الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التماهي بسلطة الاستبداد

صاحب الربيعي

2011 / 8 / 17
المجتمع المدني


يستند نهج سلطة الاستبداد على تغيب وعي المجتمع وإجراء عملية غسل أدمغة البشر لتصبح أجهزة إلتقاط لتوجهاتها لا غير وتعمل على تكذيب الأخبار المضادة وتعيد بثها على أنها مسلمات صحيحة وغير قابلة للدحض، وتشتغل على نحو وكلات أنباء متنقلة تبث الأخبار والإشاعات التي تلتقطها من الاعلام الحزبي والرسمي لسلطة الاستبداد.
إن المتماهي بالمستبد يعمل على تقليده على نحو كلي ويعظم شأنه ويرهن ذاته إليه ليصبح جزءاً من منظومته وتوجهاته ويُعطل تفكيره ويفاخر على نحو لاواعي بمنجزاته ونهجه، لأنه يعبر عن عناصر التضاد السلبية في ذاته فيجد في المستبد شجاعاً يستر من خلاله جبنه الكامن، ويجده قوياً يستر ضعفه الكامن ويجده نبيلاً ليستر انحطاطه الكامن.
في المقابل فإنه يعادي من يشاركه التماهي بالمستبد لأنه يجد في نفسه الوحيد الوفي والجدير والمدافع عنه وغيره دعي كاذب وطامع في اقتسامه حب المستبد. لذلك يجاهد المتماهي بتقليد أسلوب المستبد في الحديث وادعاؤه الشجاعة والقوة والعزوة ويعدّ نفسه صورة طبق الأصل منه وعلى نحو لاواعي يعتقد أنه كلما زاد التماهي بالمستبد زاد قربه منه بعدّه جزءاً من ذاته الكلية وليس جزءاً من بطانته الفاسدة التي تسيئ إلى سيدها المستبد.
يقول (( مصطفى حجازي )) : " إن المتماهي لا يحترم أمثاله ولا يعتز بالروابط بينه وبينهم ويكاد يخجل الاعتراف بالانتماء إليهم، ما يجعله يخوض حرباً عشواء ضدهم ويظهر أدلة أدانتهم وضعفهم وعجزهم وانحدار سلوكهم. ويعدّهم جماعة مستكينة لا يرجى منها خير، لأنها غارقة في المهانة والجهل والانحطاط ".
إن النهج العنفي الذي يمارسه المستبد ضد الضحية لا يقتصر على شل حراكها وحسب، بل تجيرها لخدمته لأنه يغرس الخوف فيها لتكرس حياتها لارضائه. وكلما زاد المستبد من عنفه وتوبيخه وتبخيس دور الضحية في الحياة، والتقليل من شأنها وقيمتها الاجتماعية وإذلالها على نحو يجعلها مسلوبة الإرادة أحكم السيطرة عليها. ويعمل على اقناعها أنها جاهلة لا قيمة لها ولا يمكنها العيش من دونه وما يصيبها من أذى ومهانة وفقر مرده الأساس انحطاطها.
تبذل الضحية ما في وسعها لكسب ود المستبد وتنفيذ توجهاته وعلى نحو لاواعي تعمل على جلد ذاتها والحط من قيمها وتقاليدها الاجتماعية، بعدّها قيم منحطة ومخزية ترفض الانتماء إليها وتوهم ذاتها أنها لا تمت بصلة لانتمائها وصلاتها المجتمعية.
يعتقد (( محمد ديغور)) " أن الإنسان المتماهي تعرض إلى عملية غسل دماغ لأمد طويل، وبغض النظر عن كون المستبد محلياً أم أجنبياً فإنه يشن حرباً نفسية منظمة لتحطيم القيم الاجتماعية والحضارية للفئة المقهورة تهدف إلى تبخيس وإزدراء كل ما يمت بصلة إلى عالمها. ويزين لها قيمه وأسلوب حياته وأدواته وتقنياته ويعدّها فريدة وذي قيمة عالية في تحقيق الذات ".
فضلاً عن سعيه إلى غرس الخوف في ذات الضحية على نحو كبير ليضعف إرادتها لتصبح طيعة لأوامره، فتنصهر مع الزمن في بوتقته وتتماهى بسلوكه وتلبي رغباته لأنها تعيش واقع نفسي قهري للحفاظ على ذاتها من الفناء فتميل بكلها إلى سلطة الاستبداد. ويتولد لديها قناعة راسخة مع الزمن أنها غير قادرة العيش على نحو مستقل وإن فناء سلطة الاستبداد يعدّ فناءاً لذاتها فتستخدم أساليب غاية في الوحشية ضد معارضيها لكنها على نحو لاواعي تدافع عن ذاتها المستلبة.
يعتقد (( نيتشه )) " أن من يصارع بوحشية، عليه أن يكون حذراً أن لا يصبح وحشاً هو ذاته ".
إن تعرض الفئات المقهورة إلى عملية غسل دماغ من سلطة الاستبداد لأمد طويل من الزمن يشل حراكها وتصبح أدوات طيعة بيدها، تدافع عنها على نحو لاواعي وتتماهى بسلوكها أكثر وكلما تعرضت إلى المهانة والاحتقار الاجتماعي تطرفت أكثر بدفاعها عن سلطة الاستبداد وتختلق الحجج الواهية لتبرير سلوكها الهمجي في قتل المعارضين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا


.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3




.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona


.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس




.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف