الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة ضالة الباحث

أبو الحسن سلام

2011 / 8 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع تقديرنا لوثيقة الأزهر ، بوصفها إطارا أو نواة برنامج مقترح للتوافق الوطني في اتجاه إقامة دولة مدنية ديمقراطية تحفظ حقوق المواطنة لجميع المصريين دون تمييز ؛ إلا أن آليات تحقيق ذلك نراه أمرا عسيرا في ظل السياسات التعليمية الممنهجة التي تقوم عليها مسيرة التعليم الأزهري نفسه في اتجاه ثقافة تنفر من الآخر .
الحقيقة ذلك المفهوم الحاضر/الغائب الذي تعبر عن غيابه لفظة (ضالة) باعتبار كل حقيقة معترف بها ؛ إنما هي حقيقة نسبية – هي حقيقة من جهة نظر ما قلت أو كثرت – ومعنى ذلك أن لمفهوم الحقيقة له وجهان أحدهما ثابت ، مقيد بمصداقية عند طرف قد يشكل أغلبية عددية وقد يشكل أقلية عددية ، أما الوجه الثاني فهو متحرر ، منطلق في مسيرة بحث عن حقيقة غائبة ، ربما تكون استكمالا لحقيقة مشكوك فيها من قبل ذلك الطرف المتحرر ، وربما إثباتا لزيف تلك الحقيقة المعترف بصدقها أو لعدم اعترافهم بكونها حقيقة من الأساس.
ولأن الحقيقة ضالة الباحث ، فإن البحث حول حقيقة القول بأن شعوبنا العربية ترفض الحداثة رفضا مطلقا ؛ لكونها محصلة الفكر الغربي ، الذي قام على نهب ثروات الشعوب غير الأوروبية وقهرها لقرون ، مجددا أشكال استغلاله لها عبر العصور بما يملك من قدرة فائقة على إنتاج وسائل المعرفة واحتكارها. والحقيقة أن ذلك القول ليس صحيحا على إطلاقه ، فكيف تكون مرفوضة ومن يزعم بذلك يستخدم وسائل الغرب ومنتجاته الحديثة تغزو الأسواق والبيوت والمؤسسات العربية ؟! ومعلوم أن استحداث آلة أو جهاز لتيسير حياة الإنسان ، يؤدى بالضرورة إلى ترقية فعله ومعاملاته فالانتقال عبر قطار أرقى من الانتقال على ظهر دابة والانتقال على متن طائرة أو سفينة أو صارخ يفرض سلوكا أكثر رقيا على مستخدمه غير السلوك الذي مارسه عندما كان يستخدم الناقة أو الحمار !! وما كان تغير سلوك شعوبنا الذين غزت حياتهم المعيشة منتجات الغرب وأجهزته سوى الحداثة ، التي يزعم بأن شعوبنا ترفضها .
وليس معنى ذلك أن الحداثة مقبولة قبولا مطلقا من شعوبنا ، والصحيح أننا نرفض في الواقع عناصرها السلبية مثل ( اللهاث المحموم وراء بهرجة المجتمع الاستهلاكي – الاستسلام لتوجهات الرأسمالية المتوحشة – العيش وفقا للمستوى المادي البحت دون روحانيات ، أي نبذ فكرة الأديان ) إن شعوبنا العربية لا تلهث وراء بهرجة المجتمع الاستهلاكي ليس بسبب قصر ذات اليد وحسب بل لأن ذلك ليس من صميم ثقافتنا العربية الشعبية وغير الشعبية. كما أن مقاومة شعوبنا وتصديه لتوجهات رأسمالية السوق العالمية وعسكرة العولمة تحت قناع اقتصاد السوق المنفلت لم تتوقف ولم تخبو نارها . أما الاكتفاء بالبعد المادي في حياتنا ، مع نبذ البعد الروحاني الديني فهو غير حادث على أي صورة من الصور في ثقافة شعوبنا العربية ( المسلمة والمسيحية سواء التي تربط الدولة بالدين أو تلك العلمانية التي ترى ضرورة فصل الدين عن الدولة حتى تتحرر العقول ويتقدم المجتمع العربي ويصبح قادرا على إنتاج المعرفة ، كسرا لاحتكار أمريكا والغرب لها وإملاء شروطه المجحفة علينا) وخلاصة ذلك أن ما يشاع عن رفض ذائقتنا الثقافية العربية للحداثة ليس من الحقيقة في شئ .
وهنا ننتقل إلى مقولة أخرى وضعت موضع الحقيقة تتمثل في طرح بعض التيارات الدينية التي ترى أن الطريق الأوحد لخلاص مصر هو العودة إلى ( ثقافة النبوة ) وهنا نتساءل : فماذا عن الثقافات الأخرى التي مرت بنا عبر قرون مضت ، وماذا عن التعدد الثقافي الذي عصف بفكرة التمترس خلف البعد الواحدي للثقافة ؟ وهل المقصود بثقافة النبوة آليات تلك الثقافة أم مضمونها أم الاثنان معا ؟ أليست ثقافة النبوة ثقافة ثبات على ما وقر في ضمير المؤمن ؟ أليست هي ثقافة ثبات فكري مقيد بالنص القرآني ؟ ثم ماذا عن الاتجاهات الإسلامية المتغلغلة بتأويلاتها المتباينة وأجنداتها وببرامجها المتشعبة التي لا تترك شاردة أو واردة من حياة الفر من بسطاء شعوبنا إلا وغزتها وكبّلت حريتها في ، دون اعتبار لما في صحيح التنزيل " لست عليهم بمسيطر " لظن أولئك أن العقل البشري قاصر، وأن من حقهم ردع من يشك في فكرة التسليم بأن العقل البشري قاصر عن إدراك الحقيقة – المقصود الحقيقة المطلقة التي يزعم أصحاب بعض التيارات ملكيتهم لها - وهذا القصور المفترض منهم في العقل البشري مسلم به عندهم ؛ لذا فمؤاخذتهم على من لا يسلم بما يعتبرونه حقيقة مؤكدة .
إن النبش في جذور عقيدة دينية ما لا يلزم باحثا معاصرا إلا بضم عنصر فعال حالة التماع فكرة إشراقية فيها إلى محصلة المعارف والثقافة المعاصرة ، إذا ما رأى صلاحيتها في دفع عجلة الحاضر على طريق المستقبل الأنفع والأرفع لإحسان الحياة الإنسانية المشتركة بعامة وفي مجتمعه بخاصة .
وفي هذا الإطار نتساءل: إلى أي مدى يثمن الباحث عن الحقيقة بيان الأزهر المطالب بـ (توحد القوى الوطنية لدعم الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة ؛ اعتمادا على دستور ترتضيه الأمة ) لا شك أن البيان في مجمله طفرة يقفز بها الأزهر قفزة عصرية لاسترداد مكانته المفتقدة منذ عرفت مصر نظام العسكرة الشمولي . لكن ماذا عن إمكان تحقيقه على أرض الواقع - هذا قطعا ليس مسؤولية الأزهر بعد أن قذف الكرة في ملعب القوى الوطنية –
لكن المشكلة تتكشف في جملة " دستور ترتضيه الأمة " في ظل غياب ثقافة (أدب الاختلاف) الذي هو أساس لتوحد القوى الوطنية على تباين توجهاتها . هل هو ماثل في واقعنا الآني أو بعد عدة شهور أو بعد عام ؟ يقول صديقي الشاعر والمفكر الوطني ( مهدي بندق) :" انظر إلى التراجع التكتيكي للتيار الإسلامي بكل فئاته " وأقول : نعم .. أظن أن القوى الوطنية تسير الهوينا على طريق أدب الاختلاف في محاولة الوصول لاتفاق على هدف مشترك لدعم أسس قيام دولة وطنية ديمقراطية حديثة .
هذا عن المطلب الأول الأساسي لبيان الأزهر ، فماذا عن المطلب الرئيسي للتقريب والتوافق بين الثقافة الدينية والثقافة المعاصرة في القرن الحادي والعشرين؛ يطرح بيان الأزهر في سبيل ذلك وضع خطة ( لتجديد التعليم الأزهري ؛ ليسترد خريجوه دورهم الفكري وتأثيرهم العالمي ) وهو هدف تكتيكي جدير بالتقدير .. لكن ، ماذا عن آليات تحقيق ذلك في ظل هيئة التدريس القائمة ؟ وما مدى نجاح ذلك والطلاب أنفسهم خلفيتهم الثقافية الريفية وشبه الريفية تشكل أساس توجهاتهم الفكرية ، وهي ثقافة تسليم أو إذعان في جوهرها ؟ ليست عملية ترقيع المناهج وتعديل مسار آليات الخطاب الديني وحده هو القادر على تجديد التعليم الديني ؛ لأن العملية التعليمية ليست مناهج تعليمية وحسب ، وإنما هناك المعلم والطالب في حالة من المشاركة الحاضرة إرسالا واستقبالا ، فما مدى قابلية كل من الأستاذ المرسل والطالب المستقبل في ظل تكلس ثقافة التسليم المتوارثة . تلك هي الإشكالية أمام ذلك المقترح الجدير بالتقدير.. فهل هناك آلية لدى الأزهر لحلها ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية