الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيتشه.. الحياة والميتافيزيقا

محيي عيدان

2011 / 8 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لم يؤسس الفيلسوف الالماني فردريك نيتشه 1844 ــ 1900 م فلسفته على قواعد العقل الذي اعتبره كبقية مفكري عصره الاحرار في القرن التاسع عشر (قوة مضادة للطبيعة تعوق الانسان عن ممارسة ملكاته واطلاق قواه في هذا العالم، ويربطه بعالم اخر فيه من الجمود والازلية والثبات ما لا تطيقه طبيعة البشر ولا يعرفه الواقع الانساني) لذى فقد وصفت فلسفته بانها غير عقلانية وغير معقولة.

ان النزعة الفنية الرومانتيكية والتي تعد واحدة من المراحل الثلاثة التي مر بها تفكير نيتشه قد ساهمت في تأسيس فلسفته على المشاعر والانفعالات والغرائز الفردية التي تأملها في نفسه اولا وعند الاخرين من ابناء قومه البروسيين الالمان الذين كانوا في صراع وخصومة مع جيرانهم.
ان عداء نيتشه للعقل جاء في سياق موجة التنكر للعقل والتي انتشرت في اوساط المثقفين في اوربا لصالح اللاعقلانية فالعقل متهم عنده في الخضوع في احكامه للحاجات النفعية: (العقل خاضع لحاجتنا النفعية وان عليه ان يخلي مكانه لمشاعرنا الباطنة، ولمثلنا الاخلاقية، او لعقائدنا الدينية)..
فكثيرة هي المسائل الفكرية الحيوية التي تناولها نيتشه في فلسفته التي تركت تأثيرا واضحا على منهجية مدارس فلسفية معتبر كالمدرسة الاميركية الذرائعية والتي تعرف بالبرغماتية والتي اسسها ثلاثة من المفكرين الامريكان هم: 1 ـ تشارلس بيرس..
2 ـ جون ديوى..
3 ـ وليم جيمس..
في السنوات الاخيرة من القرن التاسع عشر فقد تبنت موقف نيتشه من مفهوم الحقيقة اذا انكر نيتشه وجود حقيقة مطلقة بالضد من المذاهب المثالية والدين؟، فالحقيقة عند نيتشه هي نسبية وان الحياة هي اساسها ومصدرها الوحيد كما وارجع الحقيقة الى (كل ما ينفع الحياة) وانها (خطأ وبطلان ثبت نفعه)..
اما المدرسة الوجودية فقد تبنت موقف نيتشه من الانسان، لقد اعتبر الوجوديين نيتشه واحدا منهم فتفكيره له ارتباطا بحياته اي وجوده الاثنان (نيتشه والوجوديين) وضعوا الانسان الفرد في دائرة اهتمامهم الاثنان اعتبروا الانسان ذو ماهية متغيرة نيتشه يرى: (بان الانسان في محاولة دائمة لا تعرف الاستقرار، فهو لا يرضى بشيء، ولا يقف عند حد).
وهذا المعنى قريب من التفكير الوجودي كما يقول الدكتور فؤاد زكريا والذي من اهم صفاته (تجدد الوجود الانساني فليس للانسان ماهية ثابتة بل ان وجوده سابق على ماهيته فمن خلال وجود الانسان تتحقق ماهيته وليست له اية ماهية ثابتة تتحدد مقدما).
فالانسان برأي نيتشه حيوان (لم يصنف او يحدد نوعه) الا انه يحوي في داخله (شيء اساسي ناقص) وهو فقدان ماهية الذات، لذى فعليه ان يسعى الى تجديدها اي يصبح (خالق ذاته) وهو تعريف نيتشه للانسان في كتابه (هكذا تكلم زارادشت).
فاذا كان (القلق) عند كير كجورد والوجوديين هو التعبير عن عدم تحديد ماهية هوية الانسان فالقلق هو (الحالة التي تتفتح فيها امامه افاق عديدة قبل ان يستقر على واحد منها).. اما تحديد الهوية عند نيتشه فيكون عبر السير في طريق الخطر:(فالانسان الحقيقي هو الذي يسير في الطريق اي هو الذي يحاول دائما ان يترك حالته السابقة ليتوجه الى حالة تعلو عليها اما الذي يقف حيث هو ولا يسير في الطريق، ولا يمارس الشعور بالخطر، فلم تتحقق انسانيته بعد، وهو الذي يسمه نيتشه (بالانسان الاخير) اما فكرة الانسان الارقى السوبرمان فهي تعبير عن (تجاوز الماهية الثابتة، وحشد القوى الخالقة للانسان حتى يعلو بها على ذاته دوما).
حب الحياة وحب الارض هما اللتان جعلتا نيتشه يتماسك ويمنع انهيار صحته النفسية بعد ظهور اعراض جنون العظمة عليه..
تقديره وحبه للحياة كانا وراء رفضه لكل الدعاوى الدينية التي تبشر الناس وتوهمهم على حد تعبير فرويد بوجود عالم اخر في مكان ما من هذا الكون المتناهي كما رفض مثل هذه الدعاوى في الفلسفة ايضا والتي تمثلت في باب الميتافيزيقا ما وراء الطبيعة وحذر الناس على لسان زارادشت من مثل هذا الافكار السامة ! فدعاهم الى التمسك بالارض التي هو بالنتيجة تمسك بالحياة: (اني اناشدكم يا اخواني ان تظلوا اوفياء للارض والا تصدقوا اولئك الذين يحدثونكم عن آمال في عالم اخر، انهم يدسون لكن السم سواء كانوا يعلمون او لا يعلمون).. وبعد ان انكر العالم الاخر كما بشرت بها الدعاوى الدينية ومن ثم تحول نحو الفلسفة ليقوض دعائهم العلم الذين تناول الظواهر غير المحسوسة اي الموضوعات التي تبتعد عن الادراك الحسي والتي يصعب فهمها والذي اطلق عليه اسم الميتافيزيقا فهي العلم الذي يبحث فيما وراء الظواهر المحسوسة وقد اعتبر ارسطو الفلسفة الاولى فهي:
(علم المبادئ الاولى والعلل البعيدة التي تشمل جميع المبادئ الاخرى فهي اشمل العلوم واكثر يقينا وتجديدا، فضلا عن انها اشرف العلوم لان موضوعها النهائي هو العلة الاولى او المبدأ الاول وهو اشرف الموضوعات وهو الله). انكاره وجود عالم ما وراء الطبيعة هو دعوة من نيتشه للانسان الى الدفاع عن الوجود المحسوس والذي هو في النتيجة دفاع عن الحياة وقدسيتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يؤثر التغير المناخي على سير حملات الانتخابات حول العالم؟


.. قمة بين الرئيسين الأميركي والفرنسي في باريس تركز على الملف ا




.. كيف استفاد نتنياهو من عملية النصيرات؟


.. ماذا يحدث في معسكر منتخب المغرب؟ هل يدلل الركراكي النجوم؟ |




.. شاهد | مظاهرة تجوب شوارع لندن دعما لغزة وتنديدا بمجازر الاحت