الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امرأة تكتب فى الليل

نوال السعداوى

2011 / 8 / 16
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



صحوت متأخرة أشعر بالتعب، النوم مرهق مثل عدم النوم، ليلة حارة مشبعة برطوبة، الثالث عشر من أغسطس فى مدينة القاهرة، العام الحادى عشر بعد الألفين من مولد المسيح، الثالث عشر من رمضان للعام الألف وأربعمائة واثنين وثلاثين من الهجرة النبوية، اليوم السابع من شهر «مسرى» للعام الألف وسبعمائة وسبعة وعشرين ق. م، العام الثمانين من مولدى ومولد الكاتبة «يسرية» الوحيدة الباقية على قيد الحياة من زميلات طفولتى.

دق جرس التليفون كما يدق كل يوم قبل أن أصحو، يأتينى صوت، صديقتى «يسرية» تكتب فى نومها منذ طفولتها. صحيتى يا نوال؟ لأ يا يسرية؟ بتتكلمى وإنت نايمة يا نوال؟ أيوه يا يسرية زى ما تكتبى وإنت نايمة؟

تطلق يسرية ضحكتها الأبدية الأشبه بفيروس شديد العدوى، تصيبنى نوبة ضحك حتى الاختناق، أعود الطفلة التى كانت فى الأربعين من القرن الماضى، أصحو على الراديو فى بيت جدى يغنى ملك البلاد يا زين يا فاروق يا نور العين، الراديو فى بيتى معطل منذ سقوط الملكية، التليفزيون معطل منذ سقوط مؤسسة الزواج، واغتيال السادات، الكومبيوتر والإنترنت معطل منذ ثورة ٢٥ يناير وتنحى مبارك عن الحكم، عقلى أيضا معطل فى كل العصور منذ خوفو الأكبر خوفا من عقاب الدنيا والآخرة.

لم تكن «يسرية» (لأنها تكتب فى نومها) تخشى شيئا فى الحياة أو بعد الموت، أتعجب لها، أحسدها بينى وبين نفسى، لا أعرف سرها، وإن بدت حياتها خالية من الأسرار.

قريتى الجرايد يا نوال؟ النهارده إيه يا يسرية؟ السبت، السبت أنهوه؟ ١٣ أغسطس؟ سنة كام؟ سنة ٢٠١١، يا خبر؟ السنين بتجرى بسرعة غريبة يا يسرية. فيه إيه فى الجرايد النهارده؟

توقفت منذ زمن بعيد عن شراء الصحف والجرايد والمجلات، صديقتى يسرية تقرأها كل صباح فى بضع دقائق، ثم تطوح بها فى صندوق كرتون تحت بير السلم، تمط شفتيها الممتلئتين قليلا وتقول: رغم التضليل فيه أخبار مفرحة، العالم كله مظاهرات ضد الفقر والقهر ونظام الحكم، الشعار المرفوع «ثوروا على غرار الثورة المصرية» من إسرائيل لأمريكا وبريطانيا وفرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا مرورا بسوريا والعراق واليمن والبحرين والجزائر والأردن والكويت والحجاز، أصبحت رؤوسنا مرفوعة فى العالم رغم أنف الفلول والسلفيين والصوفيين والعسكر والحكومة والأحزاب والمعونات الأمريكية، فى الصومال بيموتوا من الجوع ما فيش فيهم نفس يثوروا، هياكل عظمية، وأمريكا بتشحن لهم فرق موسيقى إسلامية ومسيحية ويهودية لإمدادهم بالسعادة الروحية، ومصر فيها إيه؟

فيها ثكنة عسكرية فى ميدان التحرير، وما حدش عارف مين أصدر الأمر بقطع الإنترنت مبارك أو المشير؟ وما حدش عارف الحل إيه خصخصة الشركات العامة أو تأميم القطاع الخاص؟ والنخبة إياها حيرانة ما بين الثروة والثورة.

ومحاكمة القرن؟ القرن أنهوه؟، القانون القديم فيه ثغرات لصالح القوة والفلوس والمحامى الشاطر، والقانون الجديد لم يصدر بعد ولا الدستور الجديد، الكل خايف من الثورة والتغيير الحقيقى، محاكمة العادلى الأحد ١٤ أغسطس؟ أيوه لكن، لكن إيه؟

العادلى قال من يومين إنه تلقى الأمر من مبارك شخصيا، أمر شفوى كالعادة؟ المحكمة لا تعترف إلا بالورق المكتوب المختوم بالنسر، كل أمور السياسة والدولة والدين والحب والزواج والطلاق والنسب والإرث والتسليف والديون، كلها لازم تكون مكتوبة ومختومة.

كل الوزراء اشتغلوا حسب توجيهات السيد الرئيس الشفهية، حد منهم كان يقدر يقول: «عاوز يا ريس قرار مكتوب مختوم» عشان ورا الشمس يروح؟ مش كده ولاّ إيه يا نوال؟ أيوه إيه، لكن أنا متفائلة، تفاؤلاً طفولياً.

لأ، تفاؤل الوعى، النظام الطبقى الأبوى يتساقط فى كل بلاد العالم، ومعه سوقه الحرة والخصخصة والديمقراطية والشراكة والصداقة والحب والتعاون والتنمية، والإصلاحات الجزئية لعلاج مشاكل الفقر والبطالة والديون، على حساب الكادحين والكادحات، تحت اسم التقشف والزهد والإيمان، والسلام والاستقرار والتوازن والاعتدال، وغيرها من الكلمات الملتوية المراوغة المنشورة فى الصحف والإعلام العالمى والمحلى، والمستقبل فين؟

فى أيدى جماهير الثورة الشعبية، لا أيدى النخبة المضللة للرأى العام! فى التاريخ البشرى تغلبت النخبة على الأغلبية ضد الثورة، النخبة مثل الحرباية تغير لونها حسب من يمسك الحكم، النخبة فى أمريكا وإسرائيل وأوروبا ومصر والصومال وكل مكان وزمان، هى النخبة، عمود السلطة والثروة، عمود الدولة والدين والعائلة، أغلبهم رجال، فيهم بعض «نساء» أكثر شراسة من الرجال، المرأة الحديدية الجديدة فى أمريكا، اسمها ميشيل باكمان، زعيمة حزب الشاى، وسارة بالين، أكثر عسكرية من جون ماكين أو أنجيلا ميركل أو هيلارى كلينتون أو مارجريت تاتشر أو جولدا مائير، أو سوزان مبارك وريا وسكينة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما معنى هذا الكلام غير المفهوم ؟
محمد بن عبد الله ( 2011 / 8 / 16 - 14:06 )
(((فى الصومال بيموتوا من الجوع ما فيش فيهم نفس يثوروا، هياكل عظمية، وأمريكا بتشحن لهم فرق موسيقى إسلامية ومسيحية ويهودية لإمدادهم بالسعادة الروحية)))


وما معنى ضم سوزان مبارك إلى قائمة النساء الأكثر شراسة من الرجال في آخر سطور القصيدة ؟!


2 - الفاضلة الدكتوره نوال السعداوى المحترمة
علي عجيل منهل ( 2011 / 8 / 16 - 15:41 )
ارجو منك الاعتذار والطلب بالموافقة لقد نشرت المقابلة معك فى جريدة القدس العربى اليوم فى الحوار المتمدن لاعجابى بكل الكتابات والكتب الى صدرت منك تحياتى لك واحترامى


3 - مصر فى نفق مظلم
على سالم ( 2011 / 8 / 17 - 14:04 )
اشعر بالاسف العميق لما ال اليه الوضع المزرى لمصر ,يبدو للعيان جدا اننا استبدلنا المجرم مبارك وعصابته الاثمه بهذا المجلس العسكرى الفاسد والذى سرق التوره واجهضها واصبح يمكن رموز عصابه مبارك من استعاده قبضتهم والسيطره على مصر ونهبها وسرقتها ,عصابه المشير المجرم اوسخ من مبارك نفسه ,انهم سفله ورعاع واولاد كلب حراميه ويحقدوا على الشعب اشد الحقد ,لقد قيل لى فى السابق ان الجيش المصرى يعتبر من اوسخ جيوش العالم لاانه عديم التربيه ومنحط الاخلاق وهذا يبدو لى حقيقه بدون جدال ,انها تراجيديا محزنه

اخر الافلام

.. تفاصيل تغيير كسوة الكعبة .. لأول مرة المرأة السعودية تشارك ف


.. لحظة انتشال امرأة أوكرانية على قيد الحياة من تحت أنقاض مستشف




.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح حكم -ذهاب المرأة المتزوجة ل


.. رئيس الوزراء: سنعمل على تعزيز دور الشباب والمرأة في كافة الم




.. لبنان.. دراسة لمؤسسة سمير قصير تؤكد تعرض 37% من الصحفيات للت