مردوخ هذا الامبراطور الذي كان يراه بعضهم جبلا شامخا والناس في سفحه رمال، فلما أجحف به الدهر، وطحنته عوائد أعماله، وأقفل أسبوعيته العتيدة، فإن أول من هب لنجدته كان أميرا من هؤلاء..

هؤلاء يضرب أحدهم لذة بلذة، ويضم شهوة إلى شهوة، وكل واحدة منها بحجم الصومال ومجاعته.. تساوت عنده عشرة ملايين وعشرة قروش.. فهي كقوت سباعه في يوم أو يومين، أونشوة سكره في ساعة أو ساعتين، أو مجونه في لية أو ليلتين..

هذا عطاء ربك فامنن أو أمسك بغير حساب..أما أولئك الجوعى المساكين، فلظهورهم العصى، ولسحناتهم الكالحة خراطيم الذباب، ولا يملئ بطونهم بعد إلا التراب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تبارك
محمد علي محيي الدين ( 2011 / 8 / 12 - 10:33 )
تبارك الله رب العالمين فقد اغنى اللصوص بما حازوا وما سرقوا
نسائل الله من الطاف نعمته فيزدرينا وهم من فضله رزقوا


2 - يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
عرفة خليفة الجبلاوي ( 2011 / 8 / 12 - 10:47 )
ما الذي يغضبك يا عزيزي؟ ألم يقل الكتاب المبين: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (البقرة 212). ويؤسس الذكر الحكيم للطبقية بطريقة قاطعة: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (الزخرف 32). كذلك يؤكد القرآن على عدم جواز لوم إلهه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء 23)
تقديري لشخصك الكريم


3 - اعتقاد
علال البسيط ( 2011 / 8 / 12 - 11:53 )
عزيزي الجبلاوي ايرادك للآية في سياق الاحتجاج بها على عدم جواز الاعتراض حيدة وانتقال..فلله ان يقدس نفسه وينزه ذاته عن المسائلة ولي في المقابل حرية القبول او الرفض ..الطاعة -المؤسسة على الخوف من التمرد على احكام الرب التي أراها مجانفة للعدل مجانبة للاحسان والرحمة التي يصف بها نفسه- او النظر العقلي الذي يخولني مناقشة الله في اقداره وتصرفه في خليقته..هذا وجه من الكلام اذا انا مقتنع بالتصور العقدي الاسلامي لله وقد اوردت سيادتك آية تعبر عن رؤية الله لذاته فهو لا يسال عما يفعل وهم يسالون..
واذا تناولنا المسالة من جهة اني لا احمل هذا الاعتقاد الاسلامي في تصوري لذات الله في خصائصه واعماله فالاحتجاج بالاية على من لا يعتقد بها يكون سفسطة ولغوا ليس تحته طائل..تقبل تقديري واحترامي


4 - الله فى الاسلام هو المسؤل عن النهب و السرقه
حكيم العارف ( 2011 / 8 / 12 - 14:43 )
عجيب هو اله الاسلام هذا الذى شرع الغنائم فصارت حلالا بلالا..
و بالتالى اصبحت السرقه حلال للمسلم و حرام لغير المسلم

و المسروقات من الارزاق التى يوزعها الله .. بشرط ان يكون له فيها الخمس هو و الرسول

يعنى 20% من قيمة المسروقات او الانفال ... بس الناصح كان له النسوان...


شفت الحكمه الاسلاميه ...


5 - لا شأن لله
salam ( 2011 / 8 / 12 - 16:33 )
لا شأن لله لأنه غير موجود .الأمر يتعلق بأصحاب الثروات .فمصدر ثرواتهم هو الجهل السائد .وهم بدورهم يعملون على تفشي الجهل لأن بالجهل ديمومتهم ..وبهذا يتساوى رجال ألدين والأثرياء فكليهما يسود بوجود الجهل والفقر ..والعلماء والمفكرون والذين يؤمنون بالإنسانية لا حول لهم إلا الكلمة ..الحرب بين العلم المتمثل بأصحاب الفكر والعدالة .وبين أصحاب المال ورجال الدين ....وسبب كل المصائب هو الدين ..وبإسم الله والدين يموت الألاف والملاين من البشر وبرأيهم هذه مشيئة الله ولا إعتراظ .


6 - نسبية
علال البسيط ( 2011 / 8 / 12 - 17:26 )
سيد سلام احترم رايك واعتز به واوافقك الرأي في تحالف الدين والسلطة في تكريس الاستبداد.. وتمكين الاستعباد... على امتداد العصور وكر الدهور..اما وجود الله من عدمه كقوة فاعلة او ما يسميه الكلاميون واجب الوجود او العقل الفعال عند المتصوفة المتفلسفة واصحاب نظرية الفيض فمحل نظر واعتبار وبحث ومناقلة كما ان وجوده لا يعني بالضرورة اتصافه بصفات الكمال او الخير المطلق كما الحال عند ارباب الفرق الاسلامية اشاعرة ومعتزلة وامامية...ان المسألة ذات ابعاد متفاوتة وشعاب متفرقة لا يمكن حصرها في اعتقاد واحد ومذهب فرد..لكن قد يطمئن المرء في مرحلة من المراحل الفكرية والنظرية الى اعتقاد يرسو على مينائه حتى حين.. ثم يمخر مجددا عباب التدقيق والتحقيق وتلك نعمة العقل الذي لا يرضى الجمود ويطلب دائما ازعاج العقل الى التنقل والتحول. تقديري واحترامي لك


7 - سجن الأوهام
فرحات ايت علي ( 2011 / 8 / 12 - 19:38 )
لو كان العرب ومن اتبعهم برون الأشياء كما هي، وليس في قوقعة الوهم والأسطورة، لرمو بكل من يدعي انه رجل دين في السجن لستين طويلة، مع مراعات مضاعفة العقوبة حسب اللقاب والتسميات الملفقة، كشيخ وعالم وعلامة وصولا الى الإعدام في حق من يتسبب في بلبلة و تعطيل العلم النافع بخرافاته كزغلول المنشار و من على شاكلته
سبب جوع البعض يعود اصلا الى تخلفهم وتخلف بيئتهم وطريقة تعاملهم مع متطلبات الحياة عمليا وسياسيا وعلميا ، واستغلال ذلك التخلف من طرف سراقهم وسراق الغير للإغتناء على حسابهم دون عناء
وبالعودة الى اصل التخلف والخنوع والتبعية واحلال النهب للبعض مع فرض الصبر على ضحاياهم ، نجد الفئئة الإجرامية المسماة بعلماء الأمة وهم اجهل من حمار ابي جهل
يزرعون الخرافة والجهل ويجنون الأموال دون عمل، يدعون مداواة الناس بطلاسمهم والطب النبوي البدائي، و يجرون الى مستشفيات الغرب لما يحسون بعلة دون تجريب علمهم المزعوم في انفسهم
تبا لأمة لا تقرأ ما ينفعها ولا تفهم ما ترى حولها وتعيش الذل والفقر والهوانن وتعمه في وهم العزة لله ورسوله والمؤمنين ، ولو ان المؤمنين يتسولون ادنى حاجياتهم عند باقي البشر دون استحياء من نفسهم


8 - بيننا و بينهم
جيفري عبدو ( 2011 / 8 / 14 - 13:59 )
بث على شبكة النت يبين الرئيس الأمريكي أوباما يعزم الرئيس الروسي على أكلة همبرجر
وبث آخر لرئيس نادي كروي قطري يدعو اللاعبين الى وليمة بمناسبة الاحتفال بفوز الفريق باحدى البطولات المحلية ولكل لاعب صحن فيه خروف مشوي
قمة البدخ
رياضي يأكل خروفا؟
لا نستطيع أن نضع اللوم كله على الاسلام لأن الرأسمالية أيضا تستغل الانسان
العيب الوحيد أننا ننعث أنفسنا بخير أمة فيما بنو جلدتنا في جميع الأمصار يتضورون جوعا