الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-عنصرية الدين ومساواة العلمانية- جمعة القرون الوسطى الإسلامية نموذجا: استعرض للقوة، وإنكار لجميل العلمانية

أحمد إبراهيم المصري

2011 / 8 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في تحول تاريخي لموازين القوى السياسية في مصر وبعد انسحاب القوى السياسية متهمة التيار الإسلامي بشق الصف ومخالفة الاتفاق جاءت جمعة 29 يوليو الدينية والتي كان عمادها الإخوان والسلفيين، وظهروا كقوة شعبية عريضة - ربما أكبر من الإخوان المسلمين - مطالبين بدولة إسلامية منددين بالليبرالية، الديمقراطية، الحرية، العلمانية مصرحين بأن هذه الثقافات الحضارية التي هي أرقى نتاج العقل البشري تحوي الكفر ومخالفة شرع الله، معللين ذلك بأن الشعب في ظل الديمقراطية العلمانية ربما يختار أن يحلل ما حرم الله وبالتالي فهي تتضمن الكفر! في مفارقة عجيبة تظهر الكيل بمكيالين، فتلك العلمانية - بثورتها التي بدأها شباب مصري ليبرالي صرف – هي التي خلَّصتهم من قمع الدولة البوليسية لمبارك، والتي علَّمتهم كيف يكون التظاهر وفرض الواقع بالطرق الحضارية السلمية بعيدًا عن عمليات الإرهاب والسلاح الذي اعتادوا عليه ولم يجلب لهم سوي غياهب السجون ويخلف ورائه الآلف القتلى الأبرياء، وعرَّفتهم طريق "التحرير" أشهر ميادين العالم في العصر الحديث الذي رفضوا النزول إليه وقت الثورة وحتى هذه الجمعة، وهي العلمانية بعينها التي ينادي بها المسلمون في الغرب لعلمهم أنهم يعيشون حياة كريمة في ظل الدولة العلمانية؛ بل ويستغلون الحرية التي يوفرها الجو العلماني في نشر الإسلام هناك، ثم جاءت "جمعة القرون الوسطى" تتنكر لمعروف الديمقراطية، وتكفِّر العلمانية، وتصب وابل غضبها على شباب الليبرالية كشباب الثورة وكأمثال "حركة 6 أبريل" وغيرهم، ونادت هذه الجمعة البدوية الفكر بما مارسته الكنيسة في القرون الوسطى في الغرب من دولة دينية متسلطة عنصرية كانت السبب وراء تأخر نهضة أوروبا لولا وصولها لعصر التنوير الحالي بواسطة الطريق المدني المتحضر للعلمانية.
والكيل بمكيالين هو عادة التيار الأصولي الإسلامي مع الحضارة والحداثة ؛ فكل ما في الغرب من تقدم وحضارة ينسبونه لمبادئ الإسلام ويقولون: "في الغرب إسلام بلا مسلمين" ويستشهدون بكثير من أقوال علماء الغرب التي تخدمهم – من وجهة نظرهم.
وعند حدوث أدني مشكلة في العالم الغربي تظهر الأصوات الصحراوية مجاهرة: "غضب الله عليهم بسبب كفرهم وبعدهم عن الإسلام"؛ فليت شعري أين الإنصاف؟ فإما أن نحكم بأنهم يعيشون حياة بائسة وظالمة لا عدل فيها لكونهم علمانيين كفار، أو أنهم يحيون حياة كريمة متقدمة يعيش الجميع متساوين في ظل عدالة العلمانية بعيدًا عن أي تمييز ديني أو غيره لكونهم اختاروا الطريق الصحيح بالعلمانية في إبعاد الأديان عن مؤسسات الحكم وإدارة بلادهم؟
فظهر ولأول مرة شعار جديد لم يعرفه ثوار مصر على مدي ثورتهم وهو "ارفع رأسك فوق أنت مسلم" والذي هو بدوره تحريف وانقلاب على الشعار الوطني السائد "ارفع راسك فوق أنت مصرى" وكأن الواجب على كل مصري غير مسلم أن ينكث رأسه ذلة وصغار بين يدي المسلمين. أليس هذا أحد دركات العنصرية والتمييز والذي ينم عن جهل بمفهوم الوطنية والولاء للدولة المصرية بل هو انقلاب صريح عليها. و"اسلامية اسلامية" وهو انقلاب على "مدنية مدنية" الذي اطلقته الثورة منذ بزوغ فجرها. فبعد تلك الثورة المجيدة لم نستطع أن تتخلص ثقافتنا من هذا التعالي الذي يفرضه الدين والذي دعمته السلفية التي كانت قبل قليل تتستر في الزوايا خوفا من أمن الدولة لولا المدنية التي جعلتها حرة تستطيع أن تظهر وتتكلم معبرة عن نفسها. ولكن للأسف ظهر أنها نفس قبيحة.
لقد استطاع الغرب أن يفصل فصلاً تامًا بين القديم والجديد، الدينية والعلمانية، السلفية والمعاصرة؛ لكن لم نستطع نحن فعل هذا الانقطاع التام في مؤسسات الحكم فصرنا لما نحن فيه الآن من تخلف وفقر وانعدام للعدالة .. وأصبحنا عالة عليهم في أكثر شؤون حياتنا.
فالعلمانية تمثل أرقى ما وصل له الفكر البشري كطريق للتعايش السلمي الذي يحفظ حقوق البشر ولا يميز بينهم على أي أساس سواء ديني أو عرقي أو جنسي أو غير ذلك، والأديان مهما تنازل أصحابها عن تشددها فهي لا ترضى بالعنصرية بديلا واستخدام العنف - عند توفر القوة - طريقًا، فمن المعلوم أن كل دين يحتوي على نصوص تميز أتباعه على حساب غيرهم، كما أن كل دين يعتبر نفسه يمتلك الحق المطلق وأن غيره مخطأ تماما بل ومن أهل الجحيم، بل في الدين الواحد مذاهب وفرق يعتقد كل واحد منها امتلاكه لذلك الحق وخطأ مخالفيه، وكم وقعت من حروب وقتلي بسبب الأديان والمذاهب أسفت عليها البشرية إلا المتشددين من أتباع الأديان الذين لا زالوا يتغنون بالحروب والغزوات.
وفي خضم تصادم عنصرية الدين مع السلم والأمن الذي يبغيه البشر خرجت العلمانية كمفهوم يكفل نبذ تلك العنصرية ويحترم الأديان لكنه في نفس الوقت يسوي بين أتباعها تماما، وهذا ما لا يرضي من يعتقد امتلاكه للحق المطلق من أهل الأديان الذين لا يرون بمعتقداتهم بديلا، ونشب الصراع في الغرب قديما لكنه حسم لصالح العلمانية، وهنا جاءت "جمعة القرون الوسطى لتجدد الصراع بين العدالة المطلقة والعنصرية الدينية، وما يقال بأن أي دين يسوي بين جميع الناس، وكله رحمة ..و..و هو في الحقيقة مجرد شعارات دعائية فقط هناك من النصوص الدينية والواقع ما يكذبها، فالأديان لا تتعامل بمنطق الرحمة إلا في وقت الضعف؛ أما إذا ملكت السلطة فلا ترحم، والدماء تراق من أجل الرب والجنة!! هكذا أخبرنا النص والتاريخ والواقع.
فالعلمانية ليست ضد أي دين لكنها ضد عنصرية الأديان وتعاليها على غيرها.
فمتى يفهم التيار الديني أن العلمانية خيرا للبشر جميعا، وأنها حصن لهم ولحريتهم ولمعتقداتهم كما هي حصن لغيرهم.
هذا وجه من وجوه الخلاف بين العلمانية والدين وهي نبذها لعنصرية الدين – والذي ظهر جزء منه في شعارات جمعة
القرون الوسطى - وبقيت أوجه أخر نبينها في مقالات قادمة وليكن أولها "الحرية الشخصية بين العلمانية والدين".
وختاما أنوه بأني لم ألتزم بالفرق بين المصطلحات (المدنية، الليبرالية، العلمانية، الديمقراطية، دولة القانون، الحريات)، وإنما استخدمتها باعتبارها مترادفة نظرًا لكونها كذلك في فكر الجماعات الإسلامية لكونها مرفوضة جميعًأ في مقابل "الدولة الإسلامية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب