الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيط الرفيع

رواء هادي

2011 / 8 / 16
التربية والتعليم والبحث العلمي


في الوقت الذي بدأ فيه الكلام عن الشهادات المزورة لكبار الموظفين وصغارهم في الدولة، والقانون المزمع سنه لمحاسبتهم، كان على الجانب الآخر قضية لا تقل أهمية عن الآولى ألا وهي قضية إستسهال الحصول على الشهادة الأولية أو العليا بطرق مشروعة أو غير مشروعة، ولكن ما الحد الآمن بين ما هو مشروع وغير مشروع؟ فدفع قسط عال لسنة دراسية 750 ـ 950 أو يتعدى المليون دينار عراقي، يعطي الحق لصاحبه أن يفكر ويريد النجاح والانتقال إلى المرحلة اللاحقة كيفما اتفق الأمر، وإلا فلماذا منح كل هذه الأموال إلى الجامعة أو الكلية الأهلية أو حتى الحكومية، إلا لكي ينجح ويمر ويحصل على الشهادة..
سيدة أعرفها، موظفة في وزارة أمنية، تقدمت إلى كلية القانون التابعة لإحدى الجامعات الأهلية في بغداد، وفوجئت بالمواد والمناهج الدراسية التي لم تكن لتفقه منها شيئا.. كانت تجلس في قاعة الدرس تُشي ملامحها بدهشتها واستنكارها لما تسمع من مادة المحاضرة، وعرفت هي وغيرها من زملائها كيف يُؤَّمنوا أنفسهم لينجحوا في الفصل الأول والثاني من العام الدراسي الأول حتى جاءت ساعة الصفر.. الامتحانات النهائية، ودخلت الامتحان بمعدلات فصلية عالية، ولم تفقه من اسئلة الامتحان شيئا، وتوقعت الرسوب لا محالة.. ولكنها نجحت.. قالت لي بالحرف "نجحت .. والله هذه مهزلة"!.
نعم إنها مهزلة بحق..
حالة أخرى لإحدى الإعلاميات المعروفات والتي تعمل في قناة تلفزيونية ذائعة الصيت، ما كانت تملك شهادة ثانوية وقررت الحصول عليها بأية وسيلة، فما كان منها غير الإستعانة بمليشيا تصحبها أيام الامتحانات، كانوا يقفون عند باب المدرسة ويشيعون الذعر في نفوس من يراهم..
وبنفسي وأنا جالسة في حافلة من حافلات الحرم الجامعي لجامعة بغداد قرأت أبيات شعرية لا أذكرها كُتبت باللهجة العامية على جلد المقعد أمامي، ومن المؤكد أن غيري كثيرين قرأوها، ختمها الطالب الشاعر بعبارة "الشهادة صارت قشمره"..!
وحالات كثيرة جميعنا يعرفها أو تناهت إلى سمعه بشأن إستسهال أمر الحصول على الشهادة، والأمر ذاته يحدث على مستوى الشهادة العليا التي صار في مقدور البعض الحصول عليها دون عناء البحث والاجتهاد العلمي، والإتكاء فقط على الوساطة والرشى والعلاقات المشبوهة.
وبمناسبة حديثنا هذا، أذكر وزير الدفاع الألماني كارل تيودور غوتينبرغ الذي قدم استقالته قبل أشهر عدة على خلفية اتهامه بأنه قام بالإنتحال الأدبي في أجزاء من رسالة الدكتوراه خاصته، إذ قام بإقتباس فقرات لمؤلفين دون الإشارة إلى المصادر التي إنتحل منها. وقد قال غوتينبرغ نقلا عن مجلة دير شبيغل الألمانية "إنني أذهب ليس بسبب رسالة الدكتوراه، رغم إنني أتفهم أنها قد تكون سببا كافيا من وجهة النظر الأكاديمية، وإنما بسبب الشك في قدرتي على القيام بمسؤولياتي بالكامل". وأقول كم إن هذا الرجل يُحترم!
وهل يجرؤ أولئك المسؤولون عندنا الذين كُشف سترهم وتبين أن شهاداتهم مزورة، أن يتنحوا عن مناصبهم ويسلموا مهامهم إلى من هم أجدر بها منهم، كما فعل غوتينبرغ ليحظوا على الأقل بشيء من الإحترام؟!
وبكل الأحوال فإن الشهادة التي يُتحصّل عليها من ذاك الطريق لا تُحترم.. لا من الناس ولا من صاحبها نفسه لأنه يعلم كيف حصل عليها وبأية وسائل.. وإن هو إلا خيط رفيع يفصل بين الشهادة المزورة وتلك الموهوبة من جامعة أو كلية أهلية لإعتبارات ومسوغات عدة، فلا فرق كبير بين شهادة تم تزويرها، وأخرى تم التحصل عليها بأساليب غير أخلاقية إن لم تكن غير قانونية، ومن المؤكد أن الطالب لا يتحمل وحده وزر هذه الشهادة الممنوحة له، بل الوزر تتحمله الجهات المانحة المسؤولة عن الأمر، وربما لهذا كانت فكرة مشروع قانون العفو العام عن مزوري الشهادات من الموظفين صغارهم وكبارهم!
إن الشعوب تتقدم بالعلم وحده، والتعلم حق مشروع وينبغي أن يكون مكفولا وملزما للجميع، على أن يكون قائما على أسس علمية ومنهجية وتربوية سليمة، وما يحدث الآن يجعلنا في مواجهة حقيقة أننا متأخرون بمسافات زمنية هائلة، واننا بحاجة إلى نهضة ثورية كيما نستطيع أن ننفض عنّا ركام الأتربة وأوهام الماضي وأوساخه، والانتصار على نوازع الطمع والأنانية لصالح الانسان وحده، والذي يلزمنا عقدين أو ثلاثة أو أكثر لإعادة بناءه مجددا، بشرط أن لا ننسى أن المحاولة تبدأ من الذات أبدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - والله صارت قشمرة
heba ( 2011 / 8 / 21 - 23:41 )
من الجيد ان وجدفي مجتمعنا هذا شخص انتقد واقع الدراسه في عراقنا الحبيب خصوصا ان كان المنتقد دكتورا في اختصاصه فمجرد المعرفة بان سنوات الدراسة التي كانت تمر بشق الانفس اصبحت تمر اسرع من الريح واحب ان اضيف بان شخصا اعرفه قد اتم السنة الثالثة من الدراسة الجامعية وهو لايكاد يفقه قولا ولا فعلا
فبورك للكاتبة على انتقادها وبوركت الجامعات الاهلية والحكومية بان جعلت راس الجاهل والمتعلم سواسية وذلك كما في عنوان احد الافلام الامريكية من اجل حفنة من الدولارات

اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-